هل أن القضاء العراقي مستقل حقاً عن السياسة؟
٢٢ يوليو ٢٠١١بعد جدال بين القوى السياسية العراقية، علق مجلس الرئاسة في العراق حكم الإعدام الصادر ضد كل من وزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم ومعاون رئيس أركان الجيش الأسبق حسين رشيد. حسب ما ذكرت وكالة رويترز للأنباء، نقلا عن نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. وكانت وزارة العدل العراقية أعلنت الأسبوع الماضي عزمها تنفيذ أحكام الإعدام خلال الشهر المقبل بحق 5 أشخاص من أركان حقبة صدام حسين، بعد أن أدانتهم المحكمة الجنائية العراقية العليا المتخصصة بالنظر في جرائم النظام السابق، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق العراقيين. وهؤلاء الخمسة هم وطبان إبراهيم الحسن وسبعاوي إبراهيم الحسن وعزيز صالح النومان، إلى جانب سلطان هاشم أحمد وحسين رشيد. وأحتدم النقاش حول شخصية سلطان هاشم، فقد تعالت الأصوات بين مؤيد لتنفيذ قرار إعدام وزير الدفاع في ظل نظام صدام حسين وبين معارض للتنفيذ. الأمر الذي دفع بعض القوى السياسية بوصف قرار الإعدام بالـ"مسيّس"، بينما قال عنه آخرون إنه يؤكد على استقلالية القضاء العراقي.
"التعليق غير قانوني"
من السويد وصف أستاذ القانون الدولي الدكتور منذر الفضل "تعليق" تنفيذ عملية الإعدام، بأنه انتهاك واضح لنصوص الدستور، خاصة وأن رئيس الجمهورية ونوابه أقسموا على احترام الدستور، لكنهم" خرقوه بدليل أن المادة 145 فقرة 1 من قانون العقوبات العراقي أجازت إصدار مرسوم جمهوري متعلق بالعفو الخاص. وحينما نلجأ إلى الدستور ونقرأ المادة 75 الفقرة 1 فأنها أجازت إصدار عفو خاص، باستثناء المتهمين بالجرائم الدولية والمحكوم عليهم بجرائم الإبادة والإرهاب والفساد المالي والإداري". حسب قول الخبير القانوني، الذي يؤكد على أن هناك مانع دستوري في تجزئة العقوبة أو إعاقة تنفيذ بالعقوبة. ويقول" هناك استخفاف بالحكم القضائي الذي صدر من محكمة عراقية مختصة، والذي صادقت عليه محكمة التمييز". ويحذر من المس بالقضاء العراقي، مشيرا إلى أنه يجب احترام أحكامه، فأما أن يكون هناك قضاء عراقي محترم يجب أن تعزز استقلاليته ونزاهته وأما أن لا يكون هناك قضاء.
"سلطان عسكري مهني"
ومن محافظة الموصل تحدث الصحفي العراقي والضابط السابق في الجيش العراقي خليل خباز عن مزايا وزير الدفاع الأسبق الفريق الركن سلطان هاشم، مؤكداً أنه لا يستحق عقوبة الإعدام، بل أنه رجل مهني يحترم سلطة الدولة، بغض النظر عمن" يجلس على كرسيّها. "وضرب مثلاً أن سلطان هاشم سَلّمَ نفسه للقوات الأميركية، لثقته أنها ستأتي بسلطة مدنية سياسية بعد نظام صدام حسين، رغم أن أبواب الهروب كانت مفتوحة أمامه. وأن سلطان هاشم، أراد بذلك الإشارة إلى أنه ينتمي للعراق، مضيفا أنه أراد التأكيد على عدم " إنتمائه إلى البعث أو عزت الدوري أو يونس الأحمد، بل إلى المؤسسة الحكومية في ذلك الوقت. " وأنه كرجل عسكري، كان ينفذ الأوامر العسكرية "بحرفية". هذه المفردة أثارت الدكتور منذر الفضل، ليتساءل عن معنى الحرفية من قبل رجل عسكري نفذ الأوامر لقتل ودفن" 188 ألف" كردي من أطفال ونساء وشيوخ وهم أحياء، متسائلاً إن كان هذا انتصار؟. ثم عرج على المؤسسة العسكرية العراقية بالقول" أي تأريخ مشرفللمؤسسة العسكرية العراقية . الحروب الداخلية ضد أبناء الشيعة في الجنوب. وضد الأكراد الفيلية وضد الأكراد. ودفن ما لا يقل عن ربع مليون إنسان من الأكراد؟ نكتشف يوميا مقابر جماعية في الديوانية والوسط والجنوب. ثم قامت هذه المؤسسة بأعلان حروب خارجية ضد دول الجوار، التي مازالت جروحها إلى الآن لم تندمل. أي انتصارات صنعتها هذه المؤسسة ضد شعبها؟". وأشار أستاذ القانون الدولي إلى أنه رغم رفضه لعقوبة الإعدام وضد الثأر والانتقام، إلا أن هناك نصوص قانونية صريحة وأن" على مجلس الرئاسة أن يحترم القسم الذي أقسم عليه". وأنه لا يمكن أن يطبق القانون على "س" ولا يطبقه على "ص". بل يجب احترام القانون.
"القضاء أم السياسة؟"
ووُصفَ حكم الإعدام بحق زير الدفاع العراقي الأسبق بـ" المسيّس". وأن تنفيذه يمثل ضربة لجهود المصالحة الوطنية. حتى أن الناطق باسم الحزب الإسلامي سليم الجبوري، قال في بيان نقلته صحيفة الصباح العراقية إن "المضي في تنفيذ الأحكام ضد هاشم ورشيد وفي هذا الظرف ستكون له انعكاسات سلبية". المحلل السياسي العراقي الدكتور عبد الخالق حسين وصف من يقول أن تنفيذ حكم الإعدام بحق المدانين بقضية الأنفال يمثل ضربة للمصالحة الوطنية،وصفه بأنه اعتراف " بالأنتماء للبعث وان من يقول ذلك شريك في الجريمة." رغم انه أكد على أن مفهوم المصالحة يعني أن يعفوا العراقيون عن بعضهم البعض، لكن لا يعني أن يتم العفو عمن أرتكب جرائم بحق الإنسانية. وقال" لا يمكن أن يضع البعض العفو عن هؤلاء شرط اً للمصالحة، ويهدد بالحرب الأهلية والأرهاب . "وقال إن هناك ضجة كبيرة تدور حول هذا الموضوع من قبل جهات عدة. وعبر عن قلقه لكون "المجتمع العراقي أساساً منقسم على نفسه ومتصارع وغير متجانس" ،مشيراً إلى أن الاختيارية في الإحكام أمر مرفوض. وأضاف" لا يمكن أن نقبل ببعض الأحكام وأن نصف الأخرى، إذا ما كانت ضدنا ،بالمسيسه". يؤيده في ذلك الدكتور منذر الفضل، بقوله إن المصالحة لها شروط وأسس، والمصالحة بين من ومن؟ ويتساءل، ان كان يمكن أن تكون المصالحة بين الضحية والجلاد؟ مشيراً إلى أن قواعد العدل والعدالة توجب النظر إلى هذه الموضوع بنظره موضوعية وعقلانية لا بتسييس أحكام القضاء.
وفي العراق مؤسسات دستورية قائمة. ويحكم النظام السياسي مبدأ فصل السلطات، والتداخل بين هذه المؤسسات مثلما كما يذكر الدكتور منذر الفضل، يسئ إلى هذه المؤسسات. الصحافي خليل خبازأعتبر أن مقارنة العراق بأميركا وبريطانيا ودول غربية عدة.أمر غير ممكن وحذر من مغبة محاكمة رموز المؤسسة العسكرية بالقول "أن محاكمة القادة العسكريين قد تجلب مشاكل عدة وتفتح أبوابا لا يمكن إغلاقها، بل ربما تؤدي في يوم من الأيام إلى محاسبة القادة العسكريين في الوقت الحالي، إذا ما جاء سياسيون للسلطة يحملون هوىً آخر". وعن السؤال إذا ما كان من الممكن أن يخضع القضاء إلى المصالح السياسية، أجاب الدكتور منذر الفضل قائلاً:"إذا تدخل السياسيون في القضاء وإذا تم تسييسه، فأنها كارثة كبيرة. يجب أن يكون هناك احترام كبير لهيبته وأن تنفذ أحكامه، لأن القضاء هو الضمان الأساسي لتحقيق العدالة في المجتمع بجانب مبدأ فصل السلطات ومبدأ التداول السلمي للسلطة. هذه هي القواعد الأساسية لبناء أي دولة مدنية". أما الصحافي خليل خباز، فقال" إن هذا يجري حاليا داخل قبة البرلمان العراقي،فقانون العفو عن المزورين هو مثال على ذلك". وفي نفس السياق أشار الدكتور عبد الخالق حسين، على أنه يجب تجريد مجلس الرئاسة من صلاحياته في إلغاء عقوبة الإعدام أو التدخل في أحكام القضاء. وأضاف"عليه يجب تعديل الدستور لمنع مثل هذه التدخلات".
عباس الخشالي
مراجعة:حسن ع.حسين