نورمبرغ تواجه تاريخها وتقيم معرضاً عن محاكمات النازيين
٢٣ نوفمبر ٢٠١٠الكاميرات تحاصر هيدي شتاين، تلك المرأة الرقيقة البالغة من العمر ستة وثمانين عاماً. رغم كل الضجيج المحيط بها تبتسم المرأة في وداعة، لكنها تبدو ضائعة قليلاً وسط هذا الحشد. لم تكن تتوقع هيدي شتاين مطلقاً أن تصبح محور اهتمام الصحافة العالمية في يوم افتتاح المعرض الذي يقام عن محاكمات نورمبرغ، بل لم تكن تتخيل عودتها إلى ألمانيا عندما هربت في عام 1939 متوجهةً إلى انكلترا. عادت شتاين إلى ألمانيا في يوليو (تموز) 1946 عضواً في فريق الاتهام الأمريكي في قضية الأطباء النازيين، وكان عليها أن تبحث عن وثائق وأدلة إدانة، وهي ما زالت تتذكر حتى اليوم الفظائع والجرائم التي كانت مادة للمحاكمة في نورمبرغ.
فصل من تاريخ العالم
استطاع أرنو هامبورغر هو أيضاً الهرب طفلاً من وجه النازيين. التحق هامبورغ بالجيش البريطاني، ثم عاد جندياً بريطانياً إلى مسقط رأسه، مدينة نورمبرغ حيث عمل أثناء محاكمات النازيين مترجماً فورياً. بعد انتهاء القضية ظل يعيش في مدينته، وهو اليوم يبلغ من العمر سبعة وثمانين عاماً، ويرأس الجمعية الثقافية العبرانية في المدينة.
"هذا المكان فريد في العالم كله، هنا كُتب فصل من تاريخ العالم": بهذه الكلمات استقبل أولريش مالي، عمدة مدينة نورمبرغ، الصحفيين الذين جاءوا من كافة أنحاء العالم ليشاهدوا افتتاح المعرض التذكاري الذي يُقام في محكمة نورمبرغ. قبل خمسة وستين عاماً شهدت إحدى قاعات هذه المحكمة، وتحديداً القاعة رقم 600 وقائع المحاكمة الشهيرة لمجرمي الحرب النازيين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي نقلت أحداثها إلى العالم كله عبر شاشات التلفزيون.
باستطاعة الزائر أن يتعرف في هذا المعرض على كل ما يتعلق بمحاكمات نورمبرغ وكيفية تأثيرها على القانون الجنائي الدولي، وفي محكمة العدل الدولية في لاهاي. ورغم أن الملايين راحوا ضحية انتهاكات حقوق الإنسان بعد عام 1945، سواء في الأرجنتين أو في الصين ورواندا والكونغو ويوغسلافيا، فإن هذه الجرائم لم تعرض على محكمة دولية إلا في القليل من الحالات.
توثيق دقيق يحيي الماضي
ولعل زائر معرض نورمبرغ يندهش من كثرة الوثائق التاريخية من صحف وصور تسجيلات صوتية وبصرية، غير أن الادعاء كان حريصا آنذاك على التوثيق الدقيق لكل تفاصيل المحاكمة التي حضرها عدد كبير من المشهورين من كافة أنحاء العالم، ومنهم – على سبيل المثال – الكاتب الأمريكي جون شتاينبيك والكاتب الألماني إيريش كستنر، وكذلك السياسي الألماني والمستشار اللاحق فيلي برانت، الذي أتى إلى نورمبرغ من المنفى النرويغي مراسلاً للصحف الاسكندنافية. خلال محاكمة مجرمي الحرب النازيين استمعت المحكمة إلى 280 شاهداً من الجناة والضحايا، وهكذا عرف الرأي العام العالمي للمرة الأولى كافة تفاصيل الجرائم والأهوال التي ارتكبها النازيون قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها، ومنها جريمة المحرقة بحق اليهود.
يوم الذكريات
بالنسبة لهيدي شتاين فإن هذا اليوم يحيي الذكريات في نفسها. "إنني أسير في هذه القاعات وكل الأفكار والذكريات تعود إلى رأسي من جديد"، تقول إيبشتاين. أما أرنو هامبورغر فيشعر بالرضا والفخر لافتتاح هذا المعرض التذكاري الذي به "تواجه نورمبرغ تاريخها". ويضيف هامبورغر: "هذا المعرض يشيد الجسور بين الجريمة والعقاب، كما أن المركز الوثائقي يظهر كيف تمت إدانة المجرمين وكيف كفّروا عما اقترفوه – وأنا فخور بأن ذلك حدث في المدينة التي ولدت بها." هانس كريستيان تويبريش، مدير المركز الوثائقي، يشعر بالرضا أيضاً، كما يغمره التفاؤل بشأن الإقبال على المعرض: "نأمل أن نكون بذلك قد كتبنا الصفحة الأولى في التاريخ الشامل لهذه القضية، وأن تساعد هذه المعلومات في تقريب هذا المكان التاريخي من الأذهان". ويقر تويبريش بأن "الطريق كان طويلاً حتى تمت إقامة المعرض"، غير أن المعروضات هنا تمثل "درساً للمستقبل".كورنيليا رابيتس / سمير جريس
مراجعة: حسن زنيند