معهد سيبري: أرقام قياسية للإنفاق العسكري في أنحاء العالم
٢٢ أبريل ٢٠٢٤قيام الولايات المتحدة والصين وروسيا بزيادة إنفاقها العسكري بشكل كبير مرة أخرى، قد لا يكون أمرًا مفاجئًا حقًا، في ظل الأزمات الدولية. كما أن ارتفاع الإنفاق الدفاعي في كل من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوقيانوسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية لأول مرة منذ عام 2009 أيضًا ليس بالضرورة مفاجئًا في عالم يعيش عدة صراعات.
لكن ما لم يتوقعه حتى معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، المعروف اختصارا باسم "سيبري"، هو تسجيل أكبر زيادة مئوية في بلد مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسط صراع طويل الأمد بين الحكومة والجماعات المسلحة، حيث بلغت النسبة 105%.
ويقول شياو ليانغ، وهو زميل باحث في برنامج "سيبري" للإنفاق العسكري والإنتاج الدفاعي، لـDW: "ما أدهشنا هو حجم الزيادة في بقية العالم، وخاصة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا". ففي المكسيك والسلفادور، على سبيل المثال، استخدمت الحكومات المؤسسة العسكرية في الشؤون الداخلية لمكافحة الجريمة المنظمة وعنف العصابات، وهناك اتجاهات مثيرة للقلق مماثلة في الإكوادور والبرازيل.
ويوضح ليانغ: "ولذا فإن الزيادة في حد ذاتها ليست مفاجئة للغاية، ولكن حجمها ونطاقها أمران مفاجئان. وفيما يتعلق بالاتجاه العالمي، فمن المرجح أن نشهد زيادة أخرى في السنوات المقبلة إذا استمرت الصراعات والتوترات الحالية".
روسيا تتحول إلى اقتصاد الحرب
وتظل أوكرانيا المنطقة أو النقطة الأولى للصراع بعد الغزو الروسي. في عام 2023، وصل الإنفاق العسكري الروسي -كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي- إلى أعلى مستوى له منذ نهاية الاتحاد السوفييتي، حسب حسابات شياو ليانغ، وهو 5.9 في المئة. وفي الوقت نفسه، وصلت النسبة لدى أوكرانيا إلى 37% من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقًا لـ"سيبري"، فإن الحرب تضع ضغطًا أكبر بكثير على أوكرانيا مقارنة بروسيا. ووفقًا للأرقام الأولية، تظل المعركة غير متكافئة، لكن أوكرانيا تمكنت من الصمود حتى الآن بفضل الدعم الغربي.
ويقول الخبير: "لقد قامت جميع الدول الأعضاء في الناتو، باستثناء ثلاثة، بزيادة إنفاقها. بالإضافة إلى ذلك، بلغ إنفاق أحد عشر من أعضاء الناتو، البالغ عددهم 31 عضوًا -أو حتى تجاوزوا- هدفهم المتمثل في 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى منذ نهاية الحرب الباردة. ومع انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، فإننا نفترض أن المزيد من الدول ستحقق أهدافها وأن الإنفاق الإجمالي لدول الناتو سيستمر في الزيادة".
الصين تقوم بالتسلح، وتايوان واليابان والهند ترد
عندما تنظر إلى إحصائيات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، لا تكن بحاجة إلى أن تفكر مرتين بالصراع المحتدم منذ فترة طويلة والذي أدى أيضًا إلى ارتفاع الإنفاق العسكري بشكل كبير في عام 2023: الصراع بين الصين وتايوان. فقد أنفقت الصين على جيشها 296 مليار دولار- أي أكثر من العام السابق بنسبة ستة في المئة، وهو ما يعادل نصف إنفاق بقية آسيا وأوقيانوسيا بأكملها.
وردًا على ذلك، قامت اليابان وتايوان أيضًا بزيادة إنفاقهما بنسبة 11%، ليصل إلى 50.2 مليار دولار و16.6 مليار دولار على التوالي. ويقول شياو ليانغ إن الصين تستخدم جزءًا كبيرًا من ميزانيتها العسكرية المتنامية لزيادة الاستعداد القتالي لجيشها، "جيش التحرير الشعبي".
ويوضح ليانغ: "لقد ارتفع الإنفاق الصيني بشكل مطرد لمدة 29 عامًا على التوالي، وهي أطول سلسلة من الإنفاق في أي دولة بمفردها. ويتزامن معظم ذلك مع النمو الاقتصادي، بغض النظر عن التقلبات في التوترات الجيوسياسية أو الأزمات العالمية مثل الحرب في أوكرانيا أو كوفيد-19"، مشيرًا إلى أن الصين بدورها تدفع دولًا مثل اليابان وتايوان والهند أيضًا إلى زيادة إنفاقها.
"الأمن العسكري أصبح أولوية مرة أخرى"
هناك تطورات ملحوظة أخرى في تقرير معهد "سيبري": في جنوب السودان، المتأثر بالعنف الداخلي وامتداد الحرب الأهلية السودانية، زاد الإنفاق العسكري بنسبة 78 بالمئة في عام 2023 مقارنة بالعام السابق. وشهدت بولندا أعلى زيادة من أي دولة أوروبية، في مواجهة التهديد الروسي، مع زيادة بنسبة 75% على أساس سنوي إلى 31.6 مليار دولار. وتحتل إيران المرتبة الرابعة في الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط، حيث يبلغ الآن 10.3 مليار دولار.
يقول نيكلاس شورنيغ، عالم السياسة في معهد لايبنتز لأبحاث السلام والصراع في فرانكفورت، لـDW: "نحن نعيش في وقت أصبح فيه الأمن العسكري أولوية مرة أخرى، حيث يتم التفكير مرة أخرى في الأمن من الناحية العسكرية. وفي هذا الصدد، فإن هذه الأرقام هي ببساطة تعبيرات عن طريقة التفكير هذه. أضف إلى ذلك مثال أوكرانيا والهجمات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل: فالدفاع أغلى بكثير من الهجوم"، ويوضح: "مع الطائرات بدون طيار الحالية التي ترسلها إيران لروسيا، على سبيل المثال، والتي تستخدمها إيران الآن: فإن الجهد المطلوب للدفاع مكلف للغاية".
عصر عودة التسلح غير المنضبط
شورنيغ، الذي ألف كتابًا عن ديناميكيات الأسلحة والحد من الأسلحة، يرى أن خفض التسلح العسكري يمثل احتمالًا بعيدًا في ضوء تهديدات معينة مثل التهديد الموجود في أوكرانيا. ويشير إلى أن العالم يعيش حاليًا عصرًا جديدًا: عصر التسلح غير الخاضع للرقابة لأن معظم اتفاقيات الحد من الأسلحة لم تعد سارية أو تم تعليقها. وهذا بدوره يؤدي إلى قيام الدول في جميع أنحاء العالم بتسليح نفسها أكثر فأكثر، ما يؤدي إلى دوامة من عدم الاستقرار المتزايد، على حد تعبيره.
ويدعو الخبير إلى هدف دولي جديد وهو "أن تقوم الدول على الأقل بتسليح نفسها مرة أخرى بطريقة خاضعة للرقابة، وأن يتم التوصل إلى اتفاق يتضمن ألا نسلح أنفسنا فوق مستوى معين. وبعد ذلك سيتم إزالة ديناميكية معينة. ومن المؤكد أن الحد من التسلح يمكن أن يكون هدفًا قريبًا، أي السيطرة على الأسلحة وضبطها، بحيث لا يتسلح كل طرف بشكل جنوني تمامًا كما يريد".
الشرق الأوسط أيضًا يزيد التسلح!
ومن المحتمل جدًا أن يُظهر تقرير "سيبري" القادم حول الإنفاق العسكري لعام 2024 زيادة أخرى. وذلك لأن حرب غزة والتوترات في الشرق الأوسط تسببت عام 2023 بأكبر زيادة في الإنفاق العسكري بالمنطقة في السنوات العشر الأخيرة.
وارتفع الإنفاق العسكري المقدر في الشرق الأوسط بنسبة تسعة في المئة ليصل إلى 200 مليار دولار. كما ازداد الإنفاق العسكري الإسرائيلي وحده، وهو ثاني أكبر إنفاق في المنطقة بعد السعودية، بنسبة 24 في المائة ليصل إلى 27.5 مليار دولار.
ولذلك فإن العالم السياسي نيكلاس شورنيغ متشائم إلى حد ما بشأن المستقبل، ويقول: "ما لم يتغير الوضع السياسي العام، فلا أعتقد أن الاتجاه نحو المزيد من التسلح سوف ينعكس. وهذا لن يكون ممكنًا إلا إذا كان هناك سلام في أوكرانيا، دون تقسيم البلاد".
أما في حالة الصراع بين الصين وتايوان، فلا يزال شورنيغ يأمل في أن تتمكن الولايات المتحدة والصين من السيطرة على الوضع من خلال المفاوضات، ولكن "الوضع العالمي في الوقت الحالي، كما تعكسه أرقام سيبري بوضوح تام، خطير جدًا".
أعده للعربية: محيي الدين حسين