وسط تحديات.. قس كاثوليكي في المغرب يحكي تجربته مع المهاجرين
٥ أكتوبر ٢٠٢٠تُعرف مدينة وجدة المغربية بكونها نقطة التقاء بين الثقافتين المغربية والجزائرية، وتُعرف كذلك باستقبالها للعديد من المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء الذين يجتازون حدودا مغلقة بحثا عن غد أفضل. ذلك لم يتردد القس الفرنسي أنطوان إكسلمانس، في أن يلبي دعوة الكنيسة الكاثوليكية في المغرب عام 2016، عندما وجد عرضًا بالعمل في المدينة، بعد تجربة في إفريقيا الوسطى، حيث توجه قبل مدة طويلة للتعرّف على حياة المرّشحين للهجرة.
"أتيت إلى المغرب لأمرين أساسيين: للحوار الديني مع المسلمين الذي يمثل أمراً عاجلاً للمجتمعات الغربية، وللعثور على أجوبة حول أسئلة كثيرة تخصّ المهاجرين الراغبين في الوصول إلى أوروبا" يقول إكسلمان في حوار مع مهاجر نيوز.
شغل أنطوان إكسلمانس مهام قس في أبرشية مدينة رين الفرنسية لـ23 عامًا، وهو اليوم النائب العام للأبرشية في الرباط، حيث يقوم بمهام متعددة منها تدريس علم اللاهوث في معهد "الموافقة" التي تم تأسيسه بمبادرة الكنائس المسيحية في المغرب.
والأب أنطوان هو في الآن ذاته كاهن رئيسي في وجدة، حيث يشرف على عمل مجموعة من مختلف الأطياف الدينية (مسلمون، كاثوليك، بروتستان)، تهتم بتقديم خدمات إنسانية للمهاجرين غير النظاميين، ما أهله للتتويج بجائزة آخن الألمانية للسلام (جائزة شارلمان الدولية لمدينة آخن الألمانية) خلال عام 2020.وتُمنح الجائزة التي تبلغ قيمتها الإجمالية 4 آلاف يورو، منذ عام 1988.
وتكرم جمعية جائزة آخن للسلام التي تضم مدينة آخن ومنظمات كنسية بجائزتها الجهود المبذولة من أجل نشر التفاهم بين القاعدة التحتية للشعوب.
ومن المقرر تسليم الجائزة في العاشر من كانون أول/ ديسمبر المقبل، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان. وسيشارك الفائزون في الحفل عن طريق الفيديو.
عمل وسط المصاعب
غير أن المهمة لا تخلو من صعوبات، وأكبرها حسب حديث إكسلمانس هو العدد الكبير للمهاجرين الذين يوجدون في وضعية جد صعبة، خاصة أنهم عاشوا صدمات وتجارب مريرة منذ فرارهم من أوطانهم، ومنهم أشخاص مرضى وصغار السن. وتزداد الصعوبة مع عدم إمكانية الكنيسة الكاثوليكية في وجدة استقبال الجميع.
كما أن العمل مع مهاجرين يوجدون في وضع غير قانوني بالنسبة للسلطات يمثل تحديا آخر، غير أن مجموعة إكسلمانس تركز على مساعدة المهاجرين على بناء مستقبل أفضل وعلى الاستفادة من الخدمات الصحية والمأوى والتدريب المهني دون تشجيعهم على الاستمرار في طريق الهجرة غير النظامية. وفي هذا السياق يقول إكسلمانس: "من غير المهم بالنسبة لنا التركيز على وضعهم إن كانوا قانونيين أم لا، بقدر ما ننشغل برفع الصوت لتحسين وضعهم، وفضح مافيات الهجرة التي تستغلهم".
ومن التحديات الأخرى، عمل المجموعة في مدينة على حدود مغلقة بين جارين تجمعهما علاقة متوترة. الكثيرون يتذكرون كيف علقت أسر سورية على حدود المغرب والجزائر لعدة أسابيع عام 2017 لتعنت كل بلد في استقبالهم. ولذلك تحاول المجموعة عدم التدخل عندما يكون هناك أشخاص في وضع معقد سببه مشكل سياسي.
غير أن الحدود المغلقة تمثل مشاكل كثيرة: "مافيات الهجرة تستفيد مادياً من هذا الوضع، والمهاجرون الذين أغلبهم قصر يضطرون للمخاطرة بحياتهم أثناء عبور حدود تراقبها قوات مسلحة، أو من خلال اضطرارهم المرور بمناطق خطيرة بعيدة عن المراقبة" يقول القس.
عقلية تقاوم المهاجر
أطلق المغرب عام 2013 سياسة لإدماج الآلاف من المهاجربن غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. سياسة لقيت إشادة محلية وغربية رغم بعض الثغرات المسجلة. يرى الأب إكسلمانس بدوره أن الخطاب الرسمي المغربي الخاص بالمهاجرين يملك مصداقية واسعة نظرا لما تحقق من مكتسبات لهذه الفئة، وهو ما يترجم بتعاون بين الكنيسة في وجدة والسلطات الأمنية والقضائية والصحية.
إلّا أنه "مقابل سياسة الإصغاء الرسمية، هناك مقاومة لهذه الجهود من طرف عقلية مجتمعية غير قابلة للتعميم ضد المهاجرين تظهر من حين لآخر بالبلد، من وجوهها العنصرية" يقول القس، مشيراً إلى تنوّع أسبابها الرئيسية، ومنها الوضع الاقتصادي الصعب حاليًا في المغرب. غير أن هذا المشكل ليس مغربيًا فقط، بل حتى أوروبيًا، وفي دول متقدمة اقتصاديًا، فـ"استقبال الأجنبي دائما ما يمثل تحديًا في المجتمعات"، يقول إكسلسمان.
التبشير..اتهام جاهز
قام المغرب عام 2010 بترحيل حوالي أربعين قسًا لاتهامات تعود بالتبشير ومحاولة تحويل مغاربة مسلمين إلى المسيحية، رغم نفي القساوسة لذلك بشدة آنذاك. هذه الحوادث خلّفت في شعور بعض الفئات المغربية تخوفاً من عمل القساوسة، غير أن الأب إكسلمانس يرى أن مثل هذه الاتهامات هي "نتيجة خطابات إسلامية متطرفة من بعض الحركات"، لافتًا إلى أن نسبة المسلمين بين المهاجرين الذين تتعامل معهم الكنيسة تتجاوز 80 بالمئة، ولا توجد أيّ حالة اعتناق بينهم للديانة المسيحية.
"نشتري لهم المصاحف والسجادات وكل ما يحتاجون لأداء عباداتهم. كما كانوا يؤدون صلواتهم الجماعية في المساجد قبل انتشار كورونا" يقول إكسلمانس، مضيفًا:"من سيزورنا في الكنيسة سيرى أن لدينا أماكن مخصصة للصلوات الإسلامية".
ماذا سيتغيّر؟
بين الكثير من الترشيحات، تُوج الأب إكسلمانس ومنظمة حقوقية برازيلية هذا العام. تتويج كان مفاجئًا للقس الفرنسي الذي لم يكن يعلم أن نشطاء من الكنيسة البروتستانتية هم من رشحوه للجائزة. "أرادوا مشاركة تجربتنا مع العالم.. وأشكرهم جدا على مبادرتهم الجميلة التي تبين أن هناك تضامنًا عالميًا في قضايا السلام" يقول المتحدث.
لكن لا يظهر أن هناك توقعات وردية لآثار كبيرة للجائزة على السياسات الأوروبية الخاصة بالمهاجرين وطالبي اللجوء، ما دامت التيارات اليمينية الشعبوية والمتطرفة قد وصلت إلى سدة القرار بعدة دول، وهي تضغط اليوم لأجل اتباع سياسات أوروبية أكثر تشددا. لكن مع ذلك يحمل الأب إكسلمانس الأمل: "الجائزة جواب على أننا لن نستسلم. مجتمعاتنا تحتاج إلى التنوع، وتجربتنا داخل الكنيسة في وجدة بيّنت كم هو مُبهج وجميل هذا التنوع، وعلى السياسيين أن يتحلوا بالشجاعة للوعي بأن وجود الأجنبي في المجتمع أمر جيّد للجميع".
ويتابع الضيف أنه يجب التوقف عن اتخاذ مواقف سلبية مسبقة، ولذلك يجب أولًا عيش التجربة مع المهاجرين: "عندما تلتقي بهم وتسمع قصصهم وتدرك تجاربهم المريرة، سيتكوّن لديك احترام كبير لشجاعتهم بحثًا عن غد أفضل لهم ولأسرهم الفقيرة". ويردف إكسلمانس بكثير من الاقتناع: "على مجتمعات الغرب أن تعيش هذه التجربة، فاستقبال المهاجرين ضروري حتى نتجاوز الخوف المسيطر علينا، وحتى نبني مجتمعات متقدمة في الإنسانية.. وأنا مؤمن دومًا وأبدًا بالإنسانية".
إسماعيل عزام - مهاجر نيوز