هاجس الفساد يرخي بظلاله على مساعي إعادة إعمار العراق
١٣ فبراير ٢٠١٨يجري لليوم الثاني في الكويت مناقشة سبل ومساعي إعادة إعمار العراق الذي يحاول النهوض بعد صراع مدمر سيطر خلاله المتشددون على نحو ثلث أراضيه، وذلك في مؤتمر جمع 74 جهة من دول ومؤسسات مالية ونقدية متخصصة. وتسعى بغداد إلى الخروج من هذا المؤتمر بالتزامات وتعهدات من المانحين والمستثمرين للمساهمة بمبلغ قُدر حجمه بحوالي 100 مليار دولار هي تكلفة إعادة الإعمار بعد الحرب مع إعطاء أولوية خاصة للإسكان. 20 مليار دولار من هذا المبلغ يحتاجها العراق بشكل مستعجل وما تبقى منه على المدى المتوسط كما أعلنت بغداد.
ويعول العراق على المانحين الدوليين خصوصاً القطاع الخاص، لكن ورغم التطمينات والإغراءات التي تحاول بغداد من خلالها تحفيز الدول والجهات المانحة للمساهمة في هذا المشروع، إلا أن هاجس الفساد المستشري في العراق خيم على أعمال المؤتمر وربط بعض المراقبين بينه وبين رفض أو تريث بعض الدول في اتخاذ قرار المساهمة في إعمار هذا البلد المنكوب.
دمار شاسع ومساهمات ضئيلة
وحسب أرقام الحكومة العراقية فقد دُمر 70 ألف منزل بشكل كامل وبلغ مجموع المباني المتضررة حوالي 140 ألف مبنى وهو ما يحول دون عودة الكثير من النازحين واللاجئين إلى مناطقهم وقد وصل عدد هؤلاء إلى حوالي مليونين ونصف المليون نازح.
ومن المتوقع أن يعلن غداً في اليوم الختامي للمؤتمر عن قيمة المساهمات والتعهدات المالية التي حصل عليها العراق في المؤتمر، لكن الأرقام الموجودة حتى الآن تبقى بعيدة جداً عن المبلغ المطلوب، بل يرى مراقبون أن حتى الرقم الذي تطلبه بغداد أقل مما يحتاجه فعلاً العراق للنهوض من الدمار الذي لحقه في السنوات الماضية.
الخبير الاقتصادي العراقي في بغداد باسم أنطوان يقول حسب الأرقام التي تم الكشف عنها حتى فقد منح مبلغ 330 مليون دولار للقضايا الإنسانية، بالإضافة إلى منحة بقيمة 150 مليون دولار من الصليب الأحمر الدولي، وساهمت منظمات كويتية بما مجموعه 122 مليون دولار ستوجه لمنظمات المجتمع المدني في العراق. ولم ترد حتى الآن أي معلومات حول مساهمة دول الاتحاد الأوروبي والدول الخليجية وإيران وتركيا في المشروع.
ويعزو خبير النفط والاقتصاد العراقي الدكتور ماجد الصوري هذه النقطة إلى أن العديد من الدول مازالت تتريث قبل المساهمة وتريد التأكد من أن الأموال التي ستساهم بها ستدخل فعلاً في عمليات إعادة الإعمار وهذا كان أهم شرط من الشروط التي وضعتها هذه الدول للمشاركة في المشروع. هذا الشرط أكد عليه أيضا كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهو موضوع مباحثات بينهما وبين الحكومة العراقية حسب الخبير.
وعن المصالح والدوافع التي يمكن أن تحفز الدول والجهات المانحة على المشاركة في إعادة إعمار العراق يقول أنطوان: "العراق أرض بكر، وفي ظل الحاجة الكبيرة للبنى التحتية من مستشفيات ومدارس وطرق وجسور وغيرها فهناك فرص هائلة للاستثمار بينما يعيش العالم بشكل عام حالة من الكساد حالياً، وهذه الشركات التي ستدخل الآن في هذا المشروع ستكون لها الأولوية أيضا في مشاريع مستقبلية. هذا دون الحديث عن الخيرات والثروات الضخمة التي يتوفر عليها العراق".
هاجس الفساد المستشري
"الأمر عبارة عن قنبلة موقوتة فالكثير من العراقيين، ومنهم من كان وضعه الاقتصادي جيداً قبل الحرب، فقدوا عائلاتهم وبيوتهم ووظائفهم ولم يعد لديهم شيء. واستمرار هذا الوضع مستقبلاً يمكن أن ينجب أكثر من داعش". يقول الخبير باسم أنطوان، مضيفاً أن عدد العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر في العراق حالياً يتجاوز 23 بالمائة ويصل في المناطق التي تم تحريرها من قبضة داعش إلى أكثر من 40 بالمائة.
لكن سعي بغداد لجمع الأموال يصطدم مجدداً بمعدلات الفساد التي توثقها منظمات دولية، فالعراق يحتل المرتبة 166 من بين 176 دولة على لائحة البلدان الأكثر فساداً بحسب آخر لائحة أصدرتها منظمة الشفافية الدولية. من جهتها تحاول بغداد تقديم تطمينات وامتيازات للمستثمرين لتشجيعهم؛ قد أعلنت عن أكثر من مئتي مشروع استثماري حيوي في مجالات اقتصادية مختلفة أمام مئات الشركات الاستثمارية الأجنبية على هامش المؤتمر. وصرح رئيس الدائرة القانونية في الهيئة الوطنية للاستثمار نزار ناصر حسين لوسائل إعلامية بأن القوانين في العراق لا تفرق بين المستثمر المحلي والأجنبي، مشيراً إلى أنه بإمكان المستثمرين الأجانب تأسيس شركات عراقية. كما أكد أن العراق ينوي إعفاء المستثمرين من ضريبة الدخل لفترة ما بين 10 و15 سنة.
الحل: "إصلاح النظام السياسي"
ويرى الخبير باسم أنطوان أنه ينبغي على هذه الدول المترددة في المشاركة بسبب الفساد أن تنفذ بنفسها المشاريع. ويضيف "إن كانوا متخوفين فليسوا مضطرين لدفع أموال. يمكن للشركات التابعة لهم الإشراف بنفسها على تنفيذ مشاريع البنى التحتية من مستشفيات وطرق ومدارس وغيرها والعراق يكون ملزماً بتوفير البيئية الأمنية المناسبة".
لكن مصادر عراقية تتخوف من أن تحول أزمة الفساد دون تحقيق المؤتمر للأهداف المرجوة، فتشكك الدول المانحة قد يدفعها إلى الإحجام عن التبرع بالأموال اللازمة للإعمار والدخول بدلاً من ذلك في تنفيذ مشاريع استثمارية عملاقة، وهو ما سيؤدي إلى تأخير إعادة الإعمار، وبالتالي يؤثر في تمكين النازحين الذين يقدرون بمليونين من العودة إلى مناطقهم.
ويعترف الخبير العراقي ماجد الصوري بأن الفساد فعلاً مشكلة وعقبة كبيرة وهناك دول تنتظر ضمانات بخصوص مصير الأموال التي قد تستثمرها. ويقترح الصوري أن تكون هناك رقابة دولية على الموضوع ولكن ينبغي في نفس الوقت العمل على محاربة البيروقراطية والفساد من الداخل وذلك مثلاً من خلال إنشاء حكومة إلكترونية تتيح إمكانية المراقبة الآنية للإيرادات والنفقات، وهذه النقطة جزء من مطالب دولية في هذا الخصوص كما يقول الخبير.
من جهته يشاطر الخبير برنار تراوتنر، وهو باحث في "المعهد الألماني للتنمية" في بون، الرأي في أن الفساد معضلة كبيرة في العراق، ويقول: "الفساد أحد أكبر الأسباب التي تعرقل الاستثمارات الخاصة والعمومية على السواء في العراق منذ 2003. ما الذي حل بالمنح التي حصل عليها العراق في 2003؟ لم يتحقق بها الكثير وهذه مشكلة ينبغي على الحكومة العراقية العمل مع المانحين على معالجتها. ولمعالجة الفساد يجب معالجة وإصلاح النظام السياسي ككل".
"الموقف الأمريكي محبط"
تزايدت الأسئلة حتى قبل انطلاق المؤتمر عن حجم وشكل مساهمة الولايات الأمريكية، قائدة التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية، في إعادة إعمار العراق، فقد استبق مسؤولون أمريكان المؤتمر وأكدوا على أن إدارة ترامب لا تخطط للمساهمة بأموال في عملية إعادة الإعمار.
وهو ما رأى فيه بعض المراقبين وجهاً من وجوه تنفيذ مبدأ "إنهاء عهد بناء الدول" الذي أعلنه ترمب قبيل توليه منصبه. ويرى متابعون للشأن العراقي أن الولايات المتحدة ستعول بشكل كبير على حلفاء الخليج لتحمل جزء من أعباء إعادة إعمار العراق، في وقت تسعى فيه إلى رؤية تقارب سعودي عراقي لإضعاف نفوذ إيران في البلد الذي تديره حكومة يهيمن عليها الشيعة.
لكن ذلك لم يمنع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تلرسون من حث أعضاء التحالف الدولي ضد "داعش" على المساعدة في إعادة إعمار العراق لتفادي المجازفة بالمكاسب التي تم تحقيقها ضد التنظيم هناك، إذ صرح خلال المؤتمر بأن الولايات المتحدة تقدر "المساهمات السخية" التي قدمها أعضاء التحالف في العام الأخير لكن هناك حاجة للمزيد.
ويرى الخبير العراقي باسم أنطوان أن الموقف الأمريكي مستَغرب ومحبط للعراقيين. ويضيف "هي ردة فعل من الأمريكان على اعتبار أنهم شاركوا في الحرب ضد داعش، وهو أيضاً موقف سياسي يتعلق بإدارة الرئيس الحالي، فدونالد ترامب يتعامل بمنطق رجل الأعمال الذي لا يريد أن يعطي دون أن يقبض مقابلاً على عكس الرئيس السابق".
ألمانيا من أكبر المانحين
أما فيما يتعلق بالمساهمة الألمانية فلم يتضح بعد حجم ما ستساهم به برلين في إعادة إعمار العراق من خلال هذا المؤتمر لكن المؤكد هو أن الموضوع يحظى بأهمية بالنسبة للسياسيين الألمان، فألمانيا التي يعيش فيها حاليا مائة ألف لاجئ عراقي، أطلقت برنامجاً لإعادة اللاجئين إلى بلدانهم بما في ذلك العراق، ويُصَعب موضوع إعادة الإعمار عودة اللاجئين الذين تدمرت منازلهم وفقدوا كل شيء في بلدهم.
ومنذ 2014 تساهم ألمانيا في عملية الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العراقي بحوالي 1.3 مليار يورو وهو ما يجعلها أحد أكبر المانحين للعراق.
سهام أشطو