نوادر "جحا الألماني" تشهد رواجاً عالمياً منذ خمسة قرون
٢٩ مارس ٢٠١١تكهنات كثيرة تحيط بشخصية تل أويلنشبيغل، ذلك الرجل المرح الساخر الماكر الذي يشبه في نوادره شخصية جحا. الشيء المؤكد بخصوص "جحا الألماني" أنه شخصية أدبية بامتياز، قهرت الزمن واستطاعت دوماً أن تجتذب آلاف القراء، ليس فقط في ألمانيا بل في عديد من بلدان العالم، لدرجة أن نوادره ترجمت إلى أكثر من مئة لغة.
ولكن ما سر جاذبية شخصية "جحا الألماني"؟ على هذا السؤال تجيب شارلوته بابندورف مديرة متحف "تيل أويلنشبيغل" بقولها: "هذه الشخصية ساحرة بالنسبة لي لأن تأثيرها يتعدى الأجيال، فتجد الصغار والكبار معجبين بها. هذا شيء رائع لأنه يتعدى الحدود والزمن." أما البروفيسور السويسري ألكسندر شفارتس، أستاذ اللغويات في جامعة لوزان والذي يدرس ظاهرة "جحا الألماني" منذ ما يزيد على ربع قرن فيعتبر كتاب أويلنشبيغل أقدم نص ألماني سردي، وأنه ظل مشهوراً وناجحاً على مر القرون، وليس فقط في المنطقة الألمانية.
المتمرد الساخر
"جحا الألماني" كان إذن شخصية أدبية عالمية، أما سر نجاحه فيرجع إلى اعتماده أساساً من أسس المسرح الكلاسيكي، ألا وهو إلقاء الدروس الأخلاقية في صورة ممتعة مضحكة، وهو يشبه ما كان يطلق عليه العرب "الإمتاع والمؤانسة"، فالإمتاع بالمفهوم العربي لم يكن يخلو أيضاً من دروس أخلاقية. في نصوص "أويلنشبيغل" يعايش القارئ عن قرب الحياة اليومية في القرن السادس عشر بكل تفاصيلها، ويتعرف على حياة الحرفيين والأمراء وما يجري في الحانات والمطاعم. والنوادر مروية بلغة ساخرة لا يملك القارئ معها سوى الابتسام أو القهقهة، فجحا الألماني مثل نظيره العربي، لا يكف عن السخرية من الناس وصنع "المقالب" الماكرة لهم.
جحا الألماني شخصية متمردة ساخرة تخلط النقد الاجتماعي بالمرح، كما أنه كان ينتهك محرمات كثيرة سائدة في عصره. ولكن من هو كاتب نوادر أويلنشبيغل التي طبعت لأول مرة في مدينة ستراسبورغ في عام 1510؟ التكهنات كثيرة، فالبعض يقول إنه الراهب الفرانسيسكاني توماس مورنر، وهناك من يؤكد أنه جابي الضرائب هيرمان بوته. غير أن ذلك لا يلعب أي دور بالنسبة للقارئ الذي يستمتع بنوادره الساخرة.
تحولات أدبية
كان أتباع المذهب الإنساني في الأدب هم من حوّروا شخصية أويلنشبيغل وجعلوها مشهورة خارج الحدود الألمانية. ويعتقد باحثو الأدب أن العمل بشكله الحالي ليس من تأليف كاتب واحد، بل إن عديدين شاركوا في صياغته، تماماً مثلما شارك مؤلفون كثيرون مختلفة في صياغة "ألف ليلة وليلة".
ترجمت نوادر أويلنشبيغل خلال القرن السادس عشر إلى كافة اللغات الأوروبية تقريباً، وفي كل لغة شهدت النوادر تحويراً وتغييراً لتناسب البيئة والعقلية المحلية. ففي هولندا على سبيل المثال تحول أويلنشبيغل إلى مناضل من أجل الحرية، وذلك اتساقاً مع النضال الذي كانت تخوضه هولندا ضد الإسبان، أي أن أويلنشبيغل تحول إلى شخصية هولندية. الشيء نفسه حدث في بولندا حيث تغير مسقط رأس أويلنشبيغل من كنايتلينغن – كما جاء في الأصل الألماني – لتصبح مدينة كنيتوفيتش البولندية.
وقد شهدت نوادر جحا الألماني ترجمات عديدة إلى اللغة الانكليزية، وهكذا عرفت النوادر طريقها إلى أمريكا خلال القرن التاسع عشر، ثم إلى بقية أنحاء العالم في القرن العشرين. وتعتبر الترجمة اليابانية أهم الترجمات على الإطلاق، مثلما يؤكد المؤرخ الألماني بنرد أولريش هوكر، لأنها تفيض بالتفاصيل الدقيقة التي تنم عن عناية بالغة في الترجمة. هذا الإقبال على ترجمة نوادر أويلنشبيغل جعل من كتاب "تيل أويلنشبيغل" الأكثر شعبية بين الكتب الألمانية في العالم – فالحكايات الساخرة و"المقالب" الخبيثة تمتع الناس في كل مكان، بغض النظر عن ثقافتهم أو اللغة التي يتكلمونها.
غونتر بيركنشتوك/ سمير جريس
مراجعة: يوسف بوفيجلين