هل ينجح وزير الزراعة الألماني في محاربة "اللحوم الرخيصة"؟
٣٠ ديسمبر ٢٠٢١يعرف وزير الزراعة الجديد في ألمانيا جيم أوزدمير كيفية التحدث بشكل جيد وصياغة أنسب العبارات وأفصحها، وتجلى ذلك وهو يعلن حربا على اللحوم الرخيصة واللحوم سريعة التحضير إذ قال "أحيانا أشعر أننا نولي اهتماما بزيوت المحركات أكثر من زيوت الطعام".
وشدد الوزير – وهو سياسي مخضرم من حزب الخضر- في مقابلة، مع الصحيفة الأسبوعية "بيلد أم زونتاغ" واسعة الانتشار، الأسبوع الماضي على أن النظام الغذائي في ألمانيا أصبح غير صحي، خاصة وأن أكثر من 50 في المائة من البالغين والشباب يعانون من السمنة وزيادة الوزن.
وألقى الوزير باللائمة في هذا الأمر على المنتجات والمواد الغذائية سريعة التحضير، التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر والدهون والملح، مضيفا "سعت الحكومة السابقة على مدار فترات طويلة في إقناع القائمين على هذه الصناعة بتقليل مثل هذه المكونات بشكل تطوعي". وشدد "لقد ولى هذا النهج، مع وجودي في منصب وزير الزراعة، ستكون هناك ضوابط ملزمة لتقليل هذه المكونات".
وأكد جيم أوزدمير أن جودة وأسعار المواد الغذائية بشكل عام في ألمانيا باتت منخفضة للغاية، مضيفا "يجب ألا تكون هناك أسعار رخيصة جدا إذ إنها تكبد المزارعين خسائر وتضر بنظام الرفق بالحيوان وتلحق الضرر بالبيئة..أنا أرغب في تغير كل ذلك إذ يتعين أن يعكس سعر الغذاء الحقيقة البيئية".
يشار إلى أن الحكومة الجديدة قد حددت هدفا يتمثل في زيادة نسبة مساحات الأراضي المزروعة عضويا في ألمانيا من 10٪ في الوقت الحالي إلى 30٪ بحلول عام 2030.
وأثارت خطط وزير الزراعة على الفور انتقادات من قبل الاتحاد المسيحي المحافظ، الذي يتزعم المعارضة حاليا، إذ سارع رئيس وزراء ولاية بافاريا ماركوس زودر (الحزب البافاري) إلى القول بأن "الحكومة الجديدة ليس منوطا بها أن تملي على المجتمع ما يجب أن يأكله أو مقدار ما يجب أن يأكله".
أما بالنسبة لكريستوف مينهوف، رئيس جمعية المواد الغذائية بألمانيا، وهي عبارة عن اتحاد صناعي يمثل عدة مئات من شركات المواد الغذائية، فإن تصريحات الوزير أوزدمير لا تحمل أي شيء جديد. ففي مقابلة مع DW، قال مينهوف إن أوزدمير "يدُقّ بقوة على أبواب كلها مفتوحة فعليا"، مضيفا "في نهاية المطاف، ما يهم أي شركة هو أن تبيع منتجات تجد من يشتريها وليس سلعا تبقى على الأرفف".
تكلفة اللحوم
وأكد كريستوف مينهوف أن صناعة المواد الغذائية في ألمانيا تعمل على جعل المنتجات مستدامة وصديقة للبيئة مثلها مثل باقي الصناعات في البلاد، مضيفا "لا أحد يريد إنتاج المزيد من اللحوم من حيوانات تعرضت للتعذيب".
وسلط مينهوف الضوء على إشكالية تتمثل في التكلفة، مؤكدا "كل هذه الأهداف تم طرحها و صياغتها من قبل، بيد أن المشكلة تتعلق فقط بأنها تعني دفع الكثير من الأموال ما يثير سؤالا رئيسيا مفاده: من سيدفع الثمن؟"
ويبدو أن الرغبة في القضاء على اللحوم الرخيصة في ألمانيا ليست بالجديدة؛ إذ أعلنت لجنة حكومية خاصة في يوليو / تموز الماضي عن أهداف مماثلة لما أعلن عنه وزير الزراعة الجديد خاصة ما يتعلق بتقليل استهلاك اللحوم وزيادة إجراءات حماية المناخ.
وخلصت اللجنة التي كانت تتألف من منظمات مدافعة عن البيئة وجمعيات خاصة بالمزارعين إلى أن تكلفة كيلوغرام من اللحم البقري يجب أن تصل إلى خمسة أو ستة أضعاف الأسعار الحالية أي أكثر من 80 يورو للكيلو بدلا من السعر الحالي الذي يصل إلى 13 يورو.
وقالت اللجنة إن هذا الفارق ضروري من أجل موازنة التكاليف جراء التلوث وفقدان التنوع البيولوجي، التي تصل إلى قرابة 90 مليون يورو سنويا، مضيفة أن الأمر سيؤثر على أسعار منتجات الألبان لتصل إلى ضعفين أو أربعة أضعاف السعر الحالي.
وأوصت اللجنة بضخ استثمارات ما بين 7-11 مليار يورو سنويا لتمويل تحويل الصناعات الزراعية إلى صناعات تحمي البيئة.
نفس الأهداف، ولكن؟
ووسط حالة الجدل والنقاشات على وسائل الإعلام، يبدو أن المزارعين والمدافعين عن البيئة ليسوا بعيدين عن الموضوع، فقد أدلوا بدلوهم في هذه القضية؛ إذ يرغب المزارعون في زيادة أسعار منتجاتهم فيما رحب رئيس رابطة "المزارعين الأحرار" المستقلة بتصريحات وزير الزراعة الجديد.
وفي مقابلة مع DW، قال راينهارد يونغ "إذا تفحص وسأل المستهلك هل الأطعمة والمواد الغذائية تم إنتاجها بطريقة مستدامة؟ فإن هذا لن يؤدي فقط إلى زيادة الوعي في هذا الصدد وإنما أيضا زيادة مقدار الأموال التي يمكن للمزارعين كسبها".
بيد أن يونغ يرى أنه من غير الضروري ارتفاع أسعار المواد الغذائية كي يحصل المزارعون على المقابل المادي بشكل عادل، مضيفا "إذا نجحنا في الحصول على القليل من المال من المتاجر والمجازر ومصانع الألبان الكبيرة وتوجيهها للمنتجين، ففي هذه الحالة لن يضطر المستهلك إلى دفع الكثير".
وأشار يونغ إلى أن رابطة "المزارعين الأحرار" لديها ثلاثة أفكار رئيسية يمكن أن يستفيد منها أوزدمير بداية من وضع اسم المنشأ أو المصنع على جميع الأطعمة بحيث يمكن للمستهلكين التعرف على الأطعمة المنتجة محليا بسهولة أكبر.
وأضاف أن الطرح الثاني يشمل إيجاد علاقة عادلة بين المزارعين وسلاسل التوريد تتضمن معرفة المزارعين مكاسبهم مسبقا إذ إن القاعدة في الوقت الحالي تقوم على أن الشركات الزراعية الكبرى تدفع للمزارعين المقابل المادي لمنتجاتهم لاحقا بناء على قوى العرض والطلب في السوق.
وشدد على أن هذا الأمر غير عادل خاصة في مجال منتجات الألبان، حيث يتعرض المزارعون للاستغلال من قبل الوسطاء.
أما الطرح الثالث – وفقا ليونغ- فينطوي على تمرير قانون أطلق عليه اسم "قانون الفصل أو التفكيك" بمعنى القضاء على عمليات الاحتكار من قبل الشركات الصناعية الكبرى.
ويؤكد يونغ على أن هذا القانون من شأنه أن يؤدي إلى خفض الأسعار من خلال تعزيز التنافسية وأيضا السماح "للمزارعين بلعب دور نشط في السوق والتنافسية".
بيد أن اللافت هو أن اتفاقية تشكيل الحكومة الجديدة في ألمانيا تشمل بعض هذه الأطروحات، التي ذكرها يونغ خاصة ما يتعلق بـ "اسم المنشأ"، فيما ترغب الحكومة أيضا في تطوير نظام يسمح بتعويض الشركات الزراعية عن تكاليف التشغيل وأيضا تعزيز الاستثمارات في الزراعة.
واقع السوق؟
بيد أن اتحاد المزارعين الألمان الذي يعد مجموعة ضغط (لوبي) ذات نفوذ كبير، يلقى بظلال من الشكوك حيال أهداف قانون كسر الاحتكار.
وفي ذلك، قال أودو هيمرلنغ - نائب الأمين العام للاتحاد – في مقابلة مع DW "بالطبع يتعرض المزارعون لضغوط كبيرة لأن تجار التجزئة يساومون بشأن الأسعار بشكل كبير".
وأضاف "لكن تشريع (التفكيك) ليس سوى خيار نظري إذ إن هناك أمثلة قليلة جدا على مستوى العالم، التي نجحت فيها الهيئات المعنية بحماية المنافسة في تفكيك الشركات الكبرى".
وإزاء ذلك، يقدم هيمرلنغ اقتراحات ومطالب يراها "أكثر واقعية" إذ يقترح تقديم "مكافأة حكومية للمزارعين الذين يرفقون بالحيوانات وأيضا يحافظون على البيئة". ويقول إنه يرى أن مثل هذا المقترح لا مفر منه في ضوء أهداف وزير الزراعة أوزدمير، بيد أن هذا الأمر يصعب تحقيقه خاصة أن الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) – أحد المكونات الرئيسية في الحكومة الجديدة - أشار إلى استبعاد أي زيادات ضريبية وعمليات اقتراض جديدة.
وفي ظل كل هذه المعطيات تحمل قضية "اللحوم الرخيصة" في طياتها بعدا اجتماعيا يتمثل في أن حكومة يسار الوسط برئاسة المستشار أولاف شولتس الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي لا يمكنها أن تتجاهل تبعات ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ إذ سيؤدي الأمر في نهاية المطاف إلى زيادة في تكلفة المعيشة، ما سيثقل كاهل الطبقة ذات الدخل المنخفض في ألمانيا، خاصة أن قرابة 3.8 مليون شخص في ألمانيا يعتمدون على إعانات حكومية.
وعلى وقع هذا الأمر، تطالب منظمات خاصة بالرعاية الاجتماعية، مثل "الجمعية الألمانية للمساواة في الرخاء"، بحصول الفئات الأقل ثراء على أموال للتعويض عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
بنيامين نايت/ م ع