من متطرف نازي إلى قس ودود
١٤ أكتوبر ٢٠١٢ترسم ابتسامة خجولة على محيا يوهانس كنايفل ذو البنية القوية والشعر البني القصير وهو يتحدث عن مرحلة جسدت الانعطافة الأهم في حياته، عندما تحرر من براثن النازيين الجدد ليدخل إلى أحضان الدين المسيحي. لقد كان ذلك بمثابة تحول جذري ونوعي قلب حياته رأسا على عقب. فيوهانس الذي كان في السابق متشبعا بالأفكار النازية والعنصرية وميالا للعنف، يدرس الآن وهو في الثلاثين من عمره العلوم الدينية. لقد شهدت حياة كنايفل تحولا مذهلا، فهو اليوم يقوم برعاية الآخرين والأخذ بخاطرهم ومساعدتهم بعدما كانت حياته في السابق مشحونة بالكراهية ضد الآخرين والعنف والثمالة فضلا عن سماعه لموسيقى اليمين المتطرف.
طالب بالنهار وعنصري نازي بالليل
كان يوهانس لا يزال قاصرا عندما أصبح عضوا فاعلا في خلية النازيين الجدد في مسقط رأسه في مدينة إيشيدي في ولاية سكسونيا السفلى، وترك في سن مبكرة منزل والديه المريضين ليدخل إلى مدرسة داخلية، ويضيف يوهانس: "لدي خلفية اجتماعية متواضعة جدا". ولهذا فإن الانضمام إلى اليمين المتطرف كان بالنسبة له بمثابة الصدر الحنون الذي كان يفتقده إلى درجة أن ذلك كان بالنسبة إليه آنذاك الشيء الوحيد الذي يستطيع الافتخار به.
في المدرسة الداخلية بالقرب من مدينة هانوفر كان يوهانس يقود حياة مزدوجة: ففي النهار كان يعيش تلميذا مواظبا وسريع البديهة، أما في الليل وفي عطلات نهاية الأسبوع فقد كان يعيش حياة العنصرية والتطرف. ويقر يوهانس في هذا السياق بأنه لم يكن فقط تابعا ومناصرا ، بل كان مقتنعا ومتشبعا بالفكر النازي، فقد ضحى بحياته في سبيل الأفكار العنصرية والصداقات النازية وهذا ما دمر حياته كما يقول إيكارت نوريش، مدير المدرسة الداخلية آنذاك: "أنا واثق من أن يوهانس كانت له دائرة أصدقاء خبيثة، كانوا يتحكمون فيه أكثر منا".
أسوء ليلة في حياته
اعترف يوهانس صحبة زميله النازي ماركو س. بكل الجرائم التي نسبت لهم، والتي من شأنها أن تغير حياته في ما بعد. ففي 9 من أغسطس 1999 ذهب يوهانس وصديقه إلى بيت رجل يدعى بيتر دويتشمان. وهو رجل يبلع من العمر 44 سنة ويعيش منذ فترة طويلة على المساعدات الاجتماعية التي تقدمها له الدولة ويعرف في المنطقة باسم "Hippie" لأنه يدعو دائما إلى السلم ويندد بكل أشكال العنف.
في حالة سكر شديدة توجه يوهانس وماركو إلى بيت الرجل من أجل ضربه وتعنيفه، لأنه انتقدهم بسبب عنفهم. انهالوا عليه بالضرب المبرح حتى فقد وعيه، وفي طريقه إلى المستشفى توفي بيتر متأثرا بجراحه. بعدها تمت إحالتهما على المحكمة التي أصدرت حكما في حق يوهانيس بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة الاعتداء المؤدي إلى القتل. الأطباء النفسيون أكدوا على أن يوهانس يعاني من اضطرابات نفسية خطيرة وكانوا يشكون في قدرته على التخلي عن العنف.
من التطرف إلى التدين
القس ديتر كولك أخد بيد يوهانس ورافقه في حياته الجديدة بعيدا عن التطرف، وذلك منذ أن بدأ يوهانس يشارك في الصلوات ومراسم العبادة في الكنيسة. القس كولك يؤمن بتحول جذري في حياة يوهانس، ليس فقط لأن هذا الأخير يعترف دائما بذنبه بل لأنه في بحث دائم أيضا عن المسامحة والغفران. وهذا ما حاول يوهانس البحث عنه في الدين وجعله يفكر في دراسة العلوم الدينية.
ترك يوهانس السجن وهو متشبع بالدين المسيحي، وأصبح يقرأ الإنجيل عوض الدعاية للأفكار النازية. وفي الوقت الذي كان حلمه في السابق أن يكون مهندسا ميكانيكيا أصبح حلمه الجديد أن يكون قسا. وبعد تدريب لمدة سنة في كنيسة البلدة، قرر يوهانس دراسة العلوم الدينية لتصبح حياته كلها مفعمة بأمور الدين والتدين، بما فيها حضور الورشات والندوات والمحاضرات في الجامعة التي يدرس فيها في ضواحي برلين. قصته من نازي إلى قس دونها يوهانس في كتاب. تجربة قاسية على حد تعبيره، حيث شكلت بالنسبة له تجربة للتأمل الذاتي الأكثر إيلاما في حياته.
حلم يتحقق
ومن المنتظر أن يلتحق يوهانس كنايفل قريباً بعمله كقس في الكنيسة الإنجيلية، حيث يأمل أن يساهم من خلاله ومن خبرته في تقديم المساندة الاجتماعية للشباب خاصة في القضايا الاجتماعية المُلِحَّة. وقد تعوّد من خلال خبراته السابقة "أن يتعامل مع أشخاص لم يسبق لهم التعامل مع الكنيسة ولم يكونوا ليصبحوا من روّادها"، بحسب قوله.
تجربة تلاحقه طوال حياته ويحاول التعامل معها بعقلانية وحسن تدبير: "أقول لنفسي مرارا وتكرارا أنني أكفر عن ذنبي، وأمنح نفسي فرصة من أجل بداية جديدة، إنها فرصة منحني إياها الرب والمجتمع". فيوهانس استخلص العبر من تجارب حقبة حياته المظلمة ويوجه رسالة لكل من طالته خيوط النازيين الجدد: "أود أن أوضح للناس في حالات مماثلة، أنه باستطاعتهم الخروج من ذلك العالم وبدء حياة جديدة".