نساء الجزائر يكسرن جدار الصمت ويرفضن التحرش الجنسي
١٨ أكتوبر ٢٠١٢طفت ظاهرة التحرش الجنسي في الجزائر مجددا إلى السطح على خلفية رفع موظفات بالتلفزيون الحكومي دعوى قضائية ضد مدير القناة بتهمة التحرش الجنسي، الأمر الذي حول الظاهرة، بحسب خبراء، من كونها من المحرمات إلى وعي لخطورتها وبالتالي لمكافحتها. فموضوع التحرش الجنسي بالنساء متداول على الألسنة، و يتعاطى معه الإعلام المكتوب بالقطاع الخاص، لكن خروج النساء إلى الشارع للشكوى من استفحال ظاهرة التحرش الجنسي أمر غير مألوف. دي دبليو عربية استطلعت أراء الشبان والشابات في الجزائر حول الظاهرة.
المجتمع لا يرحم
تقول سامية، موظفة في بنك حكومي، "إن هناك العديد من النساء يشتكين في صمت من معاناة التحرش الجنسي في أماكن العمل لكن المجتمع، حسب سامية، لا يرحم". حيث لا يمكنهن الكشف عن ذلك لعائلتهن أو رفع دعاوي قضائية ضد المتحرش. فبمجرد الكشف عن الضغوطات التي يتعرضن لها للعائلة فأنهن يصبحن محل اتهام. و أقصى حل تعرضه العائلة هو ترك العمل والبقاء في البيت، كما تضيف سامية. و بالنسبة لمبادرة النساء لتجريم التحرش الجنسي، تؤكد سامية التي حضرت محاكمة مدير القناة الحكومية بتهمة التحرش الجنسي على ضرورة الخروج من الصمت والكشف عن هذه الظاهرة وتقول " إن التنديد والاستنكار علنا يردع المتحرشين ويجعلهم يخشون التعرض للنسوة ".
علاء الدين شاب في مقتبل العمر كان جالسا أمام المحكمة التي جرت فيها وقائع محاكمة مدير القناة التلفزيونية، و قال إنه يرفض الصمت ضد ظاهرة التحرش الجنسي لكنه في نفس الوقت يرى أن مجرد مقاضاة الجاني تعتبر فضيحة للفتاة والعائلة لان المجتمع دائما لا ينصف المرأة حتى ولو كانت بريئة. و يضيف "أن اللوم كل اللوم يقع على الفتاة، حيث نجد العائلة تلومها مثلا على طريقة اللباس في حال لم تكن محجبة أو ربما تلومها على طريقة الكلام". فتقول العائلة مثلا، كما يضيف الشاب مبتسما " أنت السبب أكيد تكلمت معه بحنان أو لباسك كان فاضحا".
يُحمل المجتمع الجزائري المرأة مسؤولية تعرضها للتحرش في أماكن العمل، حسب رأي عبد السلام، وهو طالب جامعي والذي يقول "إن المجتمع يحاول التغطية على الفضيحة عن طريق حمل الفتاة على السكوت. فالمرأة المتزوجة تخشى أن يطلقها زوجها أو أن يمنعها من العمل ولهذا تلتزم الضحية جانب الصمت".
من جانبها تشجع عديلة، 30 سنة، مبادرة النساء للتنديد بالتحرش والدفاع عن أنفسهن لردع الجاني لكنها تقول إن "كان لبعض النساء الشجاعة للحديث وطرح قضيتهن في الإعلام وحتى اللجوء إلى القضاء، إلا أن غالبية النساء من ضحايا التحرش الجنسي يفضلن الاعتصام بالصمت خوفا على سمعتهن أو خوفا على المستقبل العائلي والمسار المهني ".
العمل على تشجيع كل النساء للتنديد علنا بالتحرش
و نددت نساء نقابيات وحقوقيات بظاهرة التحرش الجنسي من خلال تنظيم وقفات احتجاجية للدفاع عن نساء عاملات، وقعن ضحايا التحرش الجنسي في أماكن عملهن والمطالبة بـردع المسؤولين بالمؤسسات والشركات، المتهمين بالتحرش الجنسي. و قال المرصد المعادي للعنف الممارس ضد النساء، إنه يدعو كل النساء العاملات إلى الاعتصام "لنصرخ جميعا بأعلى أصواتنا": "لا للتحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء في العمل".
وقالت إحدى المدافعات عن النساء العاملات، الناشطة النقابية نصيرة مراح : "إن الهدف من المبادرة هو تشجيع كل النساء اللاتي كن ضحايا هذه الأفعال المشينة، من أجل التنديد بها في العلن، لكي نصبح قوة ونشكل ضغطا على السلطات حتى تأخذ بعين الاعتبار هذه الأزمة الخطيرة التي تعاني منها النساء في صمت". وأكدت الناشطة في لقاء مع دي دبليو عربية ''أن التحرش الجنسي في أوساط العمل بات حقيقة لا يمكن تجاهلها''. مشيرة إلى أن الظاهرة ''تقف عائقا أمام ترقية المرأة العاملة ويمس بشرفها".
موقف القانون الجزائري الحالي
يجرم قانون العقوبات في الجزائر التحرش الجنسي و تم تضمينه مواد خاصة بعد أن خاضت ناشطات حقوقيات ونقابيات حربا إعلامية للدفاع عن النساء العاملات. كان ذلك في سنة 2004، لكن "الحرب، كما تقول النقابية نصيرة مراح، لا تزال مستمرة بسبب عدم حماية القانون للشاهد". و مع صعوبة تقديم الأدلة المادية الملموسة المطلوبة في هذه الحالات أمام القضاء، يصبح من الصعب جدا على المرأة التي تلجأ إلى القضاء، أن تربح معركتها، فضلا عن ما تخلفه القضية من تأثيرات نفسية على الضحية والتي قد تصل إلى حد الانهيار العصبي، وفق رأي الناشطات.
و دعت جمعية جزائرية مختصة في الدفاع عن النساء العاملات اللاتي تعرضن للتحرش الجنسي، إلى ضرورة إطلاق حملة وطنية ضد الظاهرة المشينة في البلاد. و اعتبرت الدعوى القضائية التي قدمتها صحفيات مبنى شارع الشهداء ضدّ أحد مدرائهن"ّ شجاعة منهن وخطوة ايجابية، قد تكون الحافز لكثير من النساء ممن يواجهن العنف الجنسي للتنديد بما يحصل لهن علنا"، و أشارت الجمعية إلى ضرورة تطبيق الجانب الردعي من أجل الحد من تصرفات بعض المسؤولين والمدراء تجاه العاملات في مختلف المؤسسات والشركات.
المرأة الجزائرية لم تعد تقبل التحرش ولا تخاف الضغط الاجتماعي
ويعتبر الخبير الاجتماعي ناصر جابي أن وعي النساء بضرورة كسر جدار الصمت والتنديد بفعل التحرش هو تطور ايجابي. وقال في تصريح لدي دبليو عربية " إن يتم طرح الموضوع ويرفض المجتمع السكوت عليه كما فعلت صحفيات التلفزيون مؤخرا. و هذا يعني "أن المرأة الجزائرية لم تعد تقبل بالتحرش ولا تخاف من الضغط الاجتماعي إن تحدثت عنه وحاربته حتى في المحاكم". مؤكدا أن الحركة النسوية والمجتمع المدني ككل كان له دور في هذا الانجاز الذي لابد أن يستمر حتى نشجع النساء اللاتي يتعرض للتحرش من الدفاع عن أنفسهن، كما يضيف جابي.
و يوضح جابي أن ما يزيد من تطور الظاهرة في المجتمع هو كون المرأة بدأت في دخول عالم الشغل بكثافة اكبر وفي قطاعات ليس فيها حماية قانونية ونقابية، كما هو حال القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي، مما يحتم على المجتمع من خلال الحركة النسوية والحركة النقابية والإعلام تحشيدا أكبر لمحاربة الظاهرة .