مغاربة إسبانيا .. اندماج في المجتمع ونأي عن الإرهاب
٢٢ أغسطس ٢٠١٧في فصل الصيف يغادر أغلب المغاربة المقيمين في إسبانيا، وحتى أولئك الذين ولدوا فيها، متوجهين لقضاء العطلة وزيارة الأقارب في المغرب، وأيضاً، لأن العديد من الشركات تغلق أبوابها في الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة وبسبب موجة الإجازات من قبل العاملين فيها.
وتظهر سيارات محملة بالمواد الغذائية والبطانيات وبكل شيء لا يوجد في المغرب يقودها مهاجرون متوجهون إلى مدينة الخثيراس (الجزيرة الخضراء) أو إلى مدينة كاديث (قادس) في جنوب إسبانيا. ومن هناك يستقل المغاربة العبارة باتجاه المغرب، حاملين معهم بعض ما جنوه في إسبانيا.
تعمل هذه العلاقات الثنائية بشكل جيد منذ عقود بين إسبانيا والمغرب. أما من الناحية السياسية فشكل العلاقة بين البلدين هو أشبه بعلاقة حب وكراهية في الوقت نفسه، لأن إسبانيا ما زالت لغاية الآن تحتفظ بجيبين في الأراضي المغربية، وهما سبتة ومليلية. لكن وبصرف النظر عن الوضع السياسي، يعثر المغاربة بصورة سهلة إلى حد كبير على عمل في إسبانيا في مجال البناء أو في المطاعم.
في أفضل المطاعم المغربية في المدينة
قدم والدا حجيبة حبان قبل 17 سنة إلى مدريد لكي يحسنوا من وضعهم المعيشي. لكنهما لم ينسيا أبداً وطنهما، ويعودان في الصيف باستمرار إلى المغرب. لكن حجيبة قررت هذا العام البقاء في مدريد. تعمل حجيبة (20 عاماً) في مطعم "المونيا"، الذي يعد أفضل المطاعم المغربية في المدينة، وتلتقي فيه يومياً بالكثير من السياح والإسبان.
وعن الهجمات الأخيرة تقول حجيبة: "هذه الهجمات الإرهابية في برشلونة، التي اشترك فيها إخواننا في الدين، تجعلني حزينة. ولكن من ناحية أخرى أعتقد أيضاً أنها أعمال فردية من مجانين لا يربطهم بأي حال من الأحوال أي شيء بالمغرب".
تعيش الفتاة المغربية في إسبانيا على الرغم من ردود الفعل العنصرية التي واجهتها هناك "خاصة في المدرسة". ولا تتردد حجيبة على المسجد، لأنها لا تملك الوقت لذلك، ولكنها تزور في بعض الأحيان "كازا أرابي"، وهو مركز ثقافي عربي. حجيبة فتاة ذكية وواقعية ومنتقدة وتقول: "أعرف أنه لا توجد في المغرب ديمقراطية حقيقية، وأنه لا يريد أحد حقاً العودة إلى المغرب عندما يعيش هنا في إسبانيا. لكني أعتقد أنه هنالك أيضاً بعض المغاربة المحبطين في إسبانيا بسبب الوظائف منخفضة الأجر وبسبب العنصرية غير المعلنة ضدهم، إلا أن ذلك لا يبرر العنف – وهذه الهجمات في برشلونة ليس لها أية علاقة بالإسلام".
المراكز الثقافية الإسلامية تريد المساعدة
هذا الرأي يؤيده أيضاً ممثلو مؤسسات دينية مختلفة في مدريد، الذين التقوا في ظهر يوم الأحد (20 آب/ أغسطس 2017) في مركز المدينة في "بويترا ديل سول" كي ينددوا علانية بالإرهاب. وقال ميمون أمريوي، رئيس المركز الثقافي الإسلامي في فوينلابرادا بمدريد لـDW: "إننا ندين بشدة هذه الأفعال".
حتى في برشلونة، عبر الكثير من المسلمين أمام الكاميرات في إسبانيا عن تضامنهم مع إسبانيا وشكروا حسن الضيافة، وفي بعض الأحيان كانت دموعهم تتساقط حزناً على ضحايا الهجوم. وأوضح ميمون أمريوي أن التجمعات الإسلامية في إسبانيا ستقوم بكل ما في وسعها للمساعدة في التحقيق المتعلق بالهجوم.
لكن ينبغي للمرء الحذر من الإسلاموفوبيا، بحسب ما تقول الصحفية المسلمة أماندا فيخويراس، وتضيف لـDW: "المؤمنون هم أيضاً ضحايا هذا الإرهاب، لأن الكراهية ضد ديننا ستزداد بمثل هذه الأعمال. وعلى المرء أن لا ينسى ذلك".
المغاربة مندمجون جيداً في المجتمع الإسباني
شكل المهاجرون من البلدان المغاربية المجموعة الكبرى من المهاجرين في إسبانيا قبل الأزمة الاقتصادية. وتضاعف عددهم بين العامين 2003 و2013 من 400 ألف شخص إلى 800 ألف شخص. لكن وفي غضون ذلك، تجاوزت أعداد المهاجرين من رومانيا المغاربة في إسبانيا، وأصبحوا الفئة الأكبر من المهاجرين في البلاد.
ويندمج أغلب المغاربة في إسبانيا بشكل جيد، وذلك بسبب المشاكل اللغوية القليلة التي يعانون منها، ويعيشون أيضاً في مختلف انحاء البلاد. كما لا تعاني إسبانيا من تجمعات للأجانب "غيتو"، كما هو موجود في بلدان أخرى. ويشكل الرجال نحو 64 في المائة من المهاجرين المغاربة في إسبانيا. وتعد الرغبة في تحسين الوضع الاقتصادي هي دافعهم الرئيسي للهجرة إلى إسبانيا.
الطاهيان عبدول ورشيد يعيشان منذ سنين في إسبانيا ويعملان في في مطعم إيطالي في مدينة لاس روزاس، التي تبعد نحو 20 دقيقة عن مدريد. يحب كلاهما الإسبان، ويعودان كل صيف إلى شمال المغرب لزيارة عائلتيهما.
يدعو عبدول ورشيد أصدقائهم الإسبان باستمرار لزيارة بلدهم المغرب، وقالا لـDW: "نحن نشعر بالخجل بالطبع عندما نرى شيئاً مثل الذي حدث في برشلونة، لأنه يتم ذكر المغرب والإسلام أيضاً بصورة مستمرة". عبدول ورشيد ملتزمان دينياً، ولذلك يزعجهما هذا الإرهاب بصورة أكبر. ويضيفان: "إنه يتسبب بسحب ثقافتنا بأكملها وكل شيء نؤمن به إلى الحضيض".
إسبانيا – بلد منفتح على الآخرين
وعلى جانب الطريق السريع "إم 30" في مدريد يقع أحد أكبر مساجد أوروبا. هنا يشاهد المرء الكثير من المغاربة يدخلون ويخرجون من المسجد. بعد الهجمات الإرهابية على وسائل النقل في مدريد عام 2004، صار المركز الثقافي هذا محور التحقيقات في القضية. لكن منذ ذلك الوقت تغير الكثير في هذا المركز، وانفتح الإسلام في إسبانيا على البقية، وزاد اهتمام الإسبان بالمسلمين، وذلك أيضاً بفضل التوضيح من قبل وسائل الإعلام، ما أدى أيضاً إلى وقوع أعمال عنف قليلة ضد المغاربة بعد الهجمات.
على مبنى البريد القديم في مدريد ما زالت هناك لافتة معلقة منذ سنة 2015 مكتوب عليها "أهلاً باللاجئين"، التي تظهر أن الترحيب بالأجانب ازداد، بالرغم من أن المدينة استقبلت في الواقع 1400 لاجئاً فقط.
أما الشابة المغربية حجيبة حبان، فتبتسم دائماً عندما تقرأ هذه اللافتة لأنها تعطيها شعوراً أفضل. وترى حجيبة نفسها كإسبانية وكمغربية وتضيف لـDW بكل فخر أنها تريد لاحقاً دراسة الاقتصاد في جامعة مدريد.
الكاتب: شتيفاني مولر/ زمن البدري