وداعا كروبفيتش.. رحيل أهم مؤلف للمعاجم العربية الألمانية
١٤ يناير ٢٠٢٠بعد مسيرة علمية وعملية حافلة، ودع أهل وتلاميذ وزملاء المستعرب الكبير لورينس كروبفيتش جثمانه اليوم الثلاثاء (14 يناير/ كانون الثاني 2020) إلى مرقده بمقابر الأسرة في مدينة غرمرسهايم بجنوب غرب ألمانيا، بعد أن وافته المنية في الخامس من الشهر الجاري عن عمر ناهز 74 عاما.
وقال ابنه ميشائيل كروبفيتش لـDW عربية إن والده قبل أن يتعرض لمرض شديد، أسفر عن وفاته في فترة قصيرة، كان لا يزال يعمل بجد كالعادة على إصدار طبعة جديدة من قاموس "هانز فير" العربي الألماني، لكنه لم يكملها بالطبع. وأكد كروبفيتش الابن أن حياة والده كانت منصبة طيلة الوقت على القواميس والمعاجم العربية الألمانية. فقد كان الرجل دائم التعلم وكلما أصدر قاموسا جديدا أصدر له ملحقا أو طبعة جديدة.
إثراء متميز للعرب والألمان
حصل لورنس كروبفيتش على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة غراس، ثاني أقدم الجامعات في النمسا، عام 1972. واتجه بعدها إلى اللغة العربية دارسا ومدرسا، وبرع فيها لدرجة أنه أصبح علما على تدريس الترجمة العربية وصناعة القواميس العربية الألمانية.
في عام 1985 خرجت للنور طبعة جديدة (الطبعة الخامسة) لقاموس "هانز فير" العربي الألماني، بعدما عكف كروبفيتش لسنوات طويلة على مراجعته وتحديثه وتضمينه المصطلحات المعاصرة في اللغة العربية.
وخلال قيامه بمهام تدريس الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الألمانية لطلبة "كلية علوم الترجمة واللغة والثقافة" (FTSK)، التابعة لجامعة ماينز، في مدينة غرمرسهايم، أصدر كروفيتش عام 1996 قاموسا عربيا ألمانيا من تأليفه هو "لانجنشايت القاموس المتوسط". وبعد ذلك أصدر ملحقا لذلك القاموس.
وبعد تجاربه مع دور النشر المختلفة، أخذ كروبفيتش ينشر قواميسه بنفسه، فأخرج للنور عام 1999 المعجم الاقتصادي العربي الألماني، ثم أصدر في عام 2012 آخر قواميسه الكبرى، القاموس الاقتصادي الألماني العربي، الذي أظهر مدى الإطلاع الواسع للراحل باللغتين العربية والألمانية وكذلك بعلم الاقتصاد. وإضافة لتلك القواميس أصدر قواميس صغيرة للجيب للغتين.
"جمع لغات العرب في معاجمه"
قضى لورنس كروبفيتش عقودا يدرس الترجمة للطلبة العرب والألمان في غرمرسهايم، سواء الترجمة العامة أو المتخصصة في الاقتصاد، وكان موضع تقدير طلابه لما تمتع به من خصال طيبة، أهمها التواضع ونكران الذات فضلا عن الإجادة التامة للغة العربية والالتزام بالمواعيد والمواظبة على التواجد في المحاضرات بانتظام.
خلال حصص الترجمة كان "الأستاذ" يفتح المجال لكل الحاضرين ليدلوا بدلوهم ويستمع أكثر مما يتكلم، ولا يتدخل فيفرض على أحد ترجمة بعينها وإنما كان يصحح الأخطاء فقط. وكلما استمع من الطلبة العرب لمصطلح أو لفظة جديدة أخذ في تدوينها بالقلم الرصاص في مفكرة صغيرة معه، ليبحث عنها بعد ذلك ويدرجها في قواميسه ومعاجمه.
وفي حديث مع DW عربية قال عنه زميله محمد العلوي، الذي رافقه لعقود في تدريس الترجمة بغرمرسهايم، إن "الأستاذ كروبفيتش كان أول من اهتم (كمعجمي) بالجوانب الإقليمية للغة العربية وتغيرها مثلا في بلدان شمال أفريقيا: المغرب، تونس والجزائر، فضلا عن بلدان الجزء الشرقي من العالم العربي كمصر وسوريا والعراق والسعودية".
كان الرجل يراعي في قواميسه إثبات الألفاظ الفصحى المستخدمة في شرق وغرب العالم العربي وينتشر تلامذته في أرجاء العالم، خصوصا في مجال الترجمة والإعلام، ومنهم مترجمون مشهورون وقادة لمؤسسات إعلامية حاليا.
ويتذكر هؤلاء كيف أنه في نهاية كل فصل دراسي كان يدعو الجميع على حسابه الشخصي إلى تناول القهوة والشاي في مقهى قريب من الكلية وتبادل أطراف الحديث الودي قبل دوامة الامتحانات.
رجل الظل والانعزال
أشرف لورنس كروبفيتش على العديد من الرسائل الجامعية لطلبة من أنحاء الدول العربية. ورغم كل ذلك لم يكن يشارك في أي أنشطة جماعية بالكلية، كما أنه لم يكن يتصدر المحافل والمؤتمرات أو يظهر في وسائل الإعلام. فعلى سبيل المثال بعدما بلغ عامه الـ65 أرادت DW عربية أن تجري معه حوارا، لكنه اشترط أن يكون الحديث حول المعاجم والقواميس واللغة دون التطرق إلى شخصه أبدا، ولم يجر الحوار المنشود.
وربما كان تراجعه عن المشهد وانعزاله، إن جاز التعبير، سببين لعدم شهرته أو حصوله على جوائر في الترجمة وخدمة اللغة العربية، في الوقت الذي فاز فيه صغار تلامذته وأشخاص لم يبلغوا مبلغه بجوائز مرموقة في هذه الناحية.
ويعتذر البعض بأنه كان "منعزلا للتعلم"، وربما كان ذلك سببا لتفرغه للإنجازات الكبيرة التي حققها.
صلاح شرارة