وجهة نظر: الانتخابات الإسرائيلية.. فائزون كثر وخاسرون أكثر!
١٠ أبريل ٢٠١٩
إذا لم يكن كل ذلك خادعا، فإن رئيس حكومة إسرائيل المقبل سيكون مجددا بنيامين نتانياهو. والنتيجة جد متقاربة، لكن غالبية من الإسرائيليين صوتت لصالح التحالف من القوى القومية اليمينية والقوى الدينية المحافظة المتشددة. "بيبي" استفاد لاسيما من هدايا الحملة الانتخابية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: نقل السفارة الأمريكية إلى "عاصمة إسرائيل الموحدة" القدس والاعتراف بمرتفعات الجولان المستولى عليها في 1981 كأرض إسرائيلية بالرغم من أنها من ناحية القانون الدولي جزء من سوريا.
وكخطوة قادمة قد يُمضي نتانياهو في اتجاه ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، إذا ما سانده ترامب في هذا الأمر. وسبق أن أعلن نتانياهو أنه ينوي المضي في هذه الخطوة. ولا يخشى في ذلك مقاومة كبيرة من إسرائيل، لأن الانتخابات بينت بوضوح أنه بالنظر إلى التهديدات الجدية من المنطقة ـ لاسيما من إيران وقطاع غزة المجاور ـ يراهن مواطنو إسرائيل في غالبيتهم على الأمن وليس على المفاوضات أو الحوار. والقوى القليلة التي ماتزال تؤمن بتوازن عادل مع الفلسطينيين لم تعد تلعب أي دور من الناحية السياسية.
هل أيام نتانياهو باتت "معدودة"؟
المعسكر اليميني القومي يمكن أن يشعر بأنه الفائز بالانتخابات حتى عندما يتعثر نتانياهو سياسيا في الأسابيع المقبلة بسبب التحقيقات المعلنة ضده بسبب الفساد. وقد تكون أيام نتانياهو رغم النجاح الانتخابي "معدودة"، كما يكشف عن ذلك بعض المعلقين. وصحيح أيضا أنه لا المنافس الكبير لنتانياهو في هذه الانتخابات، رئيس الأركان السابق بني غانتس ولا سياسيون بارزون إسرائيليون آخرون سيتبعون حاليا بصفة جذرية نهجا آخر تجاه الفلسطينيين والجيران العرب أو الجرأة على إعادة هدايا الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي. فلا يوجد حاليا في إسرائيل غالبية لذلك.
وفائز كبير في هذه الانتخابات هو في الحقيقة الديمقراطية الإسرائيلية. فكيف ما هو ملفت الانقسام في المشهد الحزبي وأيضا النزاعات الداخلية الكثيرة للمجتمع الإسرائيلي، فإنه يجب الوقوف على أن إسرائيل ـ ربما باستثناء تونس ـ هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة التي لا تقع نتائجها الانتخابية تحت شبهة التزوير. وإذا ما أصبح نتانياهو الآن للمرة الخامسة رئيس حكومة، فإنه سيحتل هذا المنصب مدة أطول من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي استقال مؤخرا تحت ضغط قوي. لكن بخلاف غالبية الدول المجاورة، فإن الشعب هو من قرر ذلك في إسرائيل.
الخاسر هم الفلسطينيون
لكن هذه الانتخابات انبثقت عنها أيضا خسارة مأساوية ـ لاسيما للفلسطينيين إضافة إلى العرب المقيمين في إسرائيل الذين يعتبر الكثيرون منهم أنفسهم فلسطينيين. فهم يستفيدون من الحق الانتخابي الكامل، لكنهم قلما استغلوا ذلك هذه المرة، لأن قانونا وطنيا مقترحا من نتانياهو قلًل قبلها من شأنهم كمواطنين من درجة ثانية تابعين لأقلية غير يهودية. وهذا القانون يجسد من الناحية السياسية فضيحة، لكنه من غير الوارد في الوقت المنظور أن يتم سحبه أو على الأقل التقليل من أثره ـ وذلك لن يحصل تحت نتانياهو كرئيس وزراء.
وخاسر أكبر آخر هم الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية. دونالد ترامب أعلن الكشف عن مخططاته لسلام شامل في الشرق الأوسط بعد الانتخابات الإسرائيلية. وكيف سيكون شكلها بالتحديد، وما هي التنازلات التي ستُطلب من إسرائيل، فهذا يجب ترقبه. لكن من المؤكد من الآن أن الفلسطينيين يجب عليهم أخذ ما يُعطى لهم. فبخلاف الإسرائيليين، هم قلما يقررون بأنفسهم مصيرهم، ولا يمكن أن يتوقعوا الحصول على دعم حقيقي من الكثير من الدول العربية: فطوال عقود استغلت هذه الأنظمة قضية فلسطين كورقة شعبوية لإضفاء الشرعية على سلطتها "بالأخوة" العربية أو الإسلامية، كما تفعل ذلك إلى يومنا هذا تركيا وإيران. وفي الحقيقة لا تكترث غالبية الأنظمة العربية، ولاسيما القيادة السعودية بمصير الفلسطينيين. فعدوها الرئيسي الجديد، كما هو الحال بالنسبة إلى نتانياهو، هو إيران.
راينر زوليش