وقف إطلاق النار في غزة.. اتفاق تحت ضغوط أم بسبب إغراءات؟
١٦ يناير ٢٠٢٥بعد مرور أكثر من 15 شهراً على أطول حرب في تاريخ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وأكثرها دموية، أعلن الوسطاء، قطر ومصر والولايات المتحدة، أمس الأربعاء (15 يناير/ كانون الثاني 2025) عن اتفاق من ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس. وتوج الاتفاق جهودا مكثفة وجولات مكوكية من المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين. وقال وسطاء إن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ يوم الأحد. ويشمل إطلاق سراح عشرات الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس في غزة على مراحل، والإفراج عن مئات المعتقلين الفلسطينيين في إسرائيل، كما سيسمح لمئات الآلاف من النازحين في غزة بالعودة إلى ما تبقى من ديارهم. وحسب الاتفاق ستؤدي هذه الخطوة إلى تدفق المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في قطاع غزة الذي دمر وقتل فيه الآلاف من الفلسطينيين.
"الذيل يهز الكلب"
وسارع الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب إلى نسب "الفضل" لنفسه ولإدارته في التوصل إلى هذا الاتفاق. وأكد ترامب أنه كان "القوة المحركة" وراءه، وكتب على منصته "تروث سوشيال": "لم يكن من الممكن أن يحدث هذا الاتفاق الملحمي لوقف إطلاق النار إلا نتيجة لانتصارنا التاريخي (في الانتخابات) في نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث أشار إلى أن العالم بأسره يرى أن إدارتي ستسعى إلى السلام والتفاوض على صفقات لضمان سلامة جميع الأمريكيين وحلفائنا..". في حين ركز بايدن على أن الاتفاق تم التوصل إليه بموجب "الخطوط العريضة والمحددة" التي أعلن عنها في أواخر مايو/أيار الماضي. وكان مقترح هذا الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، جو بايدن في 31 مايو/أيار 2024 وتمت مناقشته خلال الصيف، ينص على وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة والانسحاب التام لجيش الاحتلال منه، وتبادل الرهائن والمعتقلين، وإعادة الإعمار، وعودة النازحين.
غير أن هذه الخطوة لم تسير في طريق الوصول إلى اتفاق شامل توافق عليه جميع الأطراف المعنية. بيد أن العامل الحاسم كان الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، كما يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة "فريدريش إيبرت"، ماركوس شنايدر في مقابلة مع DW عربية إذ قال: " في العلاقات الأميركية الإسرائيلية خلال عهد بايدن، كان هناك انطباع بأن الذيل هو الذي يهز الكلب وليس العكس. لكن مع ترامب الآن تمت استعادة التوازن الحقيقي للقوى". كما أشار الخبير إلى دور الضغوط التي مارسها مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف فيتكوف، على نتنياهو للمرة الأولى.
إغراءات أم ضغوط؟
تشير بعض التقارير إلى "إغراءات" قدمها الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو والذي شكل وفق مراقبين العقبة التي طالما حالت دون التوصل إلى اتفاق نهائي. وهنا يرجح سكوت لوكاس، الخبير في نزاعات الشرق الأوسط في كلية دبلن الجامعية، نقلاً عن وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أن يكون أحد هذه "الاغراءات" هو أن "إدارة ترامب أشارت إلى أنها ستقبل بتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهو ما قد يجعل الوزيرين الإسرائيليين اليمينيين المتشددين إيتمار بن غفير وبتسئيل سموتريتش يتخليان عن أي اعتراضات على وقف إطلاق النار".
غير أن للخبير السياسي، ماركوس شنايدر رأي مخالف إذ يرى أن "ترامب يوجد في موقع قوة، لذلك لا أعتقد أنه كان عليه تقديم شيء ما في المقابل لنتنياهو. لأن إسرائيل تعتمد بنسبة مائة في المائة على الأسلحة والذخائر الأمريكية. أما بالنسبة لترامب، الذي يتبنى شعار أمريكا أولاً، فإن الحرب في غزة، والتي يصفها البعض بالإبادة الجماعية، قد شوهت سمعة أمريكا على المستوى العالمي، وهو ما لم يعد يصب في مصلحة واشنطن".
بالإضافة إلى هذا يوضح شنايدر أن إدارة ترامب الجديدة تضم في الأساس العديد من السياسيين الذين يمتلكون وجهات نظر مؤيدة للغاية لإسرائيل. وهو ما يخلق مواجهة بين هؤلاء الأيديولوجيين المؤيدين لإسرائيل وهم من أنصار الصفقات، أي الذين يريدون عقد "صفقات كبيرة"، مثل التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعوديةمقابل أولئك الأكثر استعداداً لتقديم تنازلات، بما في ذلك ما يتعلق بالدولة الفلسطينية. ولكن الخبير يضيف: "يبقى من غير الواضح بعد إلى أي جهة تميل كفة الميزان. لأن ممارسة ترامب الآن للكثير من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية فاجأت العديد من السياسيين اليمينيين في إسرائيل".
رغبة بإنهاء الحرب
يتعرض نتنياهو منذ أشهر لضغوط من أعضاء سابقين في حكومة الحرب، مثل بيني غانتس ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت، وكذلك من أحزاب المعارضة ومن قطاعات في المجتمع الإسرائيلي، لا سيما عائلات الرهائن. كما ازدادت مؤخراً الرغبة الشعبية الداخلية في إسرائيل لإنهاء الحرب التي تراجعت فوائد استمرارها وزادت خسائرها، فقد خلفت حتى الآن عشرات آلاف القتلى والجرحى إضافة إلى دمار غير مسبوق في الممتلكات والبنية التحتية. وانخفض النمو الاقتصادي في إسرائيل بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بحسب بنتامين بنتال، من مركز "تاوب" لأبحاث السياسة الاجتماعية في إسرائيل.
خلال الحرب تم إضعاف حماس إلى حد كبير، لكنها لا تزال موجودة، كما أشار الخبير في شؤون الشرق الأوسط، شنايدر: " لا يمكن تدمير المنظمة بالكامل. حتى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن قال إن حماس جندت مقاتلين أكثر مما تمكنت إسرائيل من قتلهم". في حين يعتقد شنايدر أن "إيران ستلعب دوراً أصغر من ذي قبل في المرحلة القادمة".
ويذكر أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
هذا ومن المتوقع أن تتكشف المزيد من تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس مع الأيام، خاصة بعد أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ، الأحد المقبل، 19 يناير/كانون الثاني.