مع من يقاتل المسلمون الشيشان والتتار في أوكرانيا؟
٢٨ مارس ٢٠٢٢
لا يُعرف عدد هؤلاء المقاتلين، بيد أن ما هو معروف هو سمعتهم في استخدام القوة الوحشية في فرض سيطرتهم وهو ما أعاد إلى الأذهان القتال المروع في المدن وحرب العصابات إبان حروب الشيشان في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين.
وقد أعلن رئيس الشيشان رمضان قديروف، الصديق المخلص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصاحب النفوذ القوي في الكرملين، عبر حسابه على "إنستغرام" أن قواته ستقاتل في "أكثر النقاط الساخنة في أوكرانيا".
ومع ذلك، أثار بعض المحللين العسكريين شكوكا حيال ما إذا كان تباهي وتفاخر قديروف بانخراط قواته في القتال إلى جانب الروس، يعكس حقيقة وواقع مسار القتال على ساحة المعارك في أوكرانيا، خاصة وأن الصراع في أوكرانيا شهد انضمام مجموعة أخرى من الشيشان، لكن ليست إلى جانب الروسي وإنما للدفاع عن أوكرانيا ضد الغزو الروسي.
وفي ذلك، نشر آدم عثماييف، وهو قيادي شيشاني يعيش في المنفى، تسجيلا مصورا على منصات التواصل الاجتماعي قال فيه "أريد أن أؤكد للأوكرانيين أن هؤلاء (قوات قديروف) ليسوا شيشانيين. إنهم خونة ودمى أتباع روسيا".
وشدد في التسجيل المصور وهو يحمل بندقية بجوار مسلحين يرتدون أقنعة، "أريد أن أؤكد أيضا للأوكرانيين أن الشيشان الحقيقيين هم الذين يقفون معكم ويدافعون عن أوكرانيا اليوم كما فعلوا في السنوات الثماني الماضية".
يقود عثماييف كتيبة "جوهر دوداييف" الذي يعود اسمها إلى اسم أول رئيس للشيشان في تسعينيات القرن الماضي وتعد واحدة من مجموعتين تضم متطوعين شيشانيين نشطين يجهرون علنا في قتال الانفصاليين المدعومين من روسيا والقوات الروسية في أوكرانيا منذ عام 2014.
أما الوحدة الشيشانية الأخرى فهي كتيبة الشيخ منصور والتي تنشط في جنوب شرق أوكرانيا تحت قيادة مسلم تشبيرلوفسكي.
ويكتنف الكثير من الغموض حيال العدد الدقيق للمتطوعين الشيشان وأيضا هويتهم، بيد أنه يعتقد أن معظمهم ممن غادروا الشيشان بعد الحرب الشيشانية عام 2003 أو اضطروا للهروب من البلاد بسبب القبضة الاستبدادية والحديدية لنظام الرئيس قديروف على مدى السنوات الماضية.
يشار إلى أنه في عام 2013، قامت الحكومة في أوكرانيا والتي كانت حليفة للكرملين في ذاك الوقت، باعتقال وسجن عثماييف بتهمة التآمر لاغتيال بوتين وهو ما ينفيه بشدة، لكن بمجرد خروجه من السجن بعد ذلك بعام، شرع في محاربة الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس.
وفيما يتعلق بالصراع الدائر في أوكرانيا، تحدثت وسائل إعلام روسية وغربية عن مزاعم صلات بين كتيبة الشيخ منصور و"داعش".
ومع بدء القوات الروسية توغلها العسكري صوب العاصمة الأوكرانية كييف، أعلن قادة كتيبة "جوهر دوداييف" وكتيبة "الشيخ منصور" القتال إلى جانب أوكرانيا ضد "عدوهم المشترك" بالتزامن مع انضمام الآلاف من المقاتلين الأجانب المتطوعين الآخرين إلى القوات الأوكرانية.
وربما يرجع رغبة عناصر الكتبتين في القتال مع الجانب الأوكراني، إلى وجه التشابه بين ما تمر به أوكرانيا حاليا ومصير الشيشان، على حد اعتقادهم.
تاريخ طويل من العداء
ويشار إلى أن التاريخ الذي يربط الشيشان والتي أصبحت الآن جمهورية روسية، بموسكو معقد وفي بعض الأحيان حافل بالعنف.
ففي أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، شنت روسيا حربين للحيلولة دون نيل الشيشان استقلالها، إذ اندلعت الحرب الأولى عام 1994 عندما أرسلت روسيا قوات عسكرية للقضاء على حركة انفصالية تأسست على أراضي الشيشان في تسعينيات القرن الماضي. لكن القتال توقف بعد عامين وتحديدا في عام 1997 إثر إبرام اتفاق سلام قبل ذلك بعام.
ورغم ذلك، فإن عام 1999 شهد اندلاع الحرب الثانية مع عودة انتشار القوات الروسية في الشيشان عقب سلسلة من الهجمات الإرهابية الدامية في الأراضي الروسية وقف وراءها أمراء الحرب الشيشانية.
وبلغت هذه الحرب ذروتها في الحصار الدموي لمدينة غروزني في الشيشان والذي أسفر عن خسائر مادية كبيرة ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين.
وشهد العامين الأولين من الحرب صعود نجم بوتين ووصوله إلى السلطة فيما طويت الحرب صفحتها في أبريل / نيسان عام 2000 وبعد ذلك بشهرين قام بوتين بتعيين أحمد قديروف رئيسا للشيشان والذي استمر حكمه منذ ذاك الوقت وحتى اغتياله عام 2004.
وعقب وفاته، تولى رمضان، نجل أحمد قديروف، زمام الأمور في الشيشان وأصبح رئيسا للبلاد عام 2007 وحتى الوقت الحالي، فيما تدهور سجل حقوق الإنسان في ظل حكمه خاصة قمعه للمعارضة والنشطاء والصحفيين ليس فقط داخل البلاد وإنما طال ذلك الذين في الخارج.
وتشير أصابع الاتهام في تورط قديروف في قتل العديد من رموز المعارضة خارج الشيشان بما في ذلك جريمة قتل القائد الميداني الشيشاني السابق زليمخان خانغوشفيلي رميا بالرصاص في حديقة في برلين في وضح النهار في أغسطس /آب عام 2019.
وفي مقابلة مع DW، قال مارات إلياسوف، الباحث في جامعة فيتوتاس ماغنوس في ليتوانيا، إن غالبية "الشتات الشيشاني" غادروا بلادهم "عقب وصول قديروف إلى سدة الحكم وليس إبان الحرب الشيشانية".
الحرب الشيشانية "في الأذهان"
ويقول الكثير من الشيشانيين في الشتات أن بوتين يعامل الأوكرانيين كما كان يعاملهم في الماضي. وفي ذلك، قال ألبرت بيناتشفيلي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بولونيا الإيطالية، إن الصراع الحالي يعيد إلى أذهان الشيشانيين ممن يعيشون في المنفى، الحرب التي دارت في بلادهم.
وفي مقابلة مع DW، قال "محاولات موسكو اليوم لفرض سيطرتها على أوكرانيا وهي دولة مستقلة، تجد لها صدى في قلوب وعقول العديد من الشيشان الذين يتذكرون نضالهم السابق لنيل الاستقلال ضد آلة الاستعمار الروسية".
وأضاف بيناتشفيلي أن حرب روسيا في أوكرانيا تأتي في إطار طموح بوتين في توسيع هيمنة بلاده في بلدان الاتحاد السوفيتي السابقة، لكن دون إعادة إحياء "النظام السوفيتي والذي يقودنا في الواقع إلى الاستعمار الروسي"، على حد قوله.
وفي ذلك، قال إلياسوف إن الشيشانيين "يعتبرون الحرب في أوكرانيا حلقة أخرى في سلسلة الحرب الشيشانية، لذلك يرغبون في المساهمة في تحقيق انتصار على الشر الملموس وهو الأمر لم يتحقق على الأراضي الشيشانية ".
بيد أن الباحث يشير إلى وجود دافع آخر وراء قتال المتطوعين الشيشان إلى جانب أوكرانيا، مضيفا "هناك نوع من الالتزام الأخلاقي لتقديم يد العون للمجتمعات التي تعاني من مواقف مشابهة للوضع في أوكرانيا".
أما تشبيرلوفسكي فقد كشف في مقابلة مع "راديو أوروبا الحرة" عن سبب قتاله الروس في أوكرانيا، بقوله "نقاتل في أوكرانيا منذ عام 2014 للانتصار على عدونا المشترك".
ومؤخرا، أقدم القائد الشيشاني الانفصالي أحمد زكاييف الذي يرأس حكومة الشيشان في المنفى، على تشجيع جميع الشيشانيين في الشتات على القتال إلى جانب كييف وذلك في مقطع مصور بُث على منصات التواصل الاجتماعي السبت الماضي.
المسلمون التتار ـ دعوة لـ"الجهاد" تثير انتقادات
ولا يقتصر اصطفاف المتطوعين المسلمين إلى جانب كييف على مسلمي الشيشان، بل يمتد الأمر إلى مجموعات مسلمة أخرى.
فعلى سبيل المثال، نشر سعيد إسماعيلوف، مفتي المسلمين في أوكرانيا والمنحدر من عرقية التتار المسلمة وأحد أهم الشخصيات الإسلامية في البلاد، صورة له وهو يرتدي الزي العسكري إلى جانب جنود أوكرانيين كما دعا في مقطع مصور آخر مسلمي العالم للتضامن مع أوكرانيا في مواجهة الروس.
كذلك يدخل في هذا النطاق انخراط مسلمي التتار في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، في مقاومة الاحتلال الروسي منذ عام 2015 فيما يقاتل الكثير منهم في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية.
وفي مقطع مصور نشرته وسائل الإعلام الأوكرانية على نطاق كبير، حث أيدر روستموف، مفتي الإدارة الدينية لمسلمي القرم المعترف بها من قبل الحكومة الأوكرانية، مسلمي البلاد على الدفاع عن بلادهم بل دعا مسلمي روسيا إلى التنديد بالعدوان الروسي.
يشار إلى أن قديروف حاول وصف القتال الدائر في أوكرانيا بـ "الجهاد" حيث كتب عبر تطبيق تلغرام في الرابع من مارس / آذار : "لقد صدر الأمر وقد حان وقت الجهاد".
وقد حذرت منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش من أن قوات قديروف لديها سجل طويل في ترويع وتعذيب وقتل المعارضين السياسيين.
وأثارت مزاعم قديروف بأن قتاله في أوكرانيا إلى جانب موسكو يعد ضربا من "الجهاد"، انتقادات ليس فقط من نشطاء وقادة في العالم الإسلامي وإنما أيضا من زعماء حركات جهادية في سوريا والعراق.
ويدخل في هذا السياق ما كتبه ميسر بن علي المعروف بـ "أبو ماريا القحطاني" وهو قيادي في "هيئة تحرير الشام" التي كانت تُعرف في السابق بـ "جبهة النصرة" الفرع السوري لتنظيم القاعدة، عبر تطبيق تلغرام. وقال القحطاني إن "روسيا قتلت آلاف المسلمين ولا تزال تقتلهم. ودعم روسيا في أوكرانيا هو دعم للمجرمين".
منير غيدي / م ع