معضلة حرب غزة.. هل يتراجع دعم أقرب حلفاء إسرائيل؟
٢٥ مارس ٢٠٢٤أعلنت السلطات الصحية التابعة لحركة حماس في أحدث حصيلة لها عن مقتل ما يقرب من 32 ألف شخص وإصابة أكثر من 74 ألف آخرين منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية الواسعة في قطاع غزة. ولا يمكن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل.
واندلعت الحرب بعد هجوم إرهابي غير مسبوق نفذته حركة حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والذي أسفر، بحسب المعلومات الإسرائيلية، عن مقتل حوالي 1160 شخصاً واختطاف حوالي 250 آخرين أخذوا كرهائن إلى قطاع غزة. ويذكر أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وفي ضوء العدد الكبير من الضحايا والمجاعة المحدقة في قطاع غزة، تتزايد الشكوك وتثار الأسئلة حتى من حلفاء إسرائيل المقربين حول مدى تناسب العملية العسكرية الإسرائيلية مع هجوم حماس الإرهابي. وأكثر ما يثير قلقهم خطط الحكومة الإسرائيلية لمواصلة الهجوم البري في رفح المكتظة بالنازحين، ما ينذر بوقوع كارثة إنسانية كاملة. ومن هنا تزايدت وتعالت الدعوات لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
الولايات المتحدة الأمريكية: خلاف مع نتانياهو
كانت الولايات المتحدة على الدوام واحدة من أقرب حلفاء إسرائيل. وحتى الآن، حافظت واشنطن على دعمها على عدة مستويات لإسرائيل، ومنها الحيلولة دون إصدار قرارات في مجلس الأمن تراها إسرائيل في غير صالحها، عن طريق استخدام حق النقض (الفيتو) على عدة قرارات تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحماس.
لكن بوادر تصدع ظهرت في الآونة الأخيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. في بداية الأسبوع الماضي، وردت أنباء عن وقوع مشادة كبيرة بين الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال مكالمة هاتفية. ووصف بايدن الهجوم البري المحتمل في رفح بأنه "خطأ"، لكن نتانياهو عازم على عدم التراجع عنه مهما كلف الأمر.
والهجوم المزمع ليس وشيكاً، فقد أوضح نتانياهو نفسه مؤخراً أن الاستعدادات له ستستغرق بضعة أسابيع. ودفع الموقف المتصلب لرئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى جانب الوضع الإنساني الكارثي المتداعي في قطاع غزة، واشنطن إلى إعادة التفكير في موقفها في مجلس الأمن.
وقدمت واشنطن مشروع قرار تدعو فيه إلى "وقف فوري لإطلاق النار" مربوطاً بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة. وفشلت هذه المسودة بعد ظهر الجمعة (22 آذار/مارس 2024) بسبب حق النقض الذي استخدمته روسيا والصين. ومع ذلك، يُنظر إلى ذلك على أنه إشارة واضحة من الولايات المتحدة لزيادة الضغط على حكومة نتانياهو.
وبالفعل امتنعت واشنطن عن التصويت في مجلس الأمن ليتم تبني قرار أممي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وتترافق الجهود الأمريكية في مجلس الأمن مع جولة لوزير خارجيتها أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط للدفع باتجاه التوصل لهدنة. الخميس الماضي صرح بلينكن أن "الفجوات تضيق" في محادثات بالدوحة لإبرام اتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار.
وفي الوقت نفسه، حذر بلينكن من أن هجوماً إسرائيلياً على مدينة رفح في جنوب غزة سيكون "خطأ" ومن شأنه أن "يعزل إسرائيل بشكل أكبر" عالمياً.
كندا تجمد تسليم الأسلحة
كما أرسلت كندا إشارات واضحة إلى إسرائيل قبل أيام؛ إذ اتخذ برلمانها قراراً بتعليق جميع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل وضرورة مواصلة كندا العمل على حل الدولتين وما سينتج عنه من الاعتراف بدولة فلسطينية.
ويحظر القانون الكندي تصدير الأسلحة في حالة وجود احتمال لاستخدامها في "انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني" أو "أفعال عنف خطيرة ضد النساء والأطفال".
وتعتبر كندا في الواقع حليفاً وثيقاً لإسرائيل، على غرار الولايات المتحدة. ومع ذلك، تعرض رئيس الوزراء جاستن ترودو لانتقادات بسبب مواقف حكومته الغامضة المتكررة في هذا الجولة من الصراع بين إسرائيل وحماس. في ديسمبر/ كانون الأول، وافقت كندا على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، دون أن يدعو هذا القرار حماس أيضاً إلى إلقاء السلاح. واضطرت الحكومة إلى تبرير موقفها في بيان مفصل في وجه الانتقادات. وعندما رفعت جنوب أفريقيا قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، فشل ترودو في صياغة موقف واضح. وقال ترودو للصحفيين إن كندا تدعم محكمة العدل الدولية وسوف "تلتزم بأي قرار" تتخذه المحكمة. لكنه رفض في الوقت نفسه الإفصاح عما إذا كانت بلاده تشارك في اتهامات الإبادة الجماعية.
وزادت المعارضة والعديد من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني الضغط على حكومة ترودو لاتخاذ موقف أكثر وضوحاً بشأن الصراع في الشرق الأوسط. ومن المرجح أيضاً أن يكون هذا قد أدى إلى قرار حظر تسليم الأسلحة. يشار إلى أن تصويت البرلمان الكندي ليس ملزماً من الناحية القانونية للحكومة. وبذلك تنضم كندا إلى دول عديدة أوقفت الآن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل كاليابان وبلجيكا وهولندا وإسبانيا.
الاتحاد الأوروبي يضغط هو الآخر
وفي الاتحاد الأوروبي تحولت إسبانيا على وجه الخصوص إلى أكثر الدول الأعضاء انتقاداً للعملية العسكرية الإسرائيلية. ودعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، مع نظيره الأيرلندي ليو فارادكار، مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وشككوا في أن تفي إسرائيل بالتزاماتها بموجب الاتفاقية "التي تجعل احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية عنصراً أساسياً في العلاقة". ورفضت وزيرة الخارجية الألمانية المقترح.
واتفق رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الـ 27 مساء الخميس (21 آذار/مارس 2024) في بيان مشترك على أن "المجلس الأوروبي يدعو إلى هدنة انسانية فورية ينبغي أن تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإلى الإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن وتقديم المساعدة الإنسانية". وطلب أيضاً من إسرائيل "عدم تنفيذ عملية برية في رفح" التي نزح اليها مئات الآلاف من سكان غزة. وأعرب القادة عن "قلقهم العميق إزاء الوضع الإنساني الكارثي في غزة وتأثيره غير المتناسب على المدنيين، وخاصة الأطفال، فضلاً عن خطر المجاعة الوشيك الناجم عن عدم دخول ما يكفي من المساعدات إلى غزة".
وهذا هو أول بيان مشترك تصدره جميع الدول الأوروبية السبع والعشرين منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من خمسة أشهر.