ولاية بافاريا بطلة إنتاج الجبن في ألمانيا وأوروبا
١٥ أكتوبر ٢٠١٢الزائر لولاية بافاريا ينتبه بسرعة إلى المروج الخضراء ومراعي الأبقار ذات المساحات الواسعة. ويطغى على الطبيعة البافارية السهول والوديان التي تشقها الطرقات الموصلة بين المدن والقرى البافارية.
وتتميز هذه الولاية الواقعة في جنوب ألمانيا بانتشار مؤسسات زراعية تمتلكها عائلات تنتج حليب الأبقار المشهور بجودته العالية، وتتوارث الأجيال تلك المشاريع الخاصة. وتعد المزارع البافارية مزارع كبيرة تختلف فيها أنواع الأبقار من مزرعة إلى أخرى، غير أنها تشترك جميعها في الإعداد الجيد، والتجهيزات الحديثة التي يستخدمها الفلاح في الزراعة أو في حلب الأبقار .
عدد المزارع في بافاريا يقارب 79 ألف مزرعة، تضم 1.600.000 بقرة، وهي ثروة حيوانية كبيرة، أهلت الولاية لتصبح أكبر منتج للألبان ومصدر لها في ألمانيا كلها، فهي تنتج سنويا 7 ملايين طن من الحليب أي ربع الكمية التي تنتجها ألمانيا كلها .
العائلات تمتلك المزارع
لم تكن هناك ثمة صعوبة في التوجه إلى إحدى مزارع الأبقار المنتشرة في الولاية حيث يزداد عدادها كلما اقتربنا من جبال الألب. مزرعة السيد "شتوك ماير" الواقعة في حضن جبال الألب والقريبة من محمية "مورنو" الشهيرة فتحت لنا أبوابها.
المراعي تحيط بالمزرعة من كل جانب والحيوانات الأليفة ترعى فوق العشب الأخضر. والملفت للانتباه هو مستوى النظافة السائد. وكما هو الحال في المزارع البافارية يعمل السيد "شتوك ماير" وزوجته وأولاده في المزرعة حيث لديه عدد كبير من الأبقار المنتجة للحليب. السيد شتوك يقول عن ذلك :"مزرعتي تنتج قرابة 900 ليتر من الحليب يومياً، والأبقار يتم حلبها مرتين في اليوم الواحد، في الصباح وفي المساء، وذلك باستخدام أجهزة الحلب الأتوماتيكية، ويضيف قائلاً :"إن ولاية بافاريا تفرض رقابة صارمة على جودة الألبان ومطابقتها للمواصفات البافارية الخاصة التي تحددها هيئة الرقابة البافارية للألبان وتشرف عليها".
تمتلك الهيئة البافارية للألبان 4 مختبرات ضخمة تضم أحدث الأجهزة والمعدات التي تستخدم في فحص الألبان، ويعمل بها 200 شخص من الكفاءات المتمرسة، وهم يقومون بفحص 10 مليون عينة من الألبان سنوياً، يصدرون بمقتضاها التقارير التي تحمل تقييماً للمزارع البافارية، ويمنحون التراخيص أو يسحبونها من مرتكبي المخالفات .
محاصيل زراعية متنوعة وألبان عضوية
شهرة بافاريا لا تقف عند حد وفرة إنتاج الألبان ومشتقاته، إنما هي تشمل أيضا الجودة العالية التي تتمتع بها هذه المنتجات. فهناك أكثر من 28 في المائة من مجموع المزارعين في الولاية ينتجون محاصيل وألبانا "أوكولوجية " أي التي تتماشى مع المحافظة علي البيئة. وفي هذا السياق يشير "شتوك ماير" إلى أن الفلاح البافاري لديه معرفة كبيرة بشؤون البيئة، لأن أغلب الفلاحين هنا حريصون بشكل كبير على أن تكون منتجاتهم الزراعية والحيوانية "عضوية " أي خالية من أي تلوث اصطناعي، لأن هدفهم الأساسي هو المحافظة على صحة الإنسان، وفي هذا الإطار تحرص الولاية على توفير كل المنتجات الغذائية الصحية للسكان المحليين قبل أن تشرع في تصديرها لدول الخارج .
في مزرعة "شتوك ماير" يمكن مشاهدة الأسلوب الأمثل في طريقة المحافظة على البيئة في مزارع بافاريا، فهو لديه التجهيزات الضرورية لإنتاج الغاز الحيوي من مخلفات المزرعة وروث الأبقار، وهو ينتج الطاقة المتجددة من أخشاب الغابة التي يمتلكها. إنه يوفر الطاقة من الأخشاب ومن المخلفات التي يقوم بتدويرها، ويقول إنه لا يستخدم مبيدات ولا يدخل الهرمونات في تغذية الحيوانات، إنما يحافظ على أن يبقي كل شيء نظيفا ومطابقا للمواصفات الألمانية شديدة الدقة في إنتاج المواد الغذائية العضوية.
ويلاحظ الزائر للمزارع البافارية بشكل عام أن هناك انسجاما كبيرا بين الزراعة وتربية الأبقار من جهة وظروف الحياة الطبيعية السائدة في العالم القروي من جهة أخرى، إذ ُتعطى الأولوية لحماية المناخ والأرض والمياه من التلوث. وتقوم كافة الجهات المعنية في ولاية بافاريا في الوقت الراهن بتشجيع برامج الزراعة الطبيعية البعيدة عن التعديلات الوراثية، وتقدم للفلاحين أساليب الزراعة الصحية، وتختبر التربة وتوفر دعما ماليا وعلميا، كما تمد المزارعين بأحدث الأجهزة التي تساعدهم في أن تكون منتجاتهم صحية وعالية الجودة
بافاريا أهم منتج للجبن في ألمانيا وأوروبا
تتميز ألمانيا بتقليد قديم في مجال صناعة الجبن، وهي تنتج أكثر من 600 نوع مختلف. وتختص ولاية بافاريا وحدها في إنتاج 400 نوع، بل إن الولاية تنتج وحدها 75 في المائة من محصول الجبن في ألمانيا. وهي كذلك تعتبر أكبر مصدر للجبن إلى فرنسا ولوكسمبورغ وبلجيكا، وقد اكتشفت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا جودة الجبن البافارية، وباتت مستوردا كبيرا لمختلف الأنواع.
القلب النابض لصناعة الجبن في ألمانيا هي مدينة " ألغوي" Allgنu البافارية، الواقعة في وسط جبال الألب. ففيها يتم إنتاج أشهر أنواع الجبن، وهناك تم ابتكار أنواع عديدة، منها جبن الجبل الصلد الذي يتم تصنيعه في الجبال في طقس الربيع ويترك هناك لمدة 4 أسابيع، وُينقل بعدها إلى الوادي من أجل إتمام النضج، وكذلك الجبن الأزرق المخلوط بالفطر الذي تم إنتاجه لأول مرة في عام 1971 .
ويعيش في" ألغوي" أشهر صناع الجبن وأمهرهم على مستوى ألمانيا، ويكفي أن ترى اسم "ألغوي" على أي منتوج للألبان حتى تتأكد من حسن الصنعة، وروعة المذاق.
وقد ربطت "ألغوي" على الدوام علاقات شراكة مع منتجي الجبن في سويسرا والنمسا. ففي عام 1821 عاش في "ألغوي" اثنان من أمهر صناع الجبن من سويسرا، ونقلا خبرتهما إلى أهالي المدينة، أما أشهر صناع الجبن وأقدمهم على الإطلاق في ألمانيا فهما " الفريد بيكر" و"سينراي ليرن" اللذان تستمر مصانعهما حتى يومنا هذا في إنتاج أرفع أنواع الجبن في منطقة "ألغوي".