هل عرقلت العقوبات على سوريا إيصال المساعدات بعد الزلازل؟
٢٣ فبراير ٢٠٢٣في مقطع مصور انتشر على نطاق كبير على "تيك توك" بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، تزرف فتاة سورية الدموع وهي تقول باللغة الإنجليزية "ليس لدينا كهرباء وليس لدينا غاز وليس لدينا أي شيء .. ثم حدث الزلزال ولم يحاول أي شخص مساعدتنا. برجاء لا تدعو وسائل الإعلام تخدعكم".
وعرض في المقطع المصور رسما للمجال الجوي فوق سوريا يوضح عدم هبوط أي طائرة تحمل مساعدات للناجين من الزلزال وذلك بعد يوم من الكارثة.
الشابة التي تُعرف نفسها باسم "باتريشيا" وهي طالبة من دمشق، تقول وهي تبكي إن سوريا في حاجة إلى المساعدات فيما حصد مقطعها على أكثر من 5 ملايين مشاهدة والالاف التفاعلات المتعاطفة حتى أنه انتشر على منصات أخرى مع إدراج "وسم" (هاشتاغ) StopSanctionsOnSyria# ومعناه "اوقفوا العقوبات على سوريا".
ويعد هذا المقطع مثالا لحالة الارتباك والتخبط بشأن قضية العقوبات المفروضة على سوريا ومدى تأثيرها على إيصال المساعدات بعد كارثة الزلازل وسط تساؤلات عما إذا كانت العقوبات هي حقا المسؤولة عن التأخير في إرسال المساعدات.
ويبدو أن البعض حاول تقصي الحقيقة وراء ذلك فيما قال معارضو الرئيس السوري بشار الأسد إن حكومته تحاول استغلال الكارثة.
وفي ذلك، قال باحثون في منصة "الأرشيف السوري" الخاصة بجمع فيديوهات ووثائق تؤكد وقوع جرائم حرب في سوريا، إنه كان هناك بالتأكيد زيادة في استخدام الوسوم (الهاشتاغات) المتعلقة بالعقوبات على سوريا بعد الزلزال.
وفي مقابلة مع DW، قال الناطق باسم المنصة "لكن ليس لدينا ما يؤكد هل هذه الوسوم متعمدة [وجزء من حملة ترعاها الحكومة] أم أنها عفوية ومجرد رغبة عامة في تقديم المساعدة وشهدت مشاركة الكثير من الناس، لكن من الواضح أيضا أن هذه الحملة لاقت ترحيبا من الحكومة السورية".
من جانبه، يرى أندرو تابلر، الزميل البارز والخبير في الشأن السوري في برنامج السياسة العربية بـ "معهد واشنطن"، إن هذا الجانب من التفاعلات يعد "متعمدا للغاية".
وفي مقابلة مع DW، قال "النظام (السوري) وأنصاره يستغلون الزلزال كذريعة للمطالبة برفع جميع العقوبات عن سوريا".
يأتي ذلك رغم أن إدلب في شمال سوريا والخاضعة لسيطرة المعارضة، قد دفعت الثمن الأكبر للتأخير الذي في إرسال المساعدات إلى سوريا بعد الزلزال رغم أنها ليست على قائمة العقوبات المفروضة على الحكومة السورية. وقال تابلر إن هذه "المناطق ليست خاضعة لسيطرة نظام الأسد منذ أكثر من عقد".
سياق مجتزأ
ويعد المقطع المصور الخاصة بالشابة السورية باتريشيا نوعا من سياقات مجتزأة انتشرت على منصات التواصل بعد كارثة الزلزال، فعلى سبيل المثال لم تتحدث باتريشيا عن أن النظام السوري وراء فرض عقوبات دولية على سوريا.
يشار إلى أن الولايات المتحدة ودولا أوروبية قد فرضت عقوبات على سوريا على خلفية قمع الحكومة السورية المظاهرات السلمية المناهضة لها منذ عام 2011، لكن بعد 12 عاما، تمكنت الحكومة من استعادة الجزء الكبير من مناطق البلاد التي خرجت عن سيطرتها وترغب الآن في إعادة تأهيلها والعودة إلى الساحة العالمية.
كذلك لم تذكر باتريشيا قانون الجرائم الإلكترونية، حيث أصدر الرئيس بشار الأسد في أبريل / نيسان الماضي قانونا يقضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012.
ويقول نشطاء إن قانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022 يستهدف المنتقدين، الذين ينشرون تعليقات أو مقالات على الإنترنت تعارض الرئيس السوري أو الدولة أو الدستور، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الانتقادات.
كذلك فإن الرسم البياني في المقطع وغيره من المقاطع المصورة المماثلة يعد مضللا بعض الشيء حيث أنه بسبب الصراع الدائر في سوريا، أصبح مجالها الجوي خارج نطاق معظم شركات الطيران المدني منذ عام 2015، فيما تبدو الحركة الجوية فوق سوريا كما هي كل يوم تقريبا سواء في حالة وصول المساعدات أو لا.
حقيقة العقوبات على سوريا؟
وعلى وقع هذا الأمر، سارعت العديد من الحكومات التي فرضت عقوبات على سوريا إلى القول بأن العقوبات لا تنطبق على المساعدات الإنسانية.
ففي سياق متصل، قال مفوض إدارة الأزمات بالاتحاد الأوروبي، يانيز ليناركيتش، بعد وقت قصير من وقوع الكارثة "نرفض رفضا قاطعا الاتهامات التي تزعم بأن عقوبات الاتحاد الأوروبي لها أي تأثير على المساعدات الإنسانية".
وأضاف "لا تؤثر (العقوبات) على المساعدات الإنسانية، ولا تنطبق على توصيل المواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية والإسعافات الأولية للاستجابة الأولى للزلزال":
بدورها، شددت الخارجية الألمانية على أن العقوبات لا تسري ولم تنطبق على المساعدات الإنسانية أو المعدات الثقيلة التي تستخدم في رفع الانقاض. وخلال مؤتمر صحافي، قالت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية "يتعين عدم الوقوع في فخ السرد الذي تنشره بعض الأطراف التي تحاول تعزيز مصالحها الخاصة في هذه الأوقات الصعبة للغاية. يتم استغلال الوضع الكارثي الراهن لتحقيق أهداف سياسية".
العقوبات في المناطق الرمادية
وتؤكد مثل هذه التصريحات أن العقوبات على سوريا لم ينجم عنها تأثيرات سلبية على قضية إرسال مساعدات إلى سوريا بعد الزلازل.
وقال كرم شعار، الخبير الاقتصادي والمتخصص في العقوبات المفروضة على سوريا، إن العقوبات قد تتسبب في آثار سلبية في مجال حقوق الإنسان، مضيفا "لا أجادل في هذا، لكن يتعين الحديث عن السياق والتطرق إلى كافة الجوانب".
وأشار شعار إلى أن إحدى أكبر المشكلات التي يواجهها العديد من المواطنين العاديين داخل سوريا وخارجها تتمثل في كيفية إرسال الأموال من وإلى سوريا. فعلى الرغم من أن العقوبات تهدف إلى فصل نظام الأسد عن الخدمات المصرفية الدولية، إلا أنها أيضا شكلت أزمة للسوريين العاديين.
يُشار إلى أنه في التاسع من فبراير / شباط الجاري، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إصدار "الرخصة العامة 23 الخاصة بسوريا" للمساعدة في جهود إغاثة ملايين السوريين المتضررين من الكارثة.
وقالت الوزارة إن الخطوة "ستسمح لمدة 180 يوما بجميع المعاملات المتعلقة بمساعدة ضحايا الزلزال، التي كانت محظورة" بموجب العقوبات المفروضة على سوريا.
وقالت وزارة التجارة الأمريكية هذا الأسبوع أيضا إنها ستساعد في تسريع الصادرات إلى سوريا التي يمكن أن تساعد في جهود التعافي من الزلازل مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والمعدات الطبية والمولدات المحمولة ومعدات تنقية المياه أو معدات الصرف الصحي.
من جانبها، قالت بريطانيا إنها أصدرت ترخيصين جديدين بهدف تسهيل عمل وكالات الإغاثة دون انتهاك العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكدة أن "العقوبات لا تستهدف المساعدات الإنسانية أو الغذاء أو الإمدادات الطبية لكننا ندرك أن المتطلبات الحالية لمنح تراخيص فردية ليست عملية دائما خلال الاستجابة للأزمات".
وفي ذات السياق، تجري مناقشات داخل أروقة الاتحاد الأوروبية من أجل إدخال تغييرات مؤقتة في منظومة العقوبات على سوريا.
مراقبة العقوبات
وشدد شعار و تابلر والعديد من المراقبين على ضرورة تقييم تأثير العقوبات بشكل منتظم للوقوف على الأمر بشكل دقيق.
وكتب شعار في مقال نشره المجلس الأطلسي في يناير / كانون الثاني أن "المشكلة لا تتعلق بالعقوبات كأداة سياسية ولكن في آلية تنفيذها في سوريا وفي دول أخرى ونقص الموارد المخصصة لجعلها أكثر فعالية".
وأشار تابلر إلى أن عدم وجود تقييم دقيق يمكن أن يتسبب في مشاكل حتى من تنفيذ التراخيص الجديدة التي اصدرتها الولايات المتحدة، مضيفا "نظام الأسد لديه سجل مروع في تحويل المساعدات". وأضاف "ندرك الآثار غير المقصودة التي يمكن أن تحدثها العقوبات، ونعلم أن الكثير من الناس في معاناة وفي حاجة للمساعدات، لكن الانفتاح بهذه الطريقة يسمح بارتكاب انتهاكات".
ويقترح تابلر ضرورة التحقق بعناية من الأضرار الناجمة عن الزلزال وما تحتاج البلاد في إطار جهود إعادة الإعمار وأيضا التحقق من أن تدفق الأموال إلى سوريا لا يتم استغلاله من قبل الحكومة التي قد تستخدم هذه الأموال لتمويل شن المزيد من الهجمات على المعارضة. وقال إن الدول التي تفرض عقوبات لديها وسائل تمكنها من فرض مراقبة للعقوبات، لكن الأمر يتعلق "بالإرادة السياسية".
كاثرين شاير / م ع