مصر: جدل واسع حول المحاكمات العسكرية للمدنيين
٢٨ نوفمبر ٢٠١٣فجرّت الصيغة الجديدة للمادة 174، من الدستور المعطل، والخاصة بالجرائم التي يمثل بسببها المدني أمام القضاء العسكري الكثير من الخلافات لم يكن آخرها انسحاب مسعد أبو فجر، ممثل سيناء، بلجنة الخمسين، حيث توالت خلال الساعات الماضية حالات تجميد وتعليق العضوية بين أعضاء لجنة التعديل، رداً على فض مظاهرة، الثلاثاء الماضي، التي طالبت بإلغاء محاكمة المدنيين عسكرياً، وقد تم إلقاء القبض على أكثر من 97 متظاهر أمام مقر انعقاد اللجنة، قبالة مجلس الشورى المصري.
ويعلق الكاتب والروائي مسعد أبو فجر، عضو لجنة تعديل الدستور المصري، على المادة 174 لـDW عربية قائلاً: "حينما جرى التصويت على هذه المادة، فكرت بأن التصويت برفض المادة لن يكون كافياً، ولن يؤثر، لهذا فضلت الانسحاب من جلسة التصويت. كنت دقيقا حيث انسحبت من جلسة التصويت فقط وليس من اللجنة".
مدنية الدولة ضمانة ضد الإرهاب
يرى أبو فجر، ممثل بدو سيناء داخل اللجنة، أنه إذا تمّ إقرار المحاكمات العسكرية للمدنيين في تعديل الدستور المعطل، فسيكون لذلك تأثير سلبي على بدو سيناء بشكل خاص، خاصة أن الوضع في شبه الجزيرة المصرية حالياً مؤسف، حيث يتم القبض العشوائي على المواطنين وإحراق منازلهم، إلى جانب العديد من الإجراءات غير القانونية بدعوى الحرب على الإرهاب، ويوضح "إقرار المحاكمات العسكرية سيكون بمثابة منح أداة لاستمرار ذلك في سيناء، والوسيلة الوحيدة للقضاء على الإرهاب أن تكون مصر دولة مدنية". كما يقول مسعد لـDW عربية: "إذا مرت المادة 174، مضاف إليها مواد الجيش تكون مصر قد تحولت إلى دولة عسكرية..وهذا أمر غير قابل للاستمرار، مصر ليست خارج العالم، في العصر الذي نعيش فيه لا يمكن أن يستمر وضع كهذا"، ويضيف معلقاً "من يصر على صياغة الدستور بهذه الطريقة يعيد أسلوب الإخوان حينما أعدوا دستور 2012".
ويعتبر أبو فجر أن الجدل المثار حاليا حول تعديلات الدستور سببه عدم إدراك بعض ممثلي مؤسسات الدولة أن هناك "ثورة قد حدثت"، وأن الدولة بمؤسساتها "يجب أن تسمع وجهات نظر مختلفة وجديدة، مثلا كان هناك حراك سياسي واسع ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين حيث طالب الثوار بوقف هذه المحاكمات منذ 2011، ودائرة الرافضين لها في تزايد، لكن هناك من يتمسك بهذه المواد داخل لجنة الخمسين. نحاول أن نوقف هذا حرصاً على تحالف 30 يونيو/حزيران، وهدفنا أن تكون المؤسسة العسكرية قوية، ولكن أن يكون وضعها سليم، وبما يتناسب مع الدولة الحديثة والمدنية". لا يقتنع عضو لجنة الخمسين بالمبررات المطروحة من جانب مؤيدي المحاكمات العسكرية للمدنيين حيث يقول: "ينبغي التعامل مع الانتهاكات الموجودة في المادة باعتبارها جرائم عادية، جريمة مثل سرقة أحد الكابلات الكهربائية الخاصة بمنشأة عسكرية مثلا ليست جريمة عسكرية، وإنما هي جريمة سرقة فقط".
رفض واسع للمحاكمات العسكرية للمدنيين
من ناحية أخرى، كان إجراء تحويل المدنيين للقضاء العسكري مطعون بعدم دستوريته أيام مبارك، قبل الثورة المصرية.. لهذا سعت المؤسسة العسكرية مع كتابة دستور جديد للبلاد إلى إقرار هذه المحاكمات دستورياً، وكانت المحطة الأولى في دستور 2012 الذي أقرها، وحتى الآن لم تحسم هذه المسألة. من جانبها ترى حركة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين" بأن النص المطروح داخل لجنة تعديل الدستور "يعطي ظهيراً دستورياً للمحاكمات"، كما اعتبرت أن الأعضاء في لجنة الخمسين "أمام خيارين لا ثالث لهما إما التصويت بـ"لا" على النص المقترح في تلك المادة أو خوض معركة حقيقية من أجل حظر تام للمحاكمات العسكرية للمدنيين أو أن يهدروا حق المصريين في العدالة ويلحقوا بمن سبقهم ممن كتبوا دستور 2012 الذي سقط وسقطوا معه". لهذا نظمت الحركة وقفة احتجاجية للمطالبة بحظر أية محاكمات عسكرية محتملة للمدنيين احتراما لحقهم في المثول أمام قاضي مدني، الثلاثاء الماضي أمام مجلس الشورى، مقر انعقاد لجنة تعديل الدستور المصري. وطالب المتظاهرون بإلغاء المادة، لكن الوقفة لم تستمر لأكثر من نصف ساعة حيث قامت قوات الشرطة بفضها، والقبض على المتظاهرين.
من ناحية أخرى توسعت المادة مثار الجدل في الجرائم التي سينظر فيها القضاء العسكري، حيث شملت الاعتداء المباشر على منشآت القوات العسكرية أو معسكراتها أو ما في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها، أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم، ويحدد القانون تلك الجرائم، وقد علّق المجلس القومي لحقوق الإنسان أن المادة المطروحة توسع المجال لهذه المحاكمات "لأسباب ليس لها صلة مباشرة بسلامة وأمن القوات المسلحة"، كما طالب المجلس بأن ينص الدستور "على عدم جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري". كما تجلت حالة الرفض العام للمادة المثيرة للجدل في حملة لجمع التوقيعات بين السينمائيين بعنوان "خالد يوسف (ممثل السينمائيين) لا يمثلني"، رداً على موافقته على المادة، كما جمع الصحفيون توقيعات لإلزام نقيبهم، وعضو لجنة تعديل الدستور، ضياء رشوان برفض أي مادة تسمح بمحاكمة عسكرية للمدنيين، داخل الدستور المعدل.
أين الثقة في المؤسسة العسكرية؟
من جانبه يقول الخبير العسكري طلعت مسلم لـ DWعربية أن "المادة المطروحة بمسودة الدستور المعدل مناسبة، حيث تقرر أن المدنيين لا يخضعون لمحاكمة عسكرية إلا في ظروف محددة، وهذه الظروف تتعلق، في أغلبها، بالأمن القومي المصري بشكل مباشر. ليس من المعقول أن يرتكب أحد جرائم ضد المنشآت العسكرية وينظر فيها القضاء العادي". وسألته عن رأيه في مطالبة محاكمة المدنى أمام قاضيه الطبيعى؟ فأجاب "القاضي المدني لن يعلم ولن يقدر خطورة هذه الجرائم، لأن القضاء العسكري وحده المختص بالقانون العسكري وجرائمه. كما أن هناك جرائم مثل عدم إطاعة الأمر، وهى جريمة كبيرة في القضاء العسكري، وجوهرية في الجيش وهذه الجريمة غير موجودة في القانون العادي ..لهذا يجب أن يتم تمرير المادة". ثم يتساءل مسلم مستنكراً "كيف سيكون التعامل إذا كانت الجريمة مختلطة أي ارتكبها مدني وعسكري..هل سيحاكم كل منهما أمام قضاء مختلف؟". كما يعتبر مسلم أن "القضاء العسكري يتسم بسرعة إنجاز العدالة والممارسات المنضبطة بشكل أكبر. كما أن الإدعاء بعدم استقلالية هيئة القضاء العسكري مردود عليه بأن الأفضل من حظر محاكمة المدنيين أن يقر الدستور والقانون الضمانات لاستقلال هذا القضاء، وأن يكون عادلاً".