وجهة نظر: الألمان يشعرون بحيرة وعدم أمان
١ فبراير ٢٠١٦الألمان هم ربما رومانسيون، لكنهم في كل الأحوال يبقون غير مطمئنين، بل هم في حيرة. القلق ينتابهم، لأنهم لا يعرفون كيف سيتعاملون مع مليون لاجئ. في البداية كانوا على استعداد مذهل لتقديم المساعدة، والآن يظهر الغضب والرفض ليصبح الجدل السياسي والاجتماعي مفعما بمشاعر الكراهية، وقلما يكون عقلانيا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن إيواء مليون من البشر في ألمانيا وتزويدهم بما يحتاجونه وإدماجهم على المدى البعيد، هذا السؤال لا يلقى حتى محاولة الإجابة عليه. فالشخص الذي يوافق على استقبال لاجئين يُنعت بأنه ساذج أو غارق في الأحلام. ومن يعارض إيواء لاجئين يُعتبر فورا يمينيا متطرفا أو نازيا. فالجدل السياسي خرج عن سكته. بل أدهى من ذلك هو أنه في كل يوم تقريبا تحدث اعتداءات ضد مراكز إيواء اللاجئين، وقد تجاوز عددها ألف حالة. عدد مخيف.
الوضع تغير منذ احتفالات رأس السنة الجديدة
ولا أحد يتحدث من بين اللاجئين، منذ أن قام حشد ـ غالبيتهم من شمال إفريقيا ـ بسرقة نساء في كولونيا في ليلة رأس السنة الميلادية والتحرش بهن جنسيا، بل في إحدى الحالات اغتصابهن. وهنا فشلت الشرطة فشلا ذريعا، لأنها لم تتمكن من حماية كرامة النساء. كما أنها لم تقدر على حماية كاتيدرائية كولونيا التي تم قذفها طوال ساعات بمفرقعات وبألعاب نارية. ولم تتمكن من فرض احترام إحدى أجمل دور العبادة في أوروبا وأيضا القداس الذي كان يُقام هناك. الاحترام والتقدير الذي يُنتظر في الواقع من كل لاجئ في العالم. منذ تلك اللحظة اهتزت ثقة الألمان بأنفسهم وباللاجئين أيضا.
ومنذ تلك اللحظة يزداد الانتقاد بقوة للمستشارة أنغيلا ميركل. فهي عملت على فتح الحدود ـ وذلك مبرر إنسانيا ومدعوم بغالبية الألمان ـ عندما تبين أن اللاجئين قد تقطعت بهم السبل في المجر. ولم يكن لها أي تصور لمواجهة المهام الأخرى. والتدفق لم ينقطع، فيما اكتفت ميركل بتكرار أنه يجب تأمين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وحمايتها وتوزيع اللاجئين على المستوى الأوروبي والدفاع عن مجال شنغن المفتوح في أوروبا ومكافحة أسباب الهجرة والتعاون مع تركيا. في جملة واحدة: إيجاد حل أوروبي عقلاني وأخلاقي. والإشكالية هي أن هذا الحل لا يوجد إلى يومنا هذا. والدعم لميركل يتقلص في ألمانيا وداخل حزبها مثل الثلج في فصل الربيع. أنغيلا ميركل وحيدة في الساحة السياسية. وهنا يمكن لرئيسة حكومة أن تتألق إلى شخصية تاريخية، ورغم ذلك قد تنهار أيضا.
لا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور
هذا الوضع له تأثيران سياسيان غير مريحين: فأوروبا منقسمة أكثر من ذي قبل أو متحدة أكثر من ذي قبل ضد ألمانيا وميركل. وحتى في ألمانيا تنمو قوة يمينية متطرفة على الهامش إلى فاعل سياسي. وهذا يمكن أن يتلاشى إذا تم تجاوز أزمة اللاجئين. لكن قدرة الاتحاد الأوروبي على تحمل العبء وتماسكه الداخلي وصلا إلى هامش الانكسار والنتيجة غير معروفة. ويتساءل البعض الآن: هل كان الاتحاد الأوروبي فكرة تجميلية؟ في كل الأحوال نشهد طفرة للأنانية الوطنية أو الاستعداد للتحرك المنفرد الوطني. ميركل قدمت ثمنا باهظا لعملها الإنساني. وهذا الثمن سيرتفع إذا ما تبين أن فكرة إنجاز اندماج سريع كانت وهماً فقط، وإذا ما تشكلت مجتمعات موازية،وإذا ما حدث صدام للثقافات ـ في هذه الحال مع الإسلام وتقاليد العالم الإسلامي ـ بشكل قوي لا يريده أحد. وهذا ما يخشاه الكثير من الألمان ويجعل النقاش السياسي حادا وعنيفا. وهذا يثير قلقهم، لأنه غالبا ما تنقصهم القوة للتحليل الدقيق والعقلاني والعمل الرزين. وكما ذكرنا آنفا: الألمان غالبا ما يكونون رومانسيين.