نقص المياه في المدن.. ما هي الحلول المتاحة الناجعة؟
٢٧ يوليو ٢٠٢٤سواء أكان في دلهي أَمْ في كيب تاون أَمْ في مكسيكو سيتي تواجه المزيد من المدن حول العالم صعوبات في تزويد عدد سكانها المتزايد بسرعة بالمياه، فأكثر من 4 مليارات شخص يعيشون حالياً في المدن وبحلول عام 2050 من المتوقع أن يصل العدد إلى حوالي 6.5 مليار شخص، ووفقًا لحسابات الأمم المتحدة قد يعاني أكثر من نصف سكان المدن من نقص المياه بحلول ذلك الوقت. ويزيد تغير المناخ من تفاقم المشكلة.
في حالة نقص المياه الحاد غالباً ما يكون الحل الوحيد هو تقنين مياه الشرب، وعلى المدى الطويل تعيد المدن التفكير في إدارة المياه لتوفير المياه وتكييف البنية التحتية واستخدام مصادر المياه الطبيعية بشكل أفضل. فما هي الحلول الناجعة؟
تشجيع توفير المياه في المنازل والمباني الخاصة
إلى جانب الصناعة والتجارة تحتاج المنازل والمباني الخاصة أيضاً إلى كميات كبيرة من المياه. في ألمانيا يبلغ الاستهلاك اليومي للفرد حوالي 125 لتراً، بينما في الولايات المتحدة يصل إلى 300 لتر. يُعتبر الاستحمام (40%) والمراحيض (30%) والغسالات (13%) من أكبر مستهلكي المياه، ولا يُستخدم سوى أربعة بالمئة من كمية المياه للطهي والشرب.
حملات التوعية يمكن أن تشجع الناس على توفير المياه بأنفسهم، فصناديق المراحيض الموفرة للمياه ورؤوس الدش الموفرة والغسالات الكفؤة تحتاج إلى أقل من نصف كمية المياه المستخدمة سابقاً.
مدينة كيب تاون الجنوب أفريقية التي تكافح مع المشكلات الكبيرة للمياه منذ سنوات تعتمد على التوعية والتحديث، وقد أطلقت المدينة إصلاحات صحية مجانية في المنازل ذات الدخل المنخفض وزادت أسعار المياه لتحفيز الناس على توفير المياه، وفي عام الجفاف 2018 تمكنت المدينة من تقليل استهلاك المياه إلى 50 لتراً فقط للشخص الواحد في المتوسط.
تستعد مدينة فانكوفر الكندية أيضاً لمواجهة زيادة الضغط على موارد المياه، ولتقليل الاستهلاك يكلف الماء من الموَرِّد البلدي في الصيف الجاف 25 بالمئة أكثر مما يكلف في الشتاء الممطر.
صيانة شبكات الأنابيب وتحديث البنية التحتية
تؤدي الأنابيب ذات المياه المتسربة وشبكات التوصيل القديمة إلى خسائر كبيرة في المياه، وفي جميع أنحاء أوروبا يُفقَد أكثر من ربع مياه الشرب بهذه الطريقة، وفي بعض المدن حول العالم لا يصل حتى 60 في المئة من المياه إلى الصنابير، وبالتالي يمكن أن يؤدي إصلاح الأنابيب إلى تقليل خسائر المياه بشكل كبير.
طوكيو اليابانية واحدة من أكثر المدن كثافة سكانية في العالم، كانت تعاني من فقدان 15 إلى 20 في المئة من المياه بسبب تسرب مياه الأنابيب حتى قبل بضعة عقود، أما الآن فتقل هذه النسبة عن ثلاثة في المئة. يتم مراقبة شبكة الأنابيب التي تزيد عن 27 ألف كيلومتر باستمرار، ويتم فحصها للكشف عن التسريبات المائية وتجديدها، أصبحت الإدارة الكفؤة للمياه في المدن أكثر أهمية في جميع أنحاء العالم لتلبية الطلب المتزايد.
في الأبنية الجديدة يمكن تخطيط الأنابيب بشكل أفضل لتجنب خسائر المياه، ومع ذلك في العديد من المدن لا تزال البنية التحتية للمياه غير كافية، خاصةً في الأحياء الفقيرة التي تنمو بسرعة، في المقابل يتم تزويد الأحياء الغنية بالمياه بشكل أفضل عادةً.
استخدام مياه الأمطار وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالَجة
بدلاً من استخدام مياه الشرب الثمينة في كل مكان يمكن استخدام مياه الأمطار التي تم تجميعها أو مياه الصرف الصحي المعالَجة -المعروفة بالمياه الرمادية- من أجل المراحيض والغسالات والصناعة.
في الأحياء الجديدة مثلًا في مدينة ملبورن (أستراليا) ومدينة آرهوس (الدنمارك) يتم تصريف مياه الأمطار من الشوارع والأرصفة، وترشيحها، ثم استخدامها في المباني المحيطة. زفي العديد من المدن في الولايات المتحدة والهند وتايوان وإسبانيا وتركيا أصبح استخدام مياه الأمطار في المباني الجديدة إلزامياً.
وبدلاً من تصريف مياه الصرف الصحي المعالَجة إلى الأنهار تشجع العديد من المدن الآن على إعادة استخدامها، على سبيل المثال يشكِّل الماء المعاد تدويره ثلث المياه في بكين، ويتم استخدامه بشكل رئيسي للغطاء النباتي وتنظيف الشوارع وغسيل السيارات ومن أجل المراحيض.
أيضاً في مدريد يتم ري حدائق المدينة بمياه الصرف الصحي المعالجة، وفي سنغافورة يتم تنقية مياه الصرف الصحي المعالجة مرة أخرى حتى تصبح صالحة للشرب.
تخزين المياه في المدن الإسفنجية
بينما ينقص الماء في فترات الجفاف تتزايد في الوقت نفسه عدد حالات هطول الأمطار الغزيرة وحدوث الفيضانات، والمشكلة بالنسبة للمدن هي أن شبكات الصرف الصحي المثقلة والكثير من الأسطح المغلقة لا تسمح بتصريف مياه الأمطار بشكل كافٍ، لهذا السبب أصبحت مدينة ووهان الصينية ومدينة سنغافورة رائدتين في مفهوم "المدينة الإسفنجية" - وهي مدن ذات مساحات طبيعية وفيرة كالأشجار والبحيرات والمتنزهات تهدف لامتصاص مياه الأمطار والحفاظ على مياه الأمطار وتجنب آثار الفيضانات الكارثية.
فقد تم إنشاء أماكن في جميع أنحاء المدن لتخزين مياه الأمطارالزائدة بدءًا من خزانات تحت الأرض إلى المساحات الخضراء وتغطية الأسطح بالنباتات، حيث يمكن لمياه الأمطار أن تُصَرَّف، كما تساعد الأرصفة القابلة للنفاذ على تصريف المياه، ويمكن إعادة استخدام المياه التي تم جمعها، وتساعد المساحات الخضراء الإضافية في تبريد المدينة.
في الصين وحدها يوجد الآن أكثر من 60 مدينة إسفنجية، ويتم استخدام هذا المفهوم الآن في إعادة تشكيل المدن حول العالم، وفي أوروبا يتم تحويل العاصمة الدنماركية كوبنهاغن إلى مدينة إسفنجية.
تجديد خزانات المياه الطبيعية وحماية مصادر المياه
من الضروري جداً للمدن حماية وتجديد مصادر المياه الطبيعية في المناطق المحيطة.
على سبيل المثال تعتمد العاصمة الكولومبية بوغوتا بنسبة 80 في المئة على المياه القادمة من المناظر الطبيعية الجبلية المجاورة، وهي نظام بيئي فريد يحتوي على مستنقعات وبحيرات، لكن الاستخدام المفرط لهذه المناطق من قبل المزارعين يعرض إمدادات المياه للخطر. يسعى مزود المياه الكولومبي إلى التصدي لهذه المشكلة من خلال شراء الأراضي وتقديم التوعية لتجديد هذه المصادر المائية.
ويمكن أن تساعد على توفير المياه أيضاً إزالةُ النباتات التي تستهلك الكثير من الماء في منطقة جمع المياه، في كيب تاون على سبيل المثال تم استبدال العديد من أشجار الصنوبر والأوكالبتوس -في منطقة ما- بزراعة شجيرات فايبوس المحلية التي تحتاج إلى كمية أقل من الماء.
أعده للعربية: محمد المزياني