وثيقة الوفاق الوطني تنبئ بتغيير وجه المشهد السياسي الفلسطيني
٦ يونيو ٢٠٠٦قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم الثلاثاء تمديد المهلة لحكومة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حتى نهاية الأسبوع للموافقة على وثيقة مقترحة لقيام دولة فلسطينية تعترف ضمنيا بإسرائيل. جاء ذلك بعد أن كان عباس قد هدد بطرح هذه الوثيقة التي ترفضها حماس للاستفتاء الشعبي. وقال ياسر عبد ربه، المسئول الفلسطيني المقرب من عباس، أن زعماء عرب ناشدوا عباس إعطاء حماس المزيد من الوقت بعد انتهاء المهلة اليوم. يذكر أن عباس كان قد أعطى حماس مهلة حتى اليوم الثلاثاء لقبول الوثيقة. وأعلن مكتب الرئيس الفلسطيني الليلة الماضية انه سيدعو إلى إجراء الإستفتاء بعد أن تعثرت محادثات الفرصة الأخيرة مع حماس.
وثيقة وفاق أم بداية انشقاق؟
يبدو أن وثيقة الوفاق الوطني هذه قد تعمل على خلط الأوراق على مختلف المستويات. فهي قد تطيح بحركة حماس إذا وافق عليها الشعب الفلسطيني، إذ يرى بعض المحللين أن تمرير الاستفتاء قد يمكن عباس من إقالة الحكومة ليرفع العقوبات المفروضة على السلطة الفلسطينية ويفسح له الطريق للتفاوض مع إسرائيل بشأن خطته. لكن قد ينقلب السحر على الساحر وتصيح هذه الوثيقة برئيس السلطة الفلسطينية نفسه، إذا ما رفضها الشعب الفلسطيني في الاستفتاء الذي سيكون حينها بمثابة استفتاء ضد عباس وحركة فتح وضد سياسة التفاوض التي ينتهجها مع إسرائيل. وقد تطلب الحكومة من عباس التنحي وتدعوه إلى إجراء انتخابات رئاسية جديدة، وذلك على الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر تأييد غالبية الفلسطينيين للوثيقة. ويذهب المتشائمون من المستقبل إلى أكثر من ذلك باعتقادهم بان الوضع مرشح لمواجهة فلسطينية ـ فلسطينية لا تحمد عقباها. وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي الفلسطيني باسم الزبيدي إننا " نقترب من أيام مأسوية". يشار هنا إلى أن الصراع الحالي بين منظمة فتح وحركة حماس كثيرا ما يوصف بأنه صراع على سلطة افتراضية غير موجودة على ارض الواقع في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
فرص عملية السلام على ضوء الوثيقة
وحتى في حالة الموافقة الشعبية على الوثيقة فإن ذلك لن يعني الكثير بالنسبة لعملية السلام، كما يرى المراقبون. فالوثيقة تحمل في طياتها أسبابا كافية لعدم التفاؤل. ولعل أهم سببين لعدم التفاؤل هما: أن الوثيقة مبنية على مبدأ قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وعلى أساس حدود عام 1967م. كما أنها تؤكد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في إسرائيل. لكن من المعروف أن الحكومة الإسرائيلية ترفض حتى الآن إخلاء جميع المستوطنات من قطاع عزة والاعتراف بدولة فلسطينية على أراضي 1967م. بل إن بعض المسئولين الإسرائيليين يؤكدون علنا بان "منطقة مابين البحر المتوسط ونهر الأردن لا تتسع لدولتين"، حسب تعبير رئيس الأمن القومي الإسرائيلي في مقابلة مع صحيفة "ها آرتس". أما بالنسبة لحق العودة للاجئين الذي شكل حجر عثرة أمام المفاوضات خلال السنوات السابقة، فإن جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وجميع الأحزاب الإسرائيلية ترفض مطلقا التفاوض على عودة اللاجئين، بينما تتمسك السلطة والفصائل الفلسطينية بهذا الحق وتعتبره خطا احمر لا يمكن تجاوزه من منظور فلسطيني. أما السبب الثالث لعدم التفاؤل حيال هذه الوثيقة هو أن إسرائيل ليست طرفا في هذه الوثيقة وليست ملزمة بأي شكل من الأشكال بما قد يترتب على إقرار هذه الوثيقة من عدمه.
ويوحي التأكيد على العودة إلى المفاوضات على أرضية اتفاق أوسلو، كما تنص الوثيقة، يوحي وكأن وصول حركة حماس إلى السلطة هو الذي عطل هذه المفاوضات مع أن الواقع يقول أنها كانت أصلا متعثرة. ويعتقد بعض المراقبين أن وصول حركة حماس إلى السلطة وكذا تصلبها في المواقف إنما هو بمثابة الشماعة التي تعلق عليها كل من الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية تعثرهما في المفاوضات كما أن ذلك وفر لكلا الطرفين مبررا للتملص من استحقاقات عملية السلام.
خيارات حكومة حماس
ومع أن حماس تعتقد أنها قد قدمت أقصى ما تستطيع الذهاب إليه بعرض هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل مقابل أن تنسحب هذه الأخيرة من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. لكن هذا العرض لا يصل إلى الحد المطلوب من جانب إسرائيل والدول الغربية التي تطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل والقبول بحق وجودها إلى جانب دولة فلسطينية. لكن المراقبين يتساءلون أين هي هذه الدول الفلسطينية أصلا؟ ومن يعترف بحق من؟ ولو افترضنا جدلا أن حماس اعترفت باتفاقية اوسلو بما ينطوي على ذلك من اعتراف بدولة إسرائيل، فان السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستحصل حكومة حماس على أكثر مما حصلت عليه حركة فتح التي وقعت على هذه الاتفاقية؟ قد تكون عودة المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني هي المكافأة الوحيدة، هذا بالطبع إن لم تطرح مطالب دولية وإسرائيلية أخرى على الحركة التي تجد نفسها حاليا بين مطرقة التمسك بما تسمية الثوابت الوطنية والعقائدية وسندان الحصار الداخلي والدولي. ومن هذا المنطلق يبدو أن عليها أن تستعد لعد أيامها الأخيرة عاجلا أو أجلا، لاسيما في ظل المعانات الحياتية اليومية للشعب الفلسطيني في ظل الحصار.