"مرض وقت الراحة".. ما أعراضه؟ وكيف يمكن تجنبه؟
٢٣ ديسمبر ٢٠١٩حرقة مزعجة في البلعوم، وسرعان ما تبدأ أولى نوبات السعال. شعور مزعج بالفعل، ويزداد سوءا حين تكون في أول أيام إجازتك بعد أيام عمل طويلة متلاحقة، أيام الإجازة التي ينتظرها الكثيرون للراحة ولإنجاز الكثير من الأمور المتأخرة بسبب ساعات العمل الطويلة.
تصور يبعث على الأسى، إذ تتذكر أنك تودع طاولة المكتب إلى فراش المرض، ويبدو أن الجسم ينتقم لكل ساعات العمل الثقيلة، فتظهر أعراض البرد وآلام البلعوم والرأس والمفاصل. قد يبدو الأمر تناقضاً خيالياً، لكنها حقيقة تتكرر مع الكثير من الأشخاص.
شخص من كل خمسة يتعرضون للإصابة
في لغة أهل الطب تُسمى هذه الظاهرة "مرض وقت الراحة" Leisure Sickness. وما يتسبب بالمرض ليست الراحة المفاجئة التي يحصل عليها الجسم في وقت الفراغ، وإنما قلة الاسترخاء في المرحلة السابقة لوقت العطلة أو الإجازة. ففي دراسة لمعهد يوغوف لاستطلاعات الرأي أُجريت عام 2017، ثبت أن 22 بالمائة من أكثر من 2000 مشارك سبق لهم الإصابة بـ "مرض وقت الراحة".
وبذلك فإن كل خامس شخص سبقت له الإصابة به. 18 بالمائة من المستطلعة آرائهم أكدوا أنهم أُصيبوا بأعراض مرضية خلال عطل نهاية الأسبوع أو الإجازات من دون سبب واضح في العام الماضي. نذير المرض في أوقات الفراغ غالباً ما يكون ناتجاً عن الضغط النفسي في الدماغ.
في أوقات الإجهاد التام يلجأ الجسم إلى استخدام أنماط من رد الفعل التطوري. وهذا ما يدعوه البروفيسور مايكل شتارك، رئيس معهد العلاج السلوكي وأبحاث الإجهاد والتعب في هامبورغ الألمانية، بأنه "رد فعل الببر سيفيّ الأنياب" وهو من الحيوانات المنقرضة ويشبه النمر.
في ما يُسمى بالجهاز الحوفي، وهو جزء من الدماغ، يتم تقرير ما إذا كان الموقف مهدداً لحياتنا. ويقول البروفيسور شتارك في هذا السياق: "أسمي هذه المنطقة مكتبة الحياة. هنا تُخزن الذكريات التي ترتبط دائماً بالمشاعر الإيجابية أو السلبية. عندما نسمع صوت انفجار فإننا نقفز فزعاً وننظر من حولنا أولاً".
رد الفعل على الإجهاد لا يتغير
إذا تم تصنيف الموقف أو مثالنا على العمل في المكتب على أنه مهدد أو "صعب"، فإن الجسم يترجم هذا إلى تفاعل فسيولوجي. ويقول البروفيسور شتارك: "حتى لو لم نعد نتقاتل حيوانات الببر ذات الأنياب التي تشبه السيوف، وإنما نواجه حالات الضغط النفسي والإجهاد، فإن رد الفعل يبقى ذاته ولا يتغير". منطقة أخرى من الدماغ، تلك المسماة بـ "اللوزة"، تضمن إطلاق ناقلات عصبية مثل الأدرينالين في الجسم.
ويتبع ذلك ظهور الجهازين العصبين الودي واللاودي، وهما من مكونات الجهاز العصبي اللاإرادي. في حالات التوتر والإجهاد الحادة، يضمن الجهاز العصبي الودي أن القلب ينبض بشكل أسرع ليتم تزويد العضلات بالأكسجين بشكل أفضل وجعل الحواس أكثر فاعلية.
على عكس ذلك يقوم الجهاز العصبي اللاودي بدور مثبط على عمل وظائف الأمعاء والمثانة. إذا كنت تعاني من الإجهاد والتوتر، فلن يكون لديك الوقت للذهاب إلى الحمام، سواء أكنت تواجه ببراً ذا أسنان حادة أو مديرك في العمل.
خلايا المناعة أقل بسبب الإجهاد
"أولاً يعزز الإجهاد الحاد الجهاز المناعي. يتم تشغيل نظام الإنذار لأن الجسم يمكن أن يتلامس مع الكائنات الحية الدقيقة التي تسبب المرض"، كما يوضح عالم المناعة كارستين فاتزل من معهد لايبنز لأبحاث العمل بالجامعة التقنية في دورتموند الألمانية. هذه العوامل المسببة للمرض تأتي في شكل بكتيريا أو فيروسات أو طفيليات.
في تجربة أُجريت على الطلاب الذين كانوا على وشك الدخول في مرحلة امتحانات مرهقة، تمكن فاتزل وفريقه من إثبات أن بعض نتائج تحليل الدم تتغير نتيجة للإجهاد. تم سحب الدم من الطلاب قبل وأثناء وبعد الامتحانات. ووجد الباحثون أن عدد ما يسمى بـ "الخلايا الوحيدة"، وهي أحد أنواع الخلايا البيضاء ولها عدة وظائف مناعية، قد انخفض. هذه الخلايا المعروفة بالمصطلح الشائع بـ "الخلايا القاتلة" مسؤولة عن الدفاع ضد مسببات الأمراض.
عن هذا يقول خبير المناعة الألماني: "بالطبع ، الخلايا الوحيدة ما تزال موجودة. ويمكننا تفسير الأمر بأنها قد انتقلت إلى الأنسجة لأن الجسم بسبب عمليات التطور في حالات الإجهاد يستعد للإصابات والجروح".
الإجهاد المزمن يضعف الجهاز المناعي
يختار فاتزل بوعي كلمة "تفسير". لأنه وفقاً لمستوى الأبحاث الحالية ما يزال من غير الممكن تماماً التمييز بشكل علمي بين الجهاز المناعي القوي والضعيف، ولكن بين الجهاز المناعي السليم والمريض فقط.
ونقول "جهاز مناعي مريض" حين نشير إلى الأشخاص الذين يعانون من مرض المناعة الذاتية أو من فيروس نقص المناعة المكتسبة. أما ما يميز الأشخاص الذين يقعون ضحية لـ "مرض وقت الراحة"، فإنهم من الناحية العلمية أصحاء، إذا ما نظرنا إلى جهازهم المناعي فقط.
لكن المثير للاهتمام أن عدد الخلايا المناعية كان بين الطلاب الذين ذكروا من قبل أنهم يعانون من الإجهاد المزمن، أقل بكثير. عن هذا يوضح فاتزل بالقول: "في حين يمنح الإجهاد الحاد جهاز المناعة دفعة مؤقتة، فإن الإجهاد المزمن يفعل عكس ذلك".
الإجهاد المزمن يأتي بالعديد من العواقب غير السارة: قلة النوم وتشنجات العضلات والصداع وآلام الظهر والشراهة في تناول الطعام. يقول البروفيسور شتارك: "يكمن السبب في القمع الدائم للجهاز العصبي اللاودي". بالإضافة إلى ذلك، يتم إضعاف الجهاز المناعي بحيث يمكن، في أسوأ الحالات، حدوث متلازمة الاحتراق النفسي أو متلازمة التعب المزمن.
الراحة بدلاً من العمل الشاق
أولئك الذين يرغبون في منع "مرض وقت الراحة" يجب أن يبدأوا في ذلك في مرحلة الإجهاد، كما يقول فاتزل. ويضيف عالم المناعة الألماني: "من الطبيعي أن يتعامل كل شخص مع التوتر بشكل مختلف ويقيم الوضع بشكل مغاير. ولكن بالنسبة للجميع هناك قاعدة يجب اتباعها: بدلاً من العمل الجاد في الأيام الأخيرة قبل العطلة أو الإجازة، يجب علينا أن نخطط إلى أخذ فترات استراحة قصيرة لخمس دقائق بين مهمة يجب إنجازها وأخرى".
وينصح البروفيسور شتارك هو الآخر بإنهاء اليوم بوعي، ويضيف "يمكنك إجراء استراحة عقلية وتوعية نفسك بأن المهام المتراكمة في العمل يمكن أن تنتظر حتى الغد. وهذا يجعل من الأسهل على العقل أن يهدأ".
آن-كريستين هيربه/ ع.غ