الجنيه المصري- تحسّن سعره لا يحسّن حياة الناس!
٢٥ فبراير ٢٠١٧فوجئ كثير من المراقبين بتدخل الحكومة المصرية لتثبيت سعر الدولار الجمركي عند 16 جنيها. أما المفاجأة الثانية فتمثلت في انخفاض سعر العملة الأمريكية في السوق الحرة دفعة واحدة من 20 إلى ما دون السعر المذكور للدولار الواحد. ويقف وراء هذا الانخفاض توفير البنوك المصرية وفي مقدمتها البنك المركزي السيولة الكافية من الدولار في السوق بفضل تدفقات مالية بالعملة الصعبة تُقدّر حصيلتها بنحو 25 مليار دولار منذ تحرير سعر صرف الجنيه أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت 2016. وجاءت هذه التدفقات من مصادر متعددة أبرزها بيع سندات حكومية في الأسواق الدولية بقيمة حوالي 6 مليارات دولار والحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات إضافة إلى تقنين الاستيراد
وإقبال الكثيرين على تبديل دولاراتهم وإيداعها بالجنيه مقابل فوائد مغرية تصل إلى 18 بالمائة. السؤال الذي نود طرحه هنا هو، هل يصمد الجنيه على السعر الجديد لفترة طويلة؟ وهل يؤدي التحسن في سعره إلى تراجع أسعار السلع الاستهلاكية بشكل يخفف معاناة الغالبية الساحقة من المصريين الذين ينتمون إلى أصحاب الدخل المحدود والفئات الفقيرة؟ وسبق لقسم كبير من هذه الأسعار أن ارتفعت بشكل جنوني أدى إلى تآكل القدرة الشرائية لهذه الغالبية بعد تعويم سعر الجنيه وتراجع سعره إزاء الدولار الأمريكي بنسبة زادت على 100 بالمائة خريف العام الفائت.
تحسن مؤقت لسعر الجنيه!
تُعد السندات الحكومية والحصول على قروض دولية وجذب الودائع بفوائد عالية من وسائل السياسات الاقتصادية والمالية الهامة، غير أنه لا يمكن اللجوء إليها إلى ما لانهاية، لاسيما وأن أقساطها وفوائدها تتطلب مبالغ عالية ليس من السهل توفيرها في بلد يعاني من أزمة اقتصادية شبه مزمنة مثل مصر. ويزيد من صعوبة الأمر تردي موارد السياحة وتعثر نهضة الصناعات التحويلية والاستهلاكية والزراعة القادرة على إحلال الواردات من السلع الأجنبية بشكل ملموس. وتشكل هذه الواردات ما يزيد على 60 بالمائة من احتياجات السوق المصرية حتى من السلع الأساسية. وعلى ضوء ذلك يبدو أن سعر الجنيه الحالي إزاء الدولار لن يكون مستقرا على المديين المتوسط والطويل. ويذهب خبراء إلى أن هذا الاستقرار ليس مضمونا حتى على المدى القصير لأن الطلب على الدولار سيرتفع بحلول شهر مارس/ آذار القادم وفقا للخبير وأستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة رشاد عبدو.
وقال عبدو في مقابلة مع DW عربية "إن قرار تقنين الاستيراد للكثير من السلع المصنفة على أنها كمالية ينتهي مفعولة في مارس/ آذار 2017 ما يعني بدء إقبال التجار على طلب مزيد من الدولارات لاستيرادها، لاسيما وأن الطلب يزداد عليها في شهر رمضان الذي يبدأ أواخر مايو/ أيار القادم. وحسب الدكتور رشاد "هناك أيضا حوالي 5.8 مليار دولار مستحقات لكل من السعودية والإمارات هذا العام سبق لحكومتي البلدين أن وضعتها كودائع تحت تصرف البنك المركزي المصري عام 2011".
تعني زيادة الطلب على الدولار من جهة ومحدودية مصادر العملات الصعبة في المدى المنظور من جهة أخرى صعوبة الحديث عن ضمانات لسعر جنيه مستقر نسبيا. ولن يخفف من ذلك بشكل ملموس اعتماد فوائد مغرية على الودائع بالجنيه المصري وتدفق استثمارات إضافية إلى البورصة المصرية. الخبير الاقتصادي محمد عبد الجابر يصف الفترة الحالية بأنها "فترة تأرجح تبحث فيها الأسواق عن سعر عادل ومتوازن أرى بأنه سيكون بحدود 17 جنيها للدولار".
من هو الخاسر؟
تتمثل مشكلة السوق المصرية في غياب العرض السلعي، بكميات كافية ونوعيات مختلفة وأسعار مناسبة، وهو الأمر الذي يفسح المجال لقلة من التجار والمنتجين الذين يتمتعون بوضع شبه احتكاري لرفع الأسعار بشكل أكبر من ارتفاع سعر الدولار. ويساعدهم على ذلك غياب الرقابة الحكومية واستشراء الفساد في أجهزة الدولة المسؤولة. أما حجة المحتكرين الدائمة لرفع الأسعار فهي زعمهم باستيراد بضاعتهم بسعر الدولار الأكثر ارتفاعا مع أن إتمام صفقة تجارية مع الخارج يتطلب في الحالة المصرية ما لا يقل عن شهرين أو أكثر حسب الدكتور رشاد عبدو. ومع توقع ارتفاع الطلب على الدولار مجددا فليس من المرجح تغيير سلوكهم هذا رغم تحسّن سعر الجنيه مؤخرا. وعليه فإن المستهلك الفقير أو صاحب الدخل المحدود لن يستفيد بشكل ملموس من هذا التحسن طالما بقي العرض السلعي على مستواه في السوق وطالما بقي توفير مستلزمات الأخير على ارتباط كبير بالاستيراد من الخارج. أما كسر هذا الارتباط فممكن على المدى الطويل الذي يتطلب عدة سنوات في حال إتباع سياسات اقتصادية جديدة تركز على دعم وإنجاح المشاريع المتوسطة والصغيرة المحلية في الزراعة والصناعات التحويلية والاستهلاكية بدلا من المشاريع العملاقة كمشروع توسيع قناة السويس وبناء عاصمة جديدة. فنجاح هذه الصناعات يوفر على الخزينة مليارات الدولارات التي تُصرف سنويا على استيراد السلع الأجنبية.
من هم الرابحون؟
إذا كان الفقير وصاحب الدخل المحدود ليسا من الرابحين جراء تحسن سعر الجنيه مؤخرا، فمن هو الرابح يا تُرى؟ كما جرت العادة أيضا في بلدان أخرى تسود فيها أوضاع مشابهة فإن الرابحين هم، التاجر المحتكر والمضارب الذي استشعر تغيير أسعار الصرف في الوقت المناسب، إضافة إلى المستثمر الأجنبي الذي يمكنه شراء أصول وأسهم مصرية أكثر بعملته الصعبة. ولكن ماذا بالنسبة للحكومة، ما الذي أرادته من تدخلها المُقصود في سوق الصرف؟ الحكومة بتدخلها هذا أرادت كما يرى الخبير رشاد عبدو استرجاع بعض الثقة بالعملة المصرية، في إشارة الى أنها لن تسمح بانفلات سعرها وأنها ما تزال قادرة على تصويب المسار في السوق.