مشاركة السعوديات في أولمبياد لندن: إصلاح أم بهرجة إعلامية؟
٧ أغسطس ٢٠١٢قوبل قرار مشاركة السعوديات في أولمبياد لندن 2012 بجدل كبير داخل المجتمع السعودي حيث ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بسجالات عنيفة بين المحافظين المتدينين الرافضين لهذه الخطوة وبين آخرين يرون أن من الحقوق الطبيعية للمرأة أن تمارس ما تريد دون تدخل من أحد. وكان الجدل السعودي بين الطرفين حول مشاركة المرأة في المجال العام لم يكن قد توقف بعد لتأتي قصة الأولمبياد لتصب الزيت على النار. فقد بدأت النقاشات والحروب الكلامية بين الطرفين منذ قرار العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في سبتمبر الماضي بمشاركة المرأة في مجلس الشورى المعين وفي المقاعد البلدية المنتخبة.
الشيخ عبد العزيز الطريفي، الباحث في وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية، رأى أن قرار الجهاز الرياضي الحكومي في السعودية بمشاركة النساء في أولمبياد لندن جاء "خضوعا ً للضغوط الخارجية وتجاوبا ً لمساومات خارجية قرنت مشاركة الرجال بمشاركة النساء". بينما رأت الناشطة منال الشريف في مشاركة الرياضية السعودية وجدان شهرخاني في لندن عنصرا إيجابيا لأنها: "كسرت التابوه المسمى رياضة النساء". ولم تنس الشريف أن توجه تحية للاعبة الجودو السعودية بالقول: "شكراً وجدان أنا سعودية وأفتخر بوجودك بيننا".
وبالرغم من أن السعوديات لا يمارسن الرياضة نهائيا في المدارس الخاصة بهن ولا يوفر الجهاز الحكومي الرياضي أي منشأة رياضية لهن داخل السعودية إلا أن مي عبد الوهاب، وهي مدربة رياضية في إحدى الصالات الخاصة النسائية ولاعبة كرة قدم سابقة تقول في حديث لـDW عربية: "بالنسبة لمشاركة المرأة السعودية في أولمبياد لندن هي بلا شك في رأيي خطوة جيدة جداً وإن كانت تلميعا إعلاميا". وترى عبد الرحمن أن بوسع المرأة السعودية أن تبني على هذا الخطوة وتأخذها مستقبلا "عامل قوة". فهذه التجربة "تدل على أن المرأة متى ما أعطيت فرصة جيدة وتوفرت لها بيئة مناسبة مادياً ومعنوياً لممارسة الرياضة فإن شانها شأن سيدات العالم سوف تحقق نجاحات".
وتمارس مي عبد الوهاب عملها كمدربة رياضية في صالة رياضية خاصة وتقول حول موقف الحكومة من ممارسة النساء الرياضة داخل السعودية: "لم نر أي دعم يذكر ولا توجد أندية نسائية رسمية أنشأتها الحكومة".
مقاومة من رجال الدين المحافظين
وكان رجال دين سعوديون قد عارضوا بشدة فتح المجال للنساء السعوديات لممارسة الرياضية في أندية حكومية وكذلك في المدارس الحكومية فضلا ً عن عشرات الفتاوى الدينية. ولعل أبرز فتوى في هذا المجال هي التي تعود للشيخ عبد الرحمن البراك، وهو أستاذ جامعي سابق وأبرز رجال الدين السلفيين المحافظين، ونصها: "والله الذي لا إله إلا هو إن افتتاح هذه النوادي ليس عملاً صالحاً، بل هو حرام لما يفضي إليه من المفاسد المحققة".
وفي الحقيقة لم تقتصر الانتقادات على رجال الدين فقط بل شملت بعض الناشطات والناشطين أيضا الذين رؤوا في هذه المشاركة أمرا شكليا. فبالرغم من الترحيب الكبير الذي قوبلت به مشاركة السعودية في الاولمبياد فإن أروى الحضيف، وهي مدونة سعودية وناشطة في مجال الشبكات الاجتماعية تقول لـ DW عربية: "الجميع في السعودية يعلم أن هذه المشاركة صورية، ولا تمثل حقيقة الوضع في البلد الذي لا يدعم أي نشاط رياضي للنساء". وبالرغم من "شكلية" الخطوة فإن الحضيف تجدها فرصة جيدة "ليس لتلميع الصورة"، بل لكسر الحاجز "النفسي" لدى العديد من السعوديين الذين يجدون حرجا في مشاركة المرأة في صياغة المشهد العام للبلد.
"المشاركة لن توثر كثيرا على حقوق المرأة في السعودية"
وتضيف الحضيف بأن هذه المشاركة وبهذه الطريقة توضح أن ممارسة المرأة للرياضة ليست "عهرا، كما زعم البعض في تعليقاتهم". وترفض الناشطة السعودية أن ترى في مشاركة المرأة في الأولمبياد كمواجهة بين رجال الدين والحكومة السعودية إذ تقول: "أعتقد أن وصف المشهد في السعودية كمواجه بين التيار الديني والحكومة وصف غير دقيق، بشكل أو بآخر موقف التيار الديني هو صنيعة الحكومة. التيار الديني كباقي الشعب لا يمتلك أدوات لمواجهة النظام سوى النظام ذاته".
نورة عبد الكريم سعودية تدرس العلوم السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية تتحدث حول الأثر السياسي في حديث لـ DW وتقول: "لا أرى أن مشاركة نساء سعوديات تم تدريبهم في الخارج في الأولمبياد سيكون له أي تأثير فعلي على حقوق المرأة داخل السعودية". وتضيف عبد الكريم أن الحكومة تستغل هذه القضايا لتظهر للعالم أنها تقوم بإصلاحات وأنها تكافح من "أجل إصلاحاتها السياسية ضد مجتمعها المحافظ".
وحول التيار الديني تقول عبد الكريم : "لا أرى أن مشاركة المرأة في الأولمبياد مواجهة بين الحكومة والتيار الديني حول المرأة، بل اعتبر قضية المرأة وحقوقها أصبحت مساحة لحرب بالوكالة بين التيار الديني والتيار الليبرالي". وتعرب عبد الكريم عن اعتقادها أن كلا التيارين يستخدم الحكومة للاستقواء على الآخر. وهذا السجال بين التيارين حول المرأة يتناسى، برأي عبد الكريم، نقطة مهمة وهي أنه "ينشغل بالتركيز على حقوق المرأة كقضية استثنائية ومختلفة عن حقوق الرجل ويجعل منها مسألة اجتماعية بدلاً من أحد المطالب السياسية المدنية".
تركي العبد الحي ـ الرياض
مراجعة: أحمد حسو