وفاة أسير حرب فيتنام وأبرز قادة الكونغرس جون ماكين
٢٦ أغسطس ٢٠١٨توفي السناتور الأميركي جون ماكين، عن عمر 81 عاماً إثر إصابته بسرطان في الدماغ. وأعلن مكتب السناتور الجمهوري مساء السبت (25 آب/ أغسطس 2018) في بيان أنه توفي بعد الظهر "محاطاً بزوجته سيندي وعائلتهما". وأضاف البيان أن بطل الحرب السابق الذي يحظى باحترام كبير في بلاده "خدم الولايات المتحدة الأميركية بإخلاص لمدة 60 عاماً".
وتوفي عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا غداة إعلان عائلته أنه قرّر التوقّف عن تلقّي العلاج من الغليوبلاستوما، وهو نوع من سرطان الدماغ شديد الخطورة نسبة النجاة منه متدنية للغاية، كان يعالج منه منذ تموز/ يوليو 2017.
وتوالت على الفور ردود فعل الطبقة السياسية الأميركية، تكريما لذكرى ماكين الذي كان من ركائز الحزب الجمهوري والذي أغضب الكثيرين، بما في ذلك داخل دائرته السياسية، ولكنه لم يخسر يوماً تقدير الأميركيين لإخلاصه الوطني.
وقال الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما الذي هزم ماكين في الانتخابات الرئاسية في 2008 "جون وأنا كنا ننتمي إلى جيلين مختلفين، كانت لدينا أصول مختلفة تماماً، وتواجَهنا على أعلى مستوى في السياسة، لكننا تَشاركنا، على الرغم من اختلافاتنا، ولاءَ لما هو أسمى، للمُثل التي ناضلت وضحّت من أجلها أجيال كاملة من الأميركيين والمهاجرين".
ودعا زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إلى أطلاق اسم جون ماكين على مبنى في الكونغرس، حيث كان مكتبه. أما الرئيس دونالد ترامب الذي كان على خصام علني مع ماكين، فاكتفى بتقديم تعازيه في تغريدة مقتضبة لم يذكر فيها بتاتاً حياة ماكين أو مساره السياسي. وكتب ترامب "أقدم تعازيّ وأصدق احترامي لعائلة السناتور جون ماكين. قلوبنا وصلواتنا معكم!".
بالمقابل، أصدر غالبية أفراد الطبقة السياسية، الحاليين والسابقين، بعد دقائق من إعلان وفاة ماكين، بيانات عدّدوا فيها بعضاً من مآثره، فأشاد الرئيس السابق الجمهوري جورج بوش الابن خصوصا بـ"رجل ذي قناعة عميقة ووطني لأعلى درجة". ونوه الرئيس الديموقراطي السابق بيل كلينتون بأن ماكين "غالباً ما وضع الانتماء الحزبي جانباً" من أجل خدمة البلاد.
كذلك قال آل غور، نائب الرئيس في عهد كلينتون "لطالما قدّرت واحترمت جون" لأنه كان دوما يعمل "في سبيل إيجاد أرضية تفاهم مهما كان ذلك صعباً". أما السناتور الجمهوري ليندسي غراهام فقال إن "أميركا والحرية خسرا واحدا من أعظم أبطالهما".
وكتبت ابنة السناتور الراحل ميغان ماكين في حسابها على تويتر أنها بقيت بجانب والدها حتى النهاية "مثلما كان بجانبي في بداياتي". وكان ماكين يتلقى العلاج في ولايته أريزونا، حيث كان يزوره أصدقاؤه وزملاؤه بشكل متواصل منذ شهور، مدركين أن النهاية باتت قريبة.
كما أشاد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بالسيناتور الأمريكي. وكتب ماس في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "كان يعمل من أجل أن تكون الولايات المتحدة شريكا وثيقا، وموثوقا به، تتولى مسؤولية آخرين من منطلق قوي، وتساند قيمها ومبادئها حتى في اللحظات الصعبة". وأضاف الوزير الاتحادي: "سيبقى صوته في الذاكرة".
وبالرغم من علاجه الذي حتم عليه التغيب عن واشنطن منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بقي ناشطا سياسيا بشكل نسبي. وفي صيف 2017، تحدى ترامب إذ صوت في موقف لافت ضد إصلاحه لنظام الضمان الصحي. وكان ينتقد علنا الرئيس من غير أن يخف يوما ازدراءه لسلوكه وأفكاره، فيصفه بأنه "نزق" و"غير مطلع".
وفي مذكراته الصادرة في أيار/ مايو 2018، ندد مرة جديدة بتودد ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي جابهه ماكين من مقعده في مجلس الشيوخ. واستُهدف السناتور نفسه بالعقوبات التي فرضتها روسيا ردا على عقوبات واشنطن، وهو ما شكل بالنسبة له مصدر اعتزاز غالبا ما كان يتباهى به ممازحا.
وبدأ ماكين الآتي من عائلة من العسكريين حيث كان والده وجده أميرالين في البحرية الأميركية، حياته العسكرية كطيار حربي شارك في حرب فيتنام حيث أصيب ووقع في الأسر لأكثر من خمس سنوات.
وتعرض ماكين للتعذيب في فيتنام، وأصبح لاحقا طوال حياته السياسية من أشد معارضي التعذيب، منتقدا بشدة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) لعمليات الاستجواب "المشددة" التي أجرتها في عهد جورج بوش الابن.
وبعد عودته إلى الولايات المتحدة عند انتهاء حرب فيتنام، انتخب في مجلس النواب ثم عام 1986 في مجلس الشيوخ حيث احتفظ بمقعده منذ ذلك الحين. وواجه أصعب انتخابات تشريعية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 إذ لم يغفر له قسم من الناخبين المحافظين انتقاداته لدونالد ترامب.
وخسر ماكين الذي عرف بصورة جمهوري مستقل يبدي آراءه بصراحة، في الانتخابات التمهيدية لحزبه عام 2000 أمام جورج بوش، ثم عاد وفاز بالترشيح الجمهوري للانتخابات الرئاسية عام 2008، لكنه هزم أمام باراك أوباما. وبقي بعد ذلك في مجلس الشيوخ حيث قضى ثلاثين عاما.
وكان ماكين يعتبر من أنصار نهج التدخل في السياسة الخارجية، مقتنعا بأن من واجب أميركا الدفاع عن قيمها في العالم، وكان من أشد أنصار حرب العراق، ومن الدعاة لدور عسكري أميركي قوي في الخارج.
وأدت هذه المواقف إلى تهميشه عاما بعد عام في حزب جمهوري بات يرغب في إعادة تركيز عمله على الأولويات الداخلية، وشهد بقلق خلال العقد الجاري صعود حركة "حزب الشاي" (تي بارتي). وكان يدعو باستمرار إلى زيادة الميزانية العسكرية وترأس حتى وفاته لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. ودافع عن كثير من القضايا خلال حياته، من أبرزها إصلاح نظام الهجرة وقانون التمويل الانتخابي.
ع.خ ( ا ف ب)