مسيحيو المشرق: ضحايا التوتر بين الإسلام والغرب
١٩ سبتمبر ٢٠٠٦يعيش المسيحيون العرب في دول الشرق الأوسط في بيئة مشحونة بالخوف، إذ كثيراً ما تنعكس أجواء التوتر التي تمر بها العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب سلباً على الأقليات المسيحية هناك. ويزيد من توتر تلك الأجواء توعد بعض الجماعات الإسلامية المتشددة بين الفينة والأخرى باستهداف تلك الأقليات رداً على ما ينعتونه بتهجم الغرب على مبادئ وقيم الإسلام. وما يزيد الأمر تعقيداً، هو أن الأقليات المسيحية، التي تعيش في الدول العربية لا تمثل عنصراً دخيلاً على تلك المجتمعات، كونها تشكل جزءً من ثقافة وتاريخ تلك الدول. و تختلف حياة وتجارب الأقليات المسيحية في المشرق العربي بشكل كبير من بلد إلى آخر، وتختلف معه كذلك حدة التوتر، الذي يطبع علاقة تلك الأقليات بالأغلبية المسلمة باختلاف تلك المجتمعات وتركيبتها الاجتماعية ومدى نشاط الجماعات الإسلامية المتشددة داخلها.
وبعد تصريحات بابا الفاتيكان حول الإسلام أصبح الخوف يساور بعض الأقليات المسيحية العربية. وذلك بالرغم من انتقاد عدد من الطوائف المسيحية في المشرق لهذه التصريحات. ففي مصر، على سبيل المثال، بادرت الكنيسة القبطية بانتقاد تصريحات بابا القتيكان، وذلك على لسان بابا الأقباط شنودة، الذي قال: "كنت أتمنى لو أن البابا بينيديكت فكر جيداً في الغضب والاحتجاج الذي ستحدثه تصريحاته في العالم الإسلامي". وأضاف البابا شنودة " من يحب دينه عليه ألا يتهجم على دين الغير. أتمنى، وهو ما قاله بينيديكت، ألا تتعكر صفوة العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في العالم العربي".
الأقباط أكثر استهدافا…
لا يكتسي التعايش بين الأقليات المسيحية والمسلمين دائماً طابعاً سلمياً خالياً من الصراعات والعنف، بل يحكمه أحيانا الخوف وانعدام الثقة بالآخر. فشعور الأقلية المسيحية في مصر، على عكس نظيراتها في معظم الدول العربية، يتسم أحياناً بالهلع والتذمر نتيجة تهديدات جماعات إسلامية متشددة تروج للأفكار معادية للمسيحيين، تغذي الحقد وتكرس التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، سوى لأنهم يدينون بغير دين آخر غير الإسلام أو لأنهم يدينون بدين يعتبرونه دين أعدائهم. لذا يسود نوع من الجزم بأن الطائفة القبطية على وجه الخصوص باتت تعاني من التوتر، الذي يمر به الحوار بين الغرب والإسلام الغربي. وفي السنوات والشهور الماضية تكررت عملية الاعتداءات على الأقباط في مصر، التي تنفذها الجماعات الإسلامية المتشددة ضد أبناء جلدتهم الذين يخالفونهم العقيدة ويتقاسمون معهم المواطنة والتاريخ والانتماء إلى الأرض والثقافة. ففي مايو/أيار الماضي تعرضت إحدى الكنائس القبطية في مدينة الإسكندرية وزوارها إلى هجوم أودى بحياة البعض وجرح خلاله البعض الأخر. ذلك الحادث وحوادث أخرى مشابهة له عرفت تعتيماً إعلامياً من قبل الجهات الرسمية التي ترغب في طمس حقيقة التميز العنصري الذي تتعرض إليه الأقلية المسيحية، يقابله محاولة الجانب الرسمي المصري التقليل من حجم وأهمية تلك الاعتداءات.
…ومسيحيو العراق يهاجرون
أما في العراق، الذي بات الجميع فيه مستهدفاً لم تسلم الجاليات والطوائف المسيحية من تهديدات الجماعات الإسلامية. ولعل ما يعزز مخاوف تلك الطائفة في بلاد الرافدين هو حالة الغليان، التي يعيشها الشارع العراقي عقب تصريحات البابا، والتي صاحبتها مظاهرات في البصرة، حيث أحرق المحتجون دمية تمثل البابا وقاموا بتحطيم باب إحدى الكنائس. ولم تكن تلك التهديدات والإعتداءات على المقدسات الدينية الأولى من نوعها. فلقد تعرضت أوائل العام الجاري كنائس كاثوليكية في بغداد والموصل إلى موجة من الإعتداءات بالسيارات المفخخة، تلتها اعتداءات مماثلة على كنيسة مريم العذراء الكاثوليكية وكنيسة الأرثوذكس في كركوك وكنيسة القديس يوسف الكاثوليكية وسفارة الفاتيكان في بغداد مخلفة عدداً من القتلى. وفي ظل تفاقم الأوضاع الأمنية في العراق وتزايد استهداف المسيحيين ومقدساتهم بدأ عدد كبير منهم بالهجرة إلى بلاد أخرى.
تجاهل دور الطائفة المسيحية العربية
يمكن للطوائف المسيحية العربية أن تلعب دوراً مهماً في مد جسور التسامح والتقارب بن الدول الإسلامية والغرب، خاصة وأن مسيحيي المشرق العربي يدركون عمق القضايا العربية الإسلامية ويعرفون جوهر المجتمع الإسلامي الذي يعيشون في كنفه. ذلك الإلمام بقضايا المجتمع يجعل تلك الطائفة قادرة على أن تعكس للغرب المسيحي مخاوف المجتمع الإسلامي وتنقل مطالبه بصورة أكثر وضوحا وغير مشحونة بالانفعالات. لكن، عوض أن تلعب الطائفة المسيحية في مصر التي يبلغ عددها 10 ملايين، دورا حيويا يعيش أقباط مصر كمواطنين من الدرجة الثانية وذلك رغم أن الدستور المصري يؤكد على مبدأ المساواة بين كل أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو الاجتماعية.
تناقضات عربية
إن التهجم على الطوائف المسيحية العربية من قبل جماعات متطرفة تتخذ من الدين الإسلامي ذريعة ومبررا للاعتداء على الغير، وعدم مبادرة الشارع العربي الإسلامي إلى حماية واحتضان تلك الأقليات يسقط تلك الدول في بعض المتناقضات، إذ لا يُمكن للدول الإسلامية أن تحث الغرب المسيحي على التسامح الديني أو أن تطالبه بحماية الأقليات المسلمة التي تعيش في أوروبا وحماية خصوصياتها الثقافية والدينية وعدم إجبارها على الانصهار في تلك المجتمعات، في الوقت الذي يُحرم فيه أبناء الطوائف المسيحية في بعض الدول الإسلامية من إبراز هويتهم الدينية والتمتع بالمساواة التي تنص عليها دساتير تلك الدول.