هل يمكن للصين والولايات المتحدة إنهاء حرب أوكرانيا؟
٢٩ مارس ٢٠٢٣ربما يكون الرئيس الصيني شي جينبينغ (جين بينغ) ، الذي يقدم نفسه صديقا لفلاديمير بوتين، هو الشخص الوحيد في العالم، الذي له تأثير حقيقي على الرئيس الروسي. ومذكرة التوقيف بحق بوتين، الصادرة من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لم تمنع شي من القيام بزيارة له في موسكو.
وينبع نفوذ الصين في موسكو من قرارات دبلوماسية وتبعية اقتصادية: فالصين، ثاني أهم اقتصاد في العالم، لم تدن الغزو الروسي لأوكرانيا حتى يومنا هذا. وبينما يفرض الغرب عقوبات أكثر صرامة على روسيا، فإن الصين تفعل العكس، وتوسع التجارة مع موسكو.
كسر هيمنة الغرب كهدف مشترك
"في الواقع، فإن الحرب العدوانية الروسية الوحشية ليست في مصلحة الصين، فالحرب تعطل التعافي الاقتصادي الصيني بعد ثلاث سنوات من (سياسة) صفر كوفيد"، يقول هينينغ هوف، المدير التنفيذي للنسخة الإنجليزية من مجلة "السياسة الدولية" لـ DW.
ويضيف هوف قائلا: "بالنظر إلى مسار الحرب، فإن بكين مهددة بأن تكون في الجانب الخاسر. لكن الصين تحاول جني فوائدها الاقتصادية من الحرب وعواقبها". على سبيل المثال من خلال شراء النفط والغاز من روسيا بسعر أرخص.
وفي المقابل، قد تزيد الصين من صادراتها إلى روسيا في وقت أصبحت فيه العلاقات التجارية مع الغرب أكثر صعوبة. وتشتبه الولايات المتحدة في أنه بين الصادرات أيضا معدات تقنية مدنية يمكن استخدامها عسكريًا.
ونتيجة لكل ذلك، أصبحت روسيا تعتمد بشكل متزايد على الصين. لذلك، فإن بكين لها تأثير على موسكو لا تتمتع به أي جهة أخرى. ويمكن أن يقنع شي بوتين بالتفاوض لإنهاء الحرب إذا أراد ذلك. لكن حتى الآن، لم يظهر شي للرئيس الروسي إلا خطًا أحمر واحدا بشأن نقطة واحدة فقط هي: استخدام الأسلحة النووية مسألة ليست مطروحة للنقاش بالنسبة للصين.
لكن هناك مصلحة صينية عليا أكبر من الحرب: الصين بحاجة إلى روسيا كشريك من أجل فرض نظام عالمي بدون هيمنة غربية. لذلك، من وجهة النظر الصينية، يجب ألا تخسر روسيا الحرب. وسيكون أيضًا أمرا سيئا بالنسبة إلى شي إذا فشل نظام بوتين، لأن ذلك سيكون بمثابة انتكاسة لنموذج الحكم الاستبدادي الذي يكرس له أيضًا.
التبعية الروسية من مصلحة الصين
خارجيًا، تحاول الصين أن تعمل كوسيط سلام في حرب أوكرانيا. ومع ذلك، فإن خطة السلام التي قدمها ممثل الحكومة الصينية في مؤتمر ميونيخ للأمن في شباط/ فبراير لم تقبل بها الحكومات الغربية، لأنها كانت غامضة للغاية وخلت من الدعوة إلى انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، وهي مسألة حتمية لكييف والغرب.
صاحبت زيارة شي إلى موسكو الكثير من خطابات السلام في وسائل الإعلام الصينية، رغم أن شي لم يذكر الحرب هناك علانية. وبدا أن بوتين يشارك في اللعبة بعض الشيء، عندما كتب في مقال لصحيفة "الشعب اليومية" الصينية قبل وقت قصير من الزيارة: "روسيا منفتحة على تسوية الأزمة الأوكرانية بالوسائل السياسية والدبلوماسية".
رغم ذلك، أصر بوتين في مقاله على أن كييف يجب أن تعترف "بالحقائق الجيوسياسية الجديدة" مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 وأربع مناطق أوكرانية العام الماضي. وعلى كل، فالمقال لم يردد فيه مزاعمه بأن أوكرانيا ليست دولة حقيقية وأنها تحكم من قبل نازيين وضرورة ضمها إلى روسيا.
فما الذي يمكن أن نتوقعه من الصين عموما عند البحث عن السلام؟ ليس هناك الكثير في الوقت الحالي، حسب اعتقاد فولفغانغ إيشينغر، الرئيس السابق لمؤتمر ميونيخ للأمن. وفي مقابلة مع DW قبل أيام قليلة، قال إيشينغر: "بسبب الأجواء المتوترة الحالية بين الولايات المتحدة والصين، ليس لدى الأخيرة حاليًا حافز يذكر لتقليل قربها من روسيا".
وإذا استمرت الحرب وتعرضت روسيا لمزيد من الضعف عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، فستصبح روسيا أكثر اعتمادًا على الصين، بحسب إيشينغر الذي يضيف: "من منظور صيني، قد لا يكون هذا تطوراً سيئاً على الإطلاق".
تزايد المخاوف من الحرب في ألمانيا
الضغط من أجل البحث عن سلام بين روسيا وأوكرانيا لا يأتي حاليًا من الصين ولا حتى من قبل طرفي الحرب نفسيهما، ويبدو أن كل طرف منهما لا يزال يعتقد أنه سينتصر عسكريا بشكل حاسم.
ويأتي الضغط بشكل أكبر من دول داعمة لأوكرانيا في الغرب، يعاني سكانها من الآثار الاقتصادية للحرب بشكل واضح، مثل نقص الطاقة والتضخم والميزانيات العامة المتوترة. وهو يدفع بتلك الدول إلى تقليص ميزانياتها للأمور الأخرى.
الخوف من الحرب يتزايد أيضًا في ألمانيا. ففي استطلاع للرأي نشر قبل أيام قليلة بواسطة شركة التأمين " R+V-Versicherung "، تخشى الغالبية العظمى، نحو 63٪، من عدم إمكانية الدفاع عن ألمانيا. و55٪ من الذين شملهم الاستطلاع قلقون من أن ألمانيا سوف تنجر إلى حرب، بزيادة قدرها 13 نقطة مقارنة بعام 2022.
التزام بايدن تجاه أوكرانيا محفوف بمخاطر سياسية
وفي الولايات المتحدة، الداعم الأكثر أهمية لأوكرانيا إلى حد بعيد، تتضاءل الرغبة في مواصلة مساعدة الدولة الأوروبية بسخاء عندما يكون هناك احتمال ضئيل للسلام، سواء بين السكان عمومًا وبين الجمهوريين في الكونغرس. وهذا يجعل الأمر محفوفًا بالمخاطر على المدى الطويل بالنسبة للرئيس جو بايدن، الذي تعهد مؤخرًا في كييف بتقديم الدعم لأوكرانيا "مادام كان ذلك ضروريًا".
وكتب ستيفن والت في مجلة "فورين بوليسي" (السياسة الخارجية) أن بايدن ربط مصيره السياسي بنتيجة الحرب. "بالحكم على ما وعد به، فإن أي شيء أقل من نصر كامل سيبدو مثل الفشل".
وإذا دعمت الصين روسيا أكثر، فقد يضطر بايدن إلى فرض المزيد من العقوبات عليها، الأمر الذي يهدد بدوره تعافي الاقتصاد الأمريكي. ويواصل والت كتابته، بأن المنافسين الجمهوريين المحتملين للرئاسة سوف "يشعرون بالارتياح" ويأملون في تحقيق فوز في عام 2024.
ويبدو أن إرهاق الحرب في الولايات المتحدة له تأثير بالفعل على إدارة بايدن: عندما سئل من قبل عضو جمهوري في الكونغرس، ألمح وزير الخارجية أنتوني بلينكين لأول مرة إلى أن أوكرانيا قد لا تكون قادرة على استرداد كل الأراضي التي تحتلها روسيا. وكان ذلك بمثابة كسر للمحرمات.
فكرة مبادرة سلام أمريكية صينية مصدرها أوروبا
بالنسبة لكل من واشنطن وبكين، فإن حرب أوكرانيا هي في النهاية مجرد جزء من صراع أكبر بينهما وبين نظامين، أحدهما ديمقراطي والآخر استبدادي. وفي هذه المواجهة المتنامية، كما يقول هينينغ هوف، "سيتعين على ألمانيا وأوروبا أخذ موقف بقوة أكبر والسعي إلى توحيد الصفوف مع الأمريكيين بشأن قضايا أكثر من ذي قبل".
والنتيجة الأخرى لهذه المواجهة بالنسبة لأوروبا هي "المساهمة الأوروبية الأكبر والضرورية فيما يتعلق بالأمن العسكري، حتى يتمكن الأمريكيون أيضًا من التركيز بشكل أكبر على المحيطين الهندي والهادئ".
بصفتها الداعم الرئيسي تتمتع الولايات المتحدة بأكبر قدر من النفوذ لدى أوكرانيا، وللصين التأثير الأكبر، إن لم يكن الوحيد، على الكرملين. وفي قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، كان كزافيه بيتيل، رئيس وزراء لوكسمبورغ، تلك الدولة الصغيرة، هو الذي دعا جو بايدن للتفاوض بشأن خطة سلام مع شي جين بينغ بشأن أوكرانيا. وقال بيتيل إن الدول الأخرى ستقبل ذلك.
ربما يكون هذا ما تفضله العديد من دول الاتحاد الأوروبي: أن يحل اللاعبان الكبيران في السياسة العالمية مشكلة أوكرانيا وروسيا فيما بينهما- وبالتالي يحلان مشكلة بالنسبة للأوروبيين أيضا.
كريستوف هاسلباخ/ ص.ش