من لعنة الفراعنة إلى خطاب الكراهية - معرض عن السب واللعنات
٤ مارس ٢٠٢٣اعتبر العثور على قبر الملك الشاب توت عنخ آمون في وادي الملوك في مصر عام 1922 بمثابة اكتشاف أحد أسرار العالم، إذ مازال يُنظر إليه باعتباره أحد أهم الاكتشافات الأثرية على مر التاريخ.
ففي ذاك العام، اكتشف عالم المصريات البريطاني هوارد كارتر وفريقه سلما حجريا يؤدي إلى قبر مغلق في وادي الملوك ليجدوا تابوت توت عنخ آمون ومجموعة من الكنوز الذهبية والجنائزية لا تزال سليمة بشكل كبير.
وقد أدى الاكتشاف إلى ضجة إعلامية كبيرة، لكن الانبهار العام تزايد عقب وفاة اللورد جورج كارنارفون، الذي قام بتمويل بعثة كارتر أثناء عملية التنقيب. وقد قِيل إن الوفاة مرتبطة بـ "لعنة الفراعنة"، حيث كان يُعتقد أن توت عنخ آمون عاقب اللورد على تعكير صفو سلام الميت في مقبرته.
وبعد ذلك، أذكى وفاة العديد من أعضاء فريق كارتر هذه الأسطورة، فيما قال المؤرخ الألماني رولف-برنهارد إيسيغ: "كان هناك انطباع واسع الانتشار بأن المصريين (القدماء) لديهم معرفة سرية تتجاوز معرفتنا بكثير وترتبط بالسحر".
ولذلك، لم يكن حدوث "لعنة الفراعنة" مستبعدا في ظل موجة "الهوس بالمصريات" التي أثارتها حملة نابليون في مصر خلال القرن التاسع عشر. وعلى وقع ذلك، بدأت كتب ومسرحيات في وقت مبكر من القرن التاسع عشر في نشر قصص الرعب حول المومياوات التي استيقظت من الموت.
لعنة الفراعنة من صناعة الإعلام
وقال إيسيغ (60 عاماً) إن الصحافة "خاطبت أبسط المشاعر لدى القراء وابتكرت قصصا لقيت استحسانا حقيقيا. وتعد "لعنة الفراعنة" من أكثر الظواهر شهرة على مستوى العالم رغم أنها تكاد تكون من وحي الخيال بنسبة 100٪."
ومع ذلك، مازالت "لعنة الفراعنة" شائعة حتى يومنا هذا وتجد صدى كبيرا في الروايات وكتب الأطفال والأفلام والمسرحيات حتى وصل الأمر إلى حد الدعابة، فعندما يُصاب أحد السائحين، الذين يزورون المناطق الأثرية الفرعونية، بالإسهال مثلا، وهو عدوى بالجهاز الهضمي تشيع بين المسافرين، يجرى القول بأن "لعنة الفراعنة" قد أصابته.
ومن هنا قرر إيسيغ، وهو مؤرخ وباحث في الدراسات الجرمانية وأصول الكلمات، تنظيم معرض عن السباب واللعنات تحت عنوان "العجب العجاب، من لعنة الفراعنة إلى خطاب الكراهية" (Potz! Blitz! Vom Fluch des Pharaos bis zur Hate Speech).
وقد انطلق المعرض في 16 فبراير/ شباط ويستمر حتى 25 يونيو/ حزيران المقبل في متحف برلين للاتصالات. ويرى المؤرخ الألماني أنه من المتوقع أن اللعن والسب قديمان قدم اللغة نفسها، وهما جزء من السلوك البشري. وهنا يُنسب نوع من القوة السحرية إلى الكلمات البذيئة أو الفظة. وأوضح إيسيغ: ""في المصرية (القديمة) كانت هناك بالطبع لعنات وشتائم أيضًا، لكن هذا لا يعني أن لصوص المقابر قد تعرضوا إلى لعنات، فهذا لم يكن موجودا إطلاقاً"، وأضاف أن علماء المصريات لم يتمكنوا من العثور على أي شيء بهذا الخصوص.
وهذا يطرح تساؤلا مفاده كيف بدأ الأمر؟ ويقول الباحثون إنه لا يوجد توثيق تاريخي لذلك بسبب أن الكتبة لم ينقشوا على الحجر كلمات اللعنات الفرعونية التي كان يستخدمها بناة الأهرامات بشكل يومي.
لكن هناك أدلة على وجود لعنات ملكية انصبت على الأعداء فعلى سبيل المثال، يعرض المعرض زوجا من النعال الحديثة المصممة على شكل صندل جلدي مذهّب عُثر عليه في مقبرة توت عنخ آمون، ويتميز النعل بتصوير الأعداء وهم مقيدين يتم دهسهم تحت الأقدام مع كل خطوة، في طريقة قد تشير إلى إلحاق اللعنات بالأعداء عن طريق شيء منسوب إلى "السحر".
كسر المحرمات
وتنتشر الكلمات البذيئة في كثير من اللغات، بينما يقول إيسيغ، وهو أيضا عالم أدبي مفتون باللغة ووظائفها، إن "الأمر يتعلق دائما بالمحرمات"، مضيفا "تستخدم كلمة Shit أو "تبا" في العديد من اللغات".
كما أن هناك بعض السباب والشتائم التي تشمل الأقارب شائعة جدا في لغات مختلفة مثل العربية أو الروسية.
وفي الغالب، ما تُستخدم بعض الكلمات التي تشير إلى الحيوانات على سبيل الإهانة، إذ أشار المعرض إلى أن كلمة "حمار" باللغة التركية تشير إلى الشخص الخبيث أو الأحمق أو اللقيط وذلك بحسب سياق الحديث.
وفي روسيا، يتم استخدام كلمة "تيس" (ذكر الماعز) من أجل إهانة شخص ووصفه بأنه أحمق، وفي اليابان، تُستخدم كلمة "غوريلا" للسخرية من رجل ينفجر من الغضب، فيما يستخدم الصينيون كلمة "بيضة سلحفاة" من أجل تشويه سمعة شخص ما على أنه سليل عائلة غير جديرة بالاحترام.
تنشيط العاطفة في العقول
لقد وُجد أن السباب والكلمات البذيئة تعمل على نشيط جزء معين في الدماغ، حيث تتم معالجة المناقشات العقلانية في النصف المخي الأيسر بينما تنشط الكلمات البذيئة في النصف المخي الأيمن، الذي يعد المسؤول عن المشاعر.
وفي ذلك، قال إيسيغ "إنه شيء لا يمكننا وقفه لأنه أمر لا إرادي. يقوم الدماغ بشيء لسنا قادرين على السيطرة عليه"، مضيفا "على سبيل المثال، إذا ضرب شخص ما إبهامه بمطرقة عن طريق الخطأ، فإنه قد يتفوه بكلمة أو كلمتين بذئتين. وهناك أشخاص من النادر أن يتفوهون بكلمات بذيئة لأن لديهم مستوى عاليا من ضبط النفس".
ويبدو أن ضبط النفس غير موجود على وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بالإهانات والشتائم.
وفي هذا الصدد، هل يمكن القول إن "خطاب الكراهية" يعد شكلا جديدا من الإهانة؟
وفي رده، قال إيسيغ إن "المحتوى ظل كما هو على مر القرون، فإذا نظرت إلى الإهانات التي تعود للقرن السادس عشر، فسوف تلاحظ أن الشتائم المستخدمة كانت مثيرة للاشمئزاز حقا". لكن الاختلاف الرئيسي هو أن الإهانات تنتشر اليوم بشكل سريع في جميع أنحاء العالم عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي حتى لو لم تتغير قوة الكلمات، فإن التكنولوجيا تسمح بظهور مستوى من الإهانات يعد مختلفا تماما.
وهو الأمر الذي وصفه إيسيغ بالقول إن "هذا التأثير يعد سريعا وكبيرا بشكل لا يُصدق".
نادين فجيك / م. ع/ ص.ش