"نجاح الاتفاق مع إيران متعلق بتعاونها ورضا الغرب"
١٨ يناير ٢٠١٦DW: الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت إن إيران قد أوفت بجميع التزاماتها تمهيدا لدخول الاتفاق الدولي بشأن برنامجها النووي، الذي تم التوصل إليه في يوليو/ تموز 2015، حيز التنفيذ. هل تم فيما يعرف بـ"يوم التنفيذ" رفع جميع العقوبات عن إيران مرة واحدة؟
أوليفر ماير: لا، فهناك عملية تدريجية. صحيح أن جميع العقوبات تفقد في هذا اليوم أهميتها من الناحية التطبيقية بالنسبة لإيران وشركائها التجاريين؛ لأن العقوبات التجارية والمالية لا تطبق بعدها؛ إلا أنه من المنظور القانوني البحت، فإن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران بشأن أنشطتها النووية هي التي تم رفعها فعليا. أما الاتحاد الأوروبي فلم يرفع عقوباته ضد إيران وإنما أوقف تطبيقها، مثلما تفعل الولايات المتحدة.
ما هو السبب وراء هذا التصرف؟
هذه العملية هي جزء من الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني. والهدف من وراء ذلك هو أنه في حال اكتشف المجتمع الدولي انتهاكات خطيرة للاتفاق ألاّ يضطر إلى فرض عقوبات جديدة على إيران، وإنما يقوم بإعادة تفعيل العقوبات القديمة دون أن يكون بحاجة إلى اتخاذ قرارات سياسية جديدة. فقط في ما يسمى بـ"يوم التحول"، الذي من المقرر أن يتم الإعلان عنه في أجل أقصاه ثمانية أعوام، يتم رفع جميع العقوبات. وقد يتم ذلك في آجال أبكر بكثير عندما تقدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية "تقييما شاملا" يؤكد أن المواد والتقنيات النووية الإيرانية إنما اُستخدمت لأغراض سلمية بحتة.
بعدها هناك ما يسمى بـ"يوم الانقضاء"، الذي يتم فيه مساواة إيران مع جميع الدول غير النووية، التي وقعت اتفاقية منع انتشار السلاح النووي. وهذا من المقرر القيام به بعد عشر سنوات عندما تنتهي آجال جميع القيود.
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن العقوبات، التي فرضت على إيران خارج إطار برنامجها النووي، تبقى حيز التنفيذ وبخاصة العقوبات الأمريكية، بسبب أنشطة إرهابية أو انتهاكات لحقوق الإنسان.
قبل فترة وجيزة أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار فحصها لمدى تطبيق إيران للاتفاق النووي الدولي، أنه تم توضيح نقطة "الأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الإيراني في السابق". بعض المنتقدين يقولون إنه لم يتم في الواقع توضيح هذه النقطة.
جميع الأطراف لم تكن راضية بعض الشيء عن هذا التقرير. فبعض المنتقدين اعتبر أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تمعن النظر جيدا. بينما انتقد الإيرانيون التقرير لتناوله مجددا موضوع أنشطة، قامت بها إيران في السابق، والتي يمكن فقط توضيحها بأنه جرى أيضا البحث في مجال الاستخدام العسكري (للطاقة النووية).
وهنا يمكن القول بأن الدول الأعضاء بالوكالة الدولية للطاقة الذرية وجدوا أنفسهم مجبرين على القيام بالتفكير في الربح والخسارة، ومواجهة السؤال التالي: هل يراد فعلا الإصرار على أن تعترف إيران بأنها قامت بانتهاكات، وبالتالي المخاطرة بالاتفاق؟ أم أن تترك الأمور تقريبية ويتم الاكتفاء بوصف الأسئلة المفتوحة؟
الأمر الإيجابي أن التقرير يذكر بالتفصيل النقاط التي تم فيها تحقيق تقدم. وهنا كان يجدر بالوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تقول إجمالا بأنه تم توضيح الأسئلة المطروحة بشكل كاف. ولكن ذلك لم يحدث، وبالتالي فنحن نعرف في أي مجال قدمت إيران معلومات إضافية وفي أي مجالات لم تقم بذلك.
هل سيتم الالتزام بجميع الوصايا والقيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني خلال الآجال التي يصل بعضها إلى 25 عاما؟ أم أنه سيتم في الواقع بمرور الزمن التخفيف منها؟
في الواقع، فإن الاتفاق يتضمن مراقبة مشددة جدا، والتي من المقرر التخفيف منها بشكل تدريجي خلال الـ25 عاما القادمة. كما أنه يتضمن العديدة من البنود، التي تلزم (إيران) بالتعاون. ومن المفترض في هذا الإطار أن يتم تحويل بعض المنشآت النووية المثيرة للجدل، على غرار منشأة فوردو المقامة تحت الأرض أو مفاعل آراك للماء الثقيل، إلى مشاريع أبحاث علمية بمشاركة دولية. كما أن هناك وعودا للتعاون مع إيران لتطوير الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
وإذا ما تم النجاح في ذلك، فأعتقد أن أهمية المراقبة ستتراجع بمرور الزمن. وكلما طالت المدة الزمنية، التي يتم خلالها تطبيق هذا الاتفاق بشكل ناجح؛ يتراجع جانب المراقبة. وهذا لا يعني التخفيف (من إجراءات المراقبة) وإنما التراجع عن نهج فرض المراقبة المشددة، إذا ما سارت الأمور على ما يرام.
ما هي الآثار المحتملة لإنهاء العقوبات والإعلاء من شأن إيران في منطقة الخليج؟
من الواضح تماما أن السعودية ودول خليجية أخرى تنظر إلى الاتفاق بعيون مليئة بالشك. ونظرا لإيقاف العقوبات الاقتصادية هناك طبعا مخاوف من أن تصبح إيران قوية اقتصاديا، وهذا ما يزيد طبعا من الشكوك (العربية). المنتقدون في دول الخليج وإسرائيل أيضا يعتقدون أن إيران ستقوم إما بالالتفاف على الاتفاق أو تجميده، وذلك وعندما تزول بعد 15 عاما جميع البنود الملزمة، والمراقبة على أنشطتها النووية، لكي تواصل برنامجها النووي لأغراض عسكرية أيضا. وليس بوسعي إلا أن آمل بأن تتبدد هذه الشكوك عندما يتم تطبيق الاتفاق بشكل جيد؛ لأن إيران هي أكثر الدول غير النووية الخاضعة للمراقبة.
أما فيما يتعلق بالمنافسة العامة بين إيران ودول الخليج، فعلينا أن نرى أن مشاكل إيران الاقتصادية لن يتم حلها بين عشية وضحاها، وإنما سيتطلب الأمر سنوات إلى حين تطوير بنية تحتية، تسمح بدفع قطاع النفط بشكل كبير. لكن من الصحيح أيضا أن إيران عادت لتكون لاعبا مهما، خاصة في سوق الطاقة. وهذا من شأنه أن يزيد من حدة المنافسة في المنطقة.
هل هناك خطر أن يتم بعد نهاية مدة رئاسة باراك أوباما نسف الاتفاق من قبل الولايات المتحدة؟
جميع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي لديها حق النقض (الفيتو) يمكنها نسف الاتفاق (مع إيران). وقد تمت صياغة الاتفاق بشكل يسمح لهذه الدول في أي وقت بأن تتهم طهران بانتهاكات لبنوده. وبالتالي إعادة إحياء العقوبات المفروضة على إيران. والولايات المتحدة لديها هذه الإمكانية أيضا. لكن التكاليف السياسية لمثل هكذا تصرف بشكل أحادي، من شأنها أن تكون باهظة.
ولقد رأينا خلال التصويت في مجلس النواب الأمريكي الأسبوع الماضي أن الجمهوريين حاولوا مرة أخرى فرض عقوبات على قائمة تتضمن أسماء محددة لمواطنين إيرانيين وشركات؛ وبالتالي تعقيد مسألة تطبيق الاتفاق الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني. وعدم نجاحهم في ذلك يعود إلى أن الكثير من النواب لم يشاركوا في عملية التصويت. وبالتالي، فإن جبهة المعارضة للاتفاق لا تقف في الولايات المتحدة على أرضية صلبة، كما يأمل بعض المعارضين، ويخشى المؤيدون. وكلما طالت مدة تطبيق هذا الاتفاق بشكل ناجح، زادت التكاليف السياسية لتراجع محتمل عنه، على جميع الجهات. والأمر الإيجابي يكمن في أن العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إيران متشابكة بشكل يجعل أي خروج من الاتفاق أمرا صعبا.
وبالمقابل، فإن الاتفاق لن يؤتي أكله إذا ما عُلّقت الآمالُ على التركيز فقط على إجراءات المراقبة والعقوبات، الأمر الذي يتناقض مع روح هذا الاتفاق.
الدكتور أوليفر ماير، خبير في شؤون مراقبة التسلح لدى المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين.
أجرى الحوار هانس شْبروسْ.