توسيع "قوة سيبيريا" للغاز.. هل يعزز تحالف موسكو وبكين؟
١٤ يناير ٢٠٢٢سعت روسيا إلى زيادة صادرات الغاز إلى الصين حتى قبل نشوب أزمة الطاقة بين موسكو والدول الأوروبية وقرار موسكو خفض إمدادات الغاز ، إذ يرغب الدب الروسي في تنويع أسواق الغاز مع تقليل اعتماده على السوق الأوروبي في بيع الغاز الروسي.
يأتي ذلك بالتزامن مع زيادة الطلب الصيني على الغاز وحاجتها إلى التخفيف من تداعيات أي حرب تجارية محتملة في مجال الطاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا. يضاف إلى ذلك رغبة الصين في الاعتماد على الغاز الطبيعي في إطار مساعي بكين لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060.
ويبدو أن هذا الأمر بات مترجما على أرض الواقع إذ ذكرت الإدارة العامة للجمارك الصينية أن الصين باتت أكبر مستهلك للغاز في العالم إذ تستورد قرابة 43 بالمائة من احتياجاتها من الغاز بما في ذلك 89 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال و 46 مليار متر مكعب من الغاز الذي ينقل عبر خطوط الأنابيب.
ويبلغ استهلاك الصين السنوي من الغاز أكثر من 331 مليار متر مكعب. ورغم أن هذا الرقم أقل من استهلاك أوروبا السنوي من الغاز البالغ 541 مليار متر مكعب، إلا أنه يُتوقع أن تُقدم الصين على زيادة استهلاكها من الغاز ليصل إلى 526 مليار متر مكعب بحلول 2030 بالتزامن مع خططها لتقليص الاعتماد على الفحم كأحد المصادر الرئيسية للطاقة.
كذلك قدرت شركة ماكينزي الرائدة في مجال الاستشارات أن يتضاعف الطلب الصيني على الغاز بحلول 2035 فيما نشرت شركة سينوبك الصينية بيانات في سبتمبر / أيلول جاء فيها إن استهلاك الصين السنوي من الغاز يُتوقع أن يرتفع إلى 620 مليار متر مكعب بحلول عام 2040 . وفي حالة حدوث ذلك، سوف يتجاوز الغاز النفط ويحتل مرتبة أعلى كمصدر رئيسي للوقود في الصين بحلول عام 2050، وفقا لما أشارت إليه سينوبك الرائدة في مجال الطاقة في الصين.
التوجه صوب الصين
يشار إلى أنه في عام 2014 وقع عملاق الغاز الروسي "غازبروم" اتفاقا مع مؤسسة البترول الوطنية الصينية بقيمة 400 مليار دولار لمدة 30 عاما من أجل بناء خط أنابيب "قوة سيبيريا" الذي سيمتد بطول 3000 كيلومتر في روسيا و 5000 كيلومتر في الصين. وترى آنا ميكولسكا – الباحثة في مركز دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس – أن فكرة إنشاء الخط ليست وليدة اللحظة.
وفي مقابلة مع DW، قالت "كانت روسيا تحاول فعليا بناء خط أنابيب لنقل الغاز إلى الصين منذ عقد من الزمن قبل أن تعطي الصين موافقتها عام 2014". لكن الباحثة شددت على أن توقيت الإعلان عن الاتفاق الروسي-الصيني لم يكن "عرضيا من قبيل الصدفة،بل جاء عقب العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا بعد سيطرة جماعات موالية لها على أجزاء من شرق أوكرانيا وضمها موسكو لشبه جزيرة القرم".
يشار إلى أنه تم تدشين خط "قوة سيبيريا" أواخر عام 2019 فيما يُتوقع أن يمد الصين بقرابة 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويا بمجرد تشغيله بطاقته الكاملة عام 2025. وكانت شركة غازبروم الروسية قد توقعت العام الماضي أن ينقل خط "قوة سيبيريا" 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى الصين.
ويمثل المشروع أهمية استثنائية لروسيا حيث سينقل الغاز إلى الصين مباشرة دون الحاجة إلى عبور دول أخرى كما هو الحال مع نقل الغاز الروسي إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. من جانبه، يؤكد كريس ميللر- الأستاذ المساعد للتاريخ الدولي بجامعة تافتس الأمريكية – على أن رغبة موسكو في توجيه الغاز الروسي صوب الصين تأتي مدفوعة "جزئيا بالجغرافيا والاقتصاد وجزئيا بالسياسة."
وفي مقابلة مع DW، أضاف: "تقول الصين إنها تخطط للتخلص التدريجي من الفحم وفي هذه الحالة سوف تحتاج إلى المزيد من الغاز لتعويض الفحم. كذلك تشعر بكين بالقلق جراء تداعيات الاعتماد على استيراد الغاز عن طريق البحر في حالة توقفه بسبب نشوب أزمة أو صراع".
يشار إلى أن تكلفة الاستثمارات الروسية في تطوير حقلين للغاز في شرق سيبيريا وخط أنابيب إلى شمال شرق الصين بلغت قرابة 55 مليار يورو أي ما يعادل 48 مليار دولار. ورغم زيادة التكلفة إلا أن الصين لم تقدم أي قروض، إلا أنها تعهدت بشراء قرابة 38 مليار متر مكعب سنويا من الغاز بموجب آلية تسعير متفق عليها بين الجانبين.
بيد أن روسيا طرحت لاحقا فكرة لإغراء الصين إذ عرضت أمام الاستثمار الصيني فرص للمشاركة في مشروعات المنبع إذ عرض عملاق النفط الروسي "روسنفت" للبيع حصة في حقل "فانكور" النفطي الضخم في شرق سيبيريا عام 2016. بيد أن الشركات الصينية رفضت العرض وهو ما اعتبره البعض بمثابة "صفعة في وجه روسيا". ويحمل الأمر في طياته "نذيرا" بصعوبات قد تعترض مفاوضات التسعير في المستقبل. ورغم ذلك، وافقت الصين في الوقت نفسه على أن تكون أول مشتر أجنبي لنظام الدفاع الصاروخي الروسي (إس 400.
قوة سيبيريا 2
ولم تتوقف طموحات روسيا على إنشاء خط "قوة سيبريا" بل أعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الضوء الأخضر لإنشاء خط "قوة سيبيريا 2" الذي يرمي إلى نقل الغاز من شبه جزيرة يامال في سيبيريا التي تضم أكبر احتياطيات للغاز في روسيا.وسيكون بمقدور "قوة سيبيريا 2" نقل قرابة 50 مليار متر مكعب إضافي بمعدل سنوي من الغاز الروسي الصين عبر منغوليا.
ولا يتوقف الأمر على هذا إذ سينقل هذا الخط الغاز مباشرة إلى المناطق الصينية الأكثر كثافة سكانية في شمال شرق البلاد، بيد أن المشروع لن يرى النور قبل عام 2030. وفي ذلك، شدد يوري أوشاكوف - مستشار السياسة الخارجية للرئيس الروسي – أن مشروع خط "قوة سيبيريا 2" كان محوريا في العلاقات بين روسيا والصين خاصة عقب تشكيلهما جبهة مشتركة ضد اتفاقية "أوكوس" الدفاعية الجديدة بين بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا في ديسمبر / كانون الأول الماضي.
يشار إلى أن شركة "غازبروم" الروسية سجلت شركة فرعية في منغوليا ما مهد الطريق أمام إعلانها مع حكومة منغوليا في أواخر أكتوبر / تشرين الأول التوصل إلى اتفاق بشأن مسار المشروع، فيما قال نائب رئيس الوزراء في منغوليا إن البناء سوف يبدأ في عام 2024. ولا يمثل "قوة سيبيريا 2" فقط امتدادا لخط "قوة سيبيريا" الأساسي بل كان في الأصل مسار الخط الذي كانت روسيا تأمل في تدشينه في بادئ الأمر.
وفي هذا السياق، قالت آنا ميكولسكا – الباحثة في مركز دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس- إن الصين لم تتقبل فكرة أن تكون "في كفة المراجحة بين روسيا وأوروبا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى". وأضافت "لكن في نهاية الأمر فضلت روسيا الصين لأن بكين كانت في موقف تفاوضي أقوى خاصة عقب فرض عقوبات على موسكو"، مشيرة إلى أنه رغم عدم الإعلان عن أرقام محددة، إلا أن من الواضح أن الصين قد "حصلت على مزايا أكثر فيما يتعلق بالتسعير قد يكون أقل مما كانت ألمانيا تدفعه في ذلك الوقت".
وألمحت الباحثة إلى إمكانية ألا تجنى روسيا الكثير من المكاسب جراء خط "قوة سيبيريا" على عكس ما يعتقده الكثيرون. وفي ذلك، قالت "يعتقد البعض أنه عندما يكون سعر برميل النفط أقل من 60 إلى 70 دولارا، فإن روسيا ربما في هذه الحالة لن تحقق مكاسب مالية مقابل الغاز الذي تنقله إلى الصين، لكن قد يكون الأمر مقبولا لروسيا استنادا على أن خط (قوة سيبيريا) يمكن أن يكون الخطوة الأولى التي تأمل روسيا أن تمهد الطريق أمام خط (قوة سيبيريا 2)". بيد أن الباحثة قالت إنها لا تعتقد أن "الصين قد التزمت بأي شيء حيال خط (قوة سيبيريا 2) حتى الآن ".
"طريق الحرير القطبي"
ومن أجل وصول الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى الصين، يتعين أن يمر عبر مضيق ملقا الذي يصل المحيط الهندي بالهادئ ويعد من أزحم الممرات المائية في العالم ويمر عبره حوالي 60 في المئة من التجارة العالمية.
بيد أن التوترات الأخيرة بين الصين واستراليا والولايات المتحدة وهما من أكبر مصدري الغاز في العالم قد تجعل الغاز الروسي أكثر جاذبية لبكين. بالإضافة إلى ذلك، ترغب روسيا في ضخ المزيد من الغاز الطبيعي المسال عبر طريق القطب الشمالي حيث عمدت على زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي في منشأة "يامال" التي تزود أوروبا وآسيا بالغاز الطبيعي المسال عبر ممرات القطب الشمالي.
ويتزامن هذا مع سعي الصين إلى تطوير "طريق الحرير القطبية" عبر قنوات الشحن في القطب الشمالي التي قد تختصر الفترة الزمنية لنقل البضائع إلى أوروبا بمعدل 20 يوما مقارنة بقناة السويس.
ورغم العقوبات الأمريكية والأوروبية، أكملت شركة الغاز الروسية نوفاتيك بناء منشأة "يامال" بفضل تمويل صيني وهو الأمر الذي أسفر عن امتلاك الشركات الصينية حصة تجاوزت 20 بالمائة في المشروع.
العلاقات الروسية-الصينية؟
ورغم حالة التناغم بين الصين وروسيا حيال قضايا الغاز والتجارة، إلا أن الدبلوماسي الأوروبي ألبريشت روتاشر يرى عدم تطابق "طموحات واحتياجات الطاقة بين البلدين".
وفي مقابلة مع DW، عزا روتاشر – وهو متخصص في شؤون منطقة شرق آسيا- ذلك بقوله إن "الغاز يحتاج إلى إنشاء خطوط أنابيب وأيضا التعهد بالتزامات طويلة الأجل، ولم تحقق الصين وروسيا تقدما في حل هذه الإشكالية".
وأضاف "يتمتع الجانب الصيني بشراسة في المفاوضات وسوف تكون الغلبة للصينيين سواء فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والديموغرافية وهو مفهوم ترفضه روسيا".
وأشار إلى أن هذا الأمر يختلف عند التعامل مع البلدان الأوروبية، مضيفا "يمكن للروس تخفيف الضغوط أو زيادة وتيرتها مع أوروبا عبر خطوط الغاز والروس بارعون في ذلك."
واتفقت في هذا الرأي آنا ميكولسكا – الباحثة في مركز دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس. وأضافت بأن "الصين كانت من البداية في موقع القوة حيث وضعت شروطها. وفي المقابل، روسيا لم تتقبل ذلك، لكنها وجب عليها المضي قدما في الأمر من أجل البقاء".
كذلك نوه روتاشر إلى وجود خلافات بين الصين وروسيا حيال القضايا المتعلقة بخط "قوة سيبيريا" ما قد يمثل عقبة رئيسة في إنجاح المشروع. وفي ذلك، أوضح بأنه "لم تحقق الخطط طويلة الأمد الحالية لتدشين خطوط أنابيب من سيبيريا إلى الصين أي نجاح بسبب الخلافات بين الصين وروسيا حيال التمويل وأيضا السيطرة والتحكم في الموارد".
وذهب الدبلوماسي الأوروبي إلى القول بأن هذا الأمر سوف يصب في صالح البلدان الأوروبية، مضيفا "في نهاية المطاف، سيكون هذا مشجعا بالنسبة لأوروبا".
جو هاربر / م ع