مسؤولية العرب تجاه ظاهرة التغير المناخي "نسبية"
١ ديسمبر ٢٠١٥التغيرات المناخية في العالم العربي ومخاطر الانحباس الحراري باتت تؤثر في مشاريع التنمية العربية. ويشترك العرب مع بقية العالم في التغيرات المناخية التي كبدت العالم خسائر كبيرة جراء الجفاف والتصحر وموجات الحرارة المرتفعة التي باتت تشكل جزءاً من المشاكل التي تعاني منها المنطقة العربية.
وقد لا تكون هذه المواضيع في صلب اهتمامات المواطن العربي، في ظل الحروب والمشاكل الاقتصادية في المنطقة. كما أن العواصم العربية لم تشهد مظاهرات لنصرة قوانين البيئة وإنقاذ الأرض، كما هو الحال في بعض العواصم الأوروبية، إلا أنه مع كل ذلك، فإن هذه التغيرات المناخية ستكون لها انعكاسات مباشرة على حياة ورفاهية المواطن العربي، إذ كشف تقرير أعده المنتدى العربي للبيئة والتنمية ومقره بيروت عن إمكانية توفير ما قيمته 100 مليار دولار خلال عشر سنوات لو تم استثمار ما قيمته 20 مليار دولار في مجالات المياه والطاقة والبنى التحتية.
كما كشف التقرير العربي عن أن الدول العربية ستكون من أكثر المناطق تعرضاً للتأثيرات ومخاطر التغير المناخي المحتملة، وهي في قلب المشكلة المناخية الكبرى التي يواجهها العالم، خاصة التصحر ونقص المياه. وسوف يؤثر ارتفاع مستويات البحار بشكل مباشر على عشرات آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي الساحلية العربية. كما سيؤثر بشكل مباشر على نحو ثلاثة في المائة من سكان البلدان العربية.
الحاجة لاتفاقات جديدة
ويؤكد مستشار سلطة جودة البيئة الفلسطينية لشؤون تغير المناخ، نضال كاتبة، في حوار من باريس مع DW عربية على أن الدول المشاركة في في المؤتمر الدولي للمناخ "يسعون لإيجاد قوانين بيئية أكثر فعالية ربما تحل محل الاتفاقيات البيئية القديمة". هذا وباشرت وفود البلدان الـ195 المشاركة في المؤتمر الدولي للمناخ في باريس الثلاثاء مفاوضات ماراثونية سعياً للتوصل الى اتفاق يحد من الاحتباس الحراري. غير أن عقبات كثيرة لا تزال تعترض هذا الهدف.
وكان حوالي 150 من قادة الدول قد أعطوا دفعة سياسية قوية للمفاوضات، موجهين نداءات بالإجماع تدعو إلى إنقاذ الكوكب، في مؤشر على وعي غير مسبوق بمخاطر الاحتباس الحراري، إذ لم يشهد أي مؤتمر حول المناخ من قبل مشاركة هذا العدد من قادة العالم.
كما أثنت المنظمات غير الحكومية على جهد قادة العالم، ولكنها تنتظر لترى "كيف سيترجم ذلك خلال المفاوضات". وتهدف اللقاءات التي سوف تستمر حتى الحادي عشر من ديسمبر/ كانون الأول إلى التوصل لأول اتفاق تلتزم بموجبه الأسرة الدولية بتقليص انبعاث غازات الدفيئة لاحتواء ارتفاع حرارة الأرض بدرجتين مئويتين قياساً إلى الحقبة السابقة للثورة الصناعية.
غير أن مواقف المفاوضين تكون أحياناً متباعدة جداً بحسب مدى اعتماد الدول على مصادر الطاقة الأحفورية (الفحم والنفط والغاز) ومستوى التطور وموارد كل بلد. وتطالب الجزر، التي باتت في "حالة طوارئ مناخية" بسبب ارتفاع مستوى مياه المحيطات، باتخاذ تدابير قوية وسريعة، في حين أن الدول النفطية مثل دول الخليج والدول المنتجة للفحم مثل أستراليا تتمنع عن الخوض في عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة بسبب تعارضها مع مصالحها.
استخراج النفط ومشاكل البيئة
ويقول الخبير الفلسطيني كاتبة إن الكرة الأرضية تشهد تغيرات مناخية باتت ملامحها واضحة للعيان، وإن المنطقة العربية تعاني ضمن هذه الظاهرة البيئية كونها جزء من هذا العالم . فالفيضانات التي شهدتها دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى مثل مصر والأردن، إضافة إلى التصحر والجفاف الذي أصاب دولاً عربية أخرى، كلها شواهد على المعاناة التي يواجهها العالم العربي في ظل التغير المناخي.
وأكد كاتبة على ضرورة وجود سياسات عربية بيئية، إلا أنه أشار إلى ضرورة أن تتسم السياسات العالمية "بالعدل وتوزيع الأعباء بالتساوي". وأوضح نضال كاتبة أن النهضة الصناعية العربية هي حديثة العهد بالنسبة لمثيلتها الأوروبية، ومع ذلك يحاول البعض "تحميل العرب والدول النامية"، خاصة تلك المعتمدة على الصناعات النفطية، بضرورة تحمل المسؤولية كاملة بالرغم من هذا الأمر فيه غبن للعرب. فالتغيرات المناخية ليست وليدة الأمس، بل هي نتاج للتدخل الإنساني منذ عشرات السنين، ولذلك من الضروري أن لا يتم وضع عراقيل أمام الصناعة العربية، بل أن تتحمل نسبة من التكاليف، بحسب كاتبة. وعن استخراج النفط في الخليج العربي، قال الخبير الفلسطيني إن عملية استخراج النفط بحد ذاتها ليست مضرة للبيئة بصورة كبيرة، وإنما استهلاك هذا النفط هو المسبب الأكبر للتلوث، وهذا الاستهلاك عالمي وبالتالي يجب أن يكون تحمل العبء عالمياً.
الحلول المقترحة
ويرى مستشارة سلطة جودة البيئة الفلسطينية أن معالجة موضوع تغير المناخ يتطلب عدة نقاط جوهرية، هي خفض انبعاث الغازات المسببة لمفعول الدفيئة، وهو هدف بعيد الأمد، والتكيف مع التغير المناخي وتمويل سياسات دول الجنوب على صعيد المناخ، إضافة إلى اعتماد آلية لرفع التزامات الدول بصورة منتظمة. كما أن استخدام الطاقة البديلة مثل الرياح والطاقة الشمسية من شأنها توليد الطاقة النظيفة.
ويفترض بالاتفاق، الذي تأمل الأطراف في التوصل إليه بحلول الحادي عشر من ديسمبر/ كانون الأول، أن يسمح للعالم بدخول منعطف تاريخي للابتعاد عن مصادر الطاقة الأحفورية التي تؤمن اليوم قسماً كبيراً من الطاقة في العالم، غير أنها تتسبب باحتباس حراري غير مسبوق. ومن أجل الحصول على موافقة دول جنوب الكوكب، يترتب ضمان تمويل يسمح لها بمواصلة تنميتها بواسطة الطاقات النظيفة ومواجهة عواقب التغير المناخي، مثل تراجع المحاصيل الزراعية وارتفاع مياه البحار وذوبان الجليد وتضاعف الظواهر المناخية القصوى وغيرها.