سوريا: المواد الإغاثية تدخل المدن المحاصرة
١٥ يناير ٢٠١٦نجح ائتلاف من عدة جمعيات إغاثية في إدخال ما مجموعه 330 طنا من المواد الإغاثية إلى المدن السورية الثلاث المحاصرة: مضايا وكفريا والفوعة. وقد شملت المساعدات المواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية. وقد كان قاطنو هذه المدن مقطوعيين عن العالم الخارجي لعدة شهور.
ونال مصير البشر المحاصرين في هذه المدن اهتماما عالميا بعد أن نشرت وسائل الإعلام صورا لأطفال من مدينة مضايا وقد بدت عظامهم من شدة الجوع والهزل. وقد أفاد عاملون في المنظمات الإغاثية بأن سعر المواد الأساسية كالحليب والأرز وصل لمئات الدولارات. وتفيد التقارير بأن الناس اضطروا لأكل القطط والكلاب وأوراق الشجر؛ كما أن مواد التدفئة نفدت في منتصف الشتاء القارص. وقد جرى نفس السيناريو في المدينتين الأخريين، كفريا والفوعة، في محافظة إدلب شمال غربي البلاد.
أبعاد إستراتيجية
ويعود السبب وراء هذا الوضع المأساوي إلى استخدام الحصار كإستراتيجية في النزاع. فلتجويع حوالي 125 مقاتلا سنيا معارضا في مضايا ودفعهم للاستسلام، تحاصر قوات الدكتاتور السوري بشار الأسد وميليشيات حزب الله الشيعي هذه المدينة الصغيرة.
ويعيش في مدينة مضايا حوالي 40 ألف نسمة، وهو ضعف عدد السكان في حالة السلم، لأن الكثيرون نزحوا إليها من مدينة الزبداني، التي شهدت قتالا ضاريا هي الأخرى. وتعتبر المدينتان هامتين إستراتيجياً لتزويد حزب الله بالسلاح من حليفه إيران. وتقع المدينتان في محافظة ريف دمشق، أي ليس بعيداً عن العاصمة حيث يتحصن نظام الأسد.
ويمكن وصف وضع المدنيين في مدينتي الفوعا وكفريا في شمال غرب البلاد بنفس الحالة المأساوية. إذ تحاصر ميليشيات سنية إرهابية من بينها حركة أحرار الشام وجبهة النصرة المدينتين، اللتين يقطنهما شيعة يوالون نظام الأسد.
التجويع كسلاح
ففي هذه المدن الثلاث فقط، تم تجويع ما مجموعه 60 ألف مدني بشكل ممنهج لإجبارهم على الاستسلام. وعن الوضع في سوريا عموما تقول مارينا غاسر، رئيسة البعثة المشتركة للجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر: "في سوريا يعيش أكثر من 400 ألف شخص في مناطق محاصرة".
ويصنف القانون الدولي تجويع المدنيين عمداً ضمن جرائم الحرب. وفوق ذلك استخدمت الأطراف المتنازعة مصير مئات الآلاف من المدنين كورقة مساومة، وحتى بوجود الأمم المتحدة على طاولة المفاوضات. ولكن يمكن اعتبار سماح أطراف النزاع بإدخال المساعدات كبادرة إيجابية لجولة مفاوضات السلام السورية المزمع عقدها في 25 كانون الثاني/ يناير الحالي في جنيف (جنيف 3). وكان معارضو الأسد قد اشترطوا إنهاء حصار مضايا للمشاركة في الجولة، بيد أن محادثات تأمين خروج آمن ومتزامن للمدنيين من المدن الثلاث مُنِيت بالفشل.
حالات سوء تغذية حرجة للغاية
وبعد عدة شهور من الجوع يتلقى المدنيون أخيراً ما يكفي من الطعام. فبالإضافة إلى المواد الغذائية الأساسية سُمح بدخول المواد الغذائية العلاجية الجاهزة، والتي توصي بها منظمة الصحة العالمية في حالات سوء التغذية الحادة. هذا النوع الخاص من الغذاء المكون بشكل أساسي من الدقيق والفول السوداني، يحتوي على الكثير من السعرات الحرارية والأملاح المعدنية والفيتامينات، مما يساعد في علاج سوء التغذية.
وفي حالات سوء التغذية الحادة جداً لا بد من إعطاء الطعام على دفعات صغيرة، لأن تناول كمية كبيرة منه، وخصوصا لدى الأطفال قد يؤدي إلى الموت. وفي الحالات الخطيرة للغاية لا بد من استخدام القسطرة الوريدية (السيروم) قبل تناول الطعام عن طريق الفم.
إعادة الكَرّة من جديد!
وفيما إذا كان بمقدور المنظمات الإغاثية منع مثل هذه الحالات في المستقبل، فإن الأمر يتعلق وبشكل حاسم بالأطراف المتحاربة. "لتخفيف معاناة هؤلاء الناس بشكل دائم يجب أن يُسمح لنا بالدخول إلى هذه المناطق"، تقول رئيس البعثة غاسر.
وتكفي المساعدات، التي دخلت المدن الثلاث لإطعام الناس هناك حوالي 40 يوماً، وذلك حسب معطيات برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. كما تكفي الأدوية لمدة ثلاث أشهر. ولتأمين مواد لمرحلة ما بعد هذه الأيام الأربعين، يتوجب الدخول في مفاوضات جديدة.