نظام اللجوء الفاشل في إيطاليا يتسبب في تشريد الآلاف
١٥ مايو ٢٠١٦بعد وصوله إلى روما بأحد عشر عاماً يجلس إلياس أبرهام أمام أحد الأبنية المهجورة، والتي لا تحصى والمحتلة من قبل طالبي لجوء من شرق إفريقيا. يحتسي إلياس البيرة ويعتبر نفسه محظوظاً. زيت التشحيم لا يزال باديا على يدي إلياس، حيث أنه يعمل في ورشة تصليح سيارات مقابل 15 يورو(17 دولاراً) في اليوم.
قبول اللجوء لا يعني الحياة الكريمة، فهناك المئات من الذين قُبلت طلباتهم، غير أنهم يكافحون للعثور على عمل، ناهيك عن سكن لائق، حسب ما يخبرنا به إلياس، الأريتري الأصل. "إذا لم تتحايل على القانون في إيطاليا، سوف تموت جوعاً. يجب على المرء أن يتلوى كالأفعى، حتى تستطيع البقاء على قيد الحياة"، يقول إلياس.
بالنسبة للاجئين في روما، "التقلب" يعني أي شيء، بدءً من ممارسة الدعارة لقاء خمسة يورهات إلى عدد لا يحصى من الأنشطة الإجرامية. وحسب ناشط إيطالي في المجال الإنساني، فإن ذلك "نتيجة نظام الاندماج الضعيف". ويضيف الناشط بأن المشكلة ستتفاقم بعد أن تبدأ قوارب طالبي اللجوء بالوصول من ليبيا من جديد.
مشكلة متعددة الوجوه
خلال هذه السنة، وصل أكثر من 30 ألف طالب لجوء إلى إيطاليا، وفي يوم الجمعة لوحده وصل 1800 شخص. وبسبب تشديد حرس الحدود الرقابة وسوء الأوضاع الاقتصادية، سينضم الكثير من الوافدين الجدد، المقدر عددهم بـ10000 لاجئ، إلى من سبقهم للعيش في بنايات وأماكن غير مخصصة لهم من قبل الحكومة.
هذه التناقضات في نظام استقبال اللاجئين في إيطاليا تم توثيقها في تقرير جديد لـ"منظمة أطباء بلا حدود"، والذي حمل عنوان: "خارج الرؤية". "نظام استقبال اللاجئين فاشل"، كما يقول رئيس فريق البحث، جوزيبه دي مولا، ويتابع: "من الناحية النظرية، يُفترض أن يبقى اللاجئون في مراكز الاستقبال الأولية لمدة 30 يوماً. بيد أن العملية تستغرق لمعظم اللاجئين سنةً أو سنةً ونصف...لذلك فهم يهربون من المأوي".
وحسب التقرير المذكور، فإنه ومن بين 154 ألفاً، الذين هاجروا إلى إيطاليا العام الماضي، تقدم 84 ألفاً بطلبات لجوء. غير أن أقل من 20 ألفاً تم إدماجهم في برامج الاندماج الحكومية، حيث يتعلم فيها اللاجئ اللغة الإيطالية للمبتدئين، ويحصل على مساعدة للعثور على عمل.
وبحسب تقديرات دي مولا، فإن المعضلة ليست فقط في القدرة الاستيعابية غير الكافية لمراكز الاستقبال، بل أيضاً في الثغرات الموجودة في الإجراءات الإدارية، وهذه الثغرات تربك اللاجئين وتتركهم بلا مصدر موثوق للمعلومات. اذ يسبب التقدم البطيء في دراسة طلبات اللجوء الإحباط للاجئين، وينتهي المطاف بالكثير منهم خارج مراكز الاستقبال وذلك للبحث عن عمل أو ليحاولوا مغادرة إيطاليا. ولكنهم وفي أغلب الأحيان لا يحققوا أي من الأمرين. "(معظم الناس في الأبنية المهجورة) مسجلون كلاجئين. تعاني إيطاليا من أزمة، غير أننا لا نقول ذلك لتبرير كل شيء"، يقول دي مولا.
التسرب من مأوي اللجوء منذ البداية
قضية المهاجرين ليست بالجديدة في إيطاليا. في إطار البحث لإنجاز التقرير، أجرى دي مولا مقابلات مع أكثر من 550 ساكن في أبنية غير شرعية، ووجد أن متوسط مدة الإقامة للساكن الواحد بلغت ست سنوات. وبناء على المعطيات التي جمعها، فان دي مولا وجد أن الأسابيع الأولى لوصول اللاجئ تكون حاسمة، فيما يخص الاندماج، وهذه الأسابيع تكون لها تداعيات طويلة الأمد، وهي مشكلة لابد من مواجهتها.
في ليلة نهاية أسبوع، وفي منطقة صناعية قرب مركز المدينة، قاد الأفغاني سانغر عبدالله، ذو السبعة عشر ربيعاً، صديقين له وصلا للتو من مدينته في أفغانستان، وأخذهم إلى خيام منصوبة في طريق مهجور، وفي موقع الخيام هناك متطوعون من "جمعية باوبوا" يساعدون القادمين الجدد على إيجاد مكان للمبيت. غير أنه لا يوجد إلا القليل من أكياس النوم وفرشة واحدة متسخة ملقاة على الإسفلت الرطب. يقول عبدالله عن سبب إحضار أصدقائه إلى هذا المكان: "مراكز الاستقبال مكتظة، وفي غيرها من الأمكنة سوف يتعرضون للسرقة".
مضى على وجود عبدالله في إيطاليا عشر شهور وحصل موخراً على حق اللجوء. ومنذ وصوله إلى روما ينام في كنيسة ويشتغل في مغسل للسيارات. يتلقى على عمله لمدة 12 ساعة في اليوم أجراً مقداره 20 يورو. يعمل عبدالله على مدار الأسبوع، وتبدو عليه علامات التعب والإرهاق، ولكنه سعيد أيضا لاستقبال أصدقائه، ويقول إنهم اتخذوا القرار الصائب بالقدوم إلى روما. "تسمح إيطاليا لطالبي اللجوء بالبقاء، أما ألمانيا فتوقفت عن ذلك"، يقول عبدالله بلغة إيطالية ركيكة. يقول عبدالله إنه سيساعد أصدقائه على تقديم طلب اللجوء في يوم الغد. في نهاية المطاف، يأمل عبدالله بأن يستطيع مساعدتهم على إيجاد سكن وعمل. في الحالة الطبيعية، فإن هذه الأمور من مسؤوليات سلطات الهجرة.
"هذا هو نظام الترحيب باللاجئين في إيطاليا. السلطات رفعت أيديها عن الأمر، وكل شخص يمضي في حاله ويتدبر أمره بنفسه"، يقول روبيرتو فيفياني أحد المتطوعين في فريق باوبوا لمساعدة المهاجرين. يقف روبيرتو في الزقاق المهجور أمام خيمة فريق باوباب التطوعي، التي اقتحمتها الشرطة السنة الفائتة، ويقول أن طالبي اللجوء، الذين يمكثون في مراكز الاستقبال الحكومية، ليسوا بأفضل حالاً ممن يترك هذه المراكز. "تضع السلطات طالبي اللجوء في مأوى اللجوء لسنة لا يفعل اللاجئون فيها أي شيء غير التحديق في الجدران. يمكن للسلطات أن يعلموهم أي شيء، أو يقدموا لهم بعض الأعمال البسيطة. إن الطريقة التي تسير عليها الأمور، تجبر طالبي اللجوء على أن يصبحوا جانحين"، يضيف روبيرتو.
لاجئون منفيون عن المجتمع
بعيداً عن مركز المدينة، وفي إحدى الضواحي المهجورة، والتي تقع بين طريق سريع ومركز للتسوق، يقيم مولغيتا غافي. يشكو اللاجئ ويتذمر من عدم تحقيقه إلا القليل من المكاسب منذ قدومه إلى إيطاليا قبل 14 عاماً. "يقولون أنه لدينا حقوق. هذا صحيح، لدينا حق النوم في الشارع"، يقول مولغيتا، الإثيوبي، الذي يمتهن أي عمل يتاح له. لا يتورع مولغيتا عن الحديث علناً وعلى رؤوس الأشهاد من أمام أحد المباني، الذي كانت تستخدمه الحكومة فيما مضى كماكاتب رسمية، وحيث يعيش أكثر من 1000 شرق إفريقي. يمثل هذا المكان "رمزاً لسياسة الاندماج الفاشلة"، كما يدعوها مولغيتا. ويتسأل: "لماذا ليس هنالك مأوى لجوء هنا. ففي إفريقيا، لدينا مأوى للاجئين. لا أستوعب لماذا يبقونا في مثل هذه الأماكن".