وجهة نظر: البحث عن استراتيجيات جديدة للقضاء على الإرهاب
٢٢ نوفمبر ٢٠١٤كان الجواب الأميركي على هجمات 11 سبتمبر/أيلول2011 على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك هو إعلان الحرب، بدءها الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في أفغانستان تحت اسم الحرب "على الإرهاب". وبعد مرور 13 عاما على إعلانها نعلم اليوم أن الهدف من هذه الحرب لم يتحقق، فالإرهاب لم يندحر، بل بالعكس كما أثبت مؤخرا "مؤشر الإرهاب العالمي" في العاصمة لندن والذي أظهر أن الإرهاب في العالم تصاعد في عام 2013، بينما سُجلت حوالي عشرة آلاف هجمة إرهابية في مناطق متفرقة بالعالم، بارتفاع يصل إلى 44 بالمائة عن العام الذي سبقه. وراح ضحية هذه الهجمات أزيد من 18 ألف شخص، بنسبة 61 بالمائة أكثر من عام 2012 أيضا. إذا الحرب "على الإرهاب" لم تجلب سوى مزيدا من الإرهاب.
وإذا ما قرأ المرء تاريخ الإرهاب عن قرب، فسيلاحظ فورا: أنه خلال الخمسة عقود الأخيرة، كانت الطريقة المثلى للقضاء على الإرهاب هي ربط الجماعات المتورطة بالعملية السياسية. ولعل أيرلندا الشمالية مثال كلاسيكي على ذلك. وأظهر مؤشر لندن أن 80 بالمائة من الجماعات الإرهابية ألقت سلاحها بعد أن وصلت إلى اتفاق سياسي مقبول مع السلطة. فيما أوقفت 10 بالمائة فقط من الجماعات نشاطاتها الإرهابية بعد أن حققت أهدافها. والمثير أيضا، أن 7 بالمائة فقط من هذه الجماعات قضي عليها عسكريا، والمخيف في الأمر أنها نسبة ضئيلة جدا مقارنة بعدد ضحايا العمليات العسكرية المرتبطة بالقضاء على الإرهاب نفسه.
معضلة الحرب غير المتماثلة
هذه الأرقام تشير بوضوح إلى أن بدأ عمليات التفاوض يجب أن يكون الجزء الأهم في الحرب ضد الجماعات الإرهابية. لكن في بلدان عدة يكون استعمال قوة الجيش أو الميليشيات العسكرية الرد الوحيد في الحرب على الجماعات الإرهابية. إلا أن المشكلة تكمن في أن الجماعات المسلحة أصبحت تقاتل بكفاءة كبيرة ضد الجيوش في الحروب غير المتماثلة (حرب ليست بين جيشين نظاميين). ففي مثل هذه الحروب تتجنب مثل هذه الجماعات المواجهة المباشرة وتلجأ لتنفيذ هجمات ذات تأثير كبير على الرأي العام. وأكبر دليل على ذلك في أفغانستان، حيث تحاول قوات التدخل الدولية (إيساف) منذ أعوام الانتصار على حركة طالبان وفكرها الديني المتطرف، لكن أول نتائج الدراسة كشفت أن الخيار العسكري لم يكن أبدا مناسبا لتحقيق الأهداف المعلن عنها.
أحد أهم نتائج "مؤشر الإرهاب" أوضحت أن أكثر الدول تضررا منه مثل العراق، باكستان، نيجيريا وسوريا يستمد خلفيته من الدين، وهذا الإرهاب ذو الطابع الديني، يحاول فرض رغبته بإنشاء دولة دينية على الشعوب بالقوة. وهي رغبة شمولية بطبيعتها. وهنا تكمن المعضلة، فالمفاوضات مع مثل هذه الجماعات لا تفضي إلى نتائج، لأن الحلول البراغماتية لا تصمد أمام إيديولوجية متطرفة، ولا يمكن للعمليات العسكرية أن تكلل بالنجاح، وفي أفضل الحالات لا يمكن سوى التقليل من هذه العمليات، وليس الانتصار عليها.
الإرهاب سيستمر
وعلى هذا الأساس، يجب توقع الأسوأ عام 2015: فجماعات مثل تنظيم "الدولة الإسلامية"، والقاعدة، وبوكو حرام، وطالبان، ستحاول نشر رسالتها الدينية المليئة بالكراهية والخوف عن طريق تنفيذ هجمات إرهابية أوسع. وأغلب ضحايا الإرهاب الذي يقال عنه إسلامي سيكونون من المسلمين الذين يسقطون نتيجة القتال بين جماعات متطرفة سنية وشيعية.
لهذا لا يوجد سوى طريق واحد: أخفقت الدول الأكثر تضررا، وإلى اليوم، في إشراك جميع أطياف مجتمعاتها في العملية السياسية والاجتماعية. وعلى هذه الدول تحسين أوضاع مواطنيها الاقتصادية، وخلق فرص تعليم أفضل لهم، إلى جانب تقوية المكونات المدنية والديمقراطية. كل هذا يتطلب نفسا طويلا، لكنه الطريق الوحيد لسحب البساط من تحت أقدام الإرهابيين، وعزلهم في المناطق التي ينشطون فيها. ويمكن للغرب دعم هذا المسار، لكن البداية يجب أن تكون من رحم المجتمعات المعنية نفسها.