يورو 2024 – وكأن المنتخب التركي يلعب على أرضه
١٩ يونيو ٢٠٢٤احتفالات صاخبة للجماهير التركية، عقب الفوز على جورجيا في انطلاق مباريات المجموعة السادسة في كأس الأمم الأوروبية 2024. ثلاثية، منها هدفان رائعان للغاية، أرضت حماس الجمهور المتعطش لمشاهدة أردا غولر ورفاقه.
المباراة التي أقيمت في دورتموند، كانت بالنسبة لصالح أوزجان، وكأنها مباراة على أرضه، ولسببين: الأول: لأن أوزجان (26 عاما) يلعب حاليا مع بوروسيا دورتموند في الدوري الألماني، والثاني: لأنه ولد وترعرع في ألمانيا. فأوزجان ولد في كولن (كولونيا) عام 1998.
أضف لذلك أن المشجعين الأتراك كانوا الغالبية على مدرجات استاد سيغنال ايدونا بارك في دورتموند، وحولوا "الجدار الأصفر" الشهير لدورتموند إلى "جدار أحمر" لمدة 90 دقيقة.
يقول لاعب دورتموند: "المدرج الجنوبي (الخاص بجمهور دورتموند) معروف أيضا في تركيا". ورغم أن أوزجان لم يكن أساسيا في المواجهة الأولى أمام جورجيا، ولم يشترك إلا في الدقائق الأخيرة للمواجهة، إلا أن متوسط ميدان بوروسيا دورتموند يتطلع للعب دور أكبر في مشوار المنتخب التركي في يورو 2024.
قرابة ثلاثة ملايين شخص من أصول تركية يعيشون في ألمانيا
ورغم أنه يُسمح بتواجد 60 ألف متفرج فقط في ملعب دورتموند في كأس الأمم الأوروبية، حيث لا توجد أماكن للوقوف، إلا أن المشهد في محيط الملعب وفي الساحات المخصصة للتشجيع وأيضا في المقاهي يشهد حضورا طاغيا للجمهور التركي. وهذا ليس مفاجئا بالطبع، فهذه النسخة من كأس الأمم الأوروبية هي بمثابة بطولة أوروبية على أرض الأتراك أيضا. ووفقا لمكتب الإحصاء الاتحادي، يعيش في ألمانيا حوالي 1.54 مليون تركي، إضافة لقرابة 1.4 مليون مواطن ألماني من أصول مهاجرة تركية، وفق المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين.
ولفترة طويلة، لم تكن لدى أوزجان سوى جواز الجنسية الألمانية فقط. كما أنه لعب لمنتخبات اليافعين والشباب الألمانية، من مستوى تحت 15 عاما إلى مستوى تحت 21 عاما، وتوج مع المنتخب ببطولة أوروبا تحت 21 عاما في عام 2021، إلى جانب عدد من نجوم المنتخب الألماني الحالي المشاركين أيضا في بطولة أوروبا، مثل فلوريان فيرتس ونيكو شلوتربيك. ولم يحسم أوزجان مستقبله على المستوى الدولي إلا في مارس/آذار 2022، حيث قرر الانضمام للمنتخب التركي الأول.
وقال أوزجان حينها: "في الأسابيع القليلة الماضية، تعاملت بشكل مكثف مع هذه المسألة". لقد أجرى العديد من المحادثات مع عائلته وتم اتخاذ القرار "عن قناعة". وقال لاعب نادي كولن في ذلك الوقت: "أرغب في اللعب لتركيا".
نجوم أتراك تكونوا في ألمانيا
أوزجان ليس الوحيد الذي مر بهذه التجربة، حيث تكرر الأمر بصورة أو بأخرى مع عدة لاعبين موجودين في تشكيلة المنتخب التركي في بطولة أوروبا، ممن ولدوا ونشأوا في ألمانيا. لدينا المدافع كان أيهان، الذي ولد في غيلزينكيرشن الألمانية في عام 1994، والذي لعب لأندية شالكه وآينتراخت فرانكفورت وفورتونا دوسلدورف، قبل أن ينتقل إلى ساسولو الإيطالي في عام 2020. وبعد ثلاثة مواسم قضاها هناك انتقل إلى بطل الدوري التركي غلطة سراي. ارتدى أيهان بدوره قميص المنتخب الألماني في شبابه من تحت 16 إلى تحت 18 عاما.
كنان يلدز من ريغنسبورغ في ولاية بافاريا، والده تركي ووالدته ألمانية. يعتبر يلدز أحد أبرز المواهب، ولعب في فرق الناشئين والشباب في بايرن ميونخ لمدة عشر سنوات، قبل أن ينتقل إلى يوفنتوس الإيطالي في عام 2022، وبعده بعام أصبح لاعبا دوليا في المنتخب التركي.
هناك أيضا المخضرم جينك طوسون المولود في فيتسلار في ولاية هيسن الألمانية عام 1991، والذي تعلم لعب كرة القدم في آينتراخت فرانكفورت. ثم صار طوسون لاعبا محترفا في آينتراخت أيضا وذلك في عام 2009. وفي عام 2011 انتقل إلى الدوري التركي الممتاز.
ولعل أبرز لاعب تركي ولد ونشأ في ألمانيا هو هاكان تشالهان أوغلو، الذي ولد في مدينة مانهايم، وخط مسيرته الاحترافية في البوندسليغا مع أندية كارلسروه وهامبورغ وباير ليفركوزن. قبل أن ينتقل في عام 2017 إلى ميلان وبعدها بأربع سنوات إلى منافسه في المدينة إنتر. ولم يلعب كابتن المنتخب التركي في الدوري التركي حتى الآن.
كل هؤلاء اللاعبين كان من الممكن نظريا أن يختاروا اللعب للمنتخب الألماني لكرة القدم. وليس هناك في مسيرتهم ما يختلف عن اللاعبين الموجودين في بطولة أوروبا مع المنتخب الألماني وهم من أصل تركي، مثل قائد المنتخب الألماني إيلكاي غوندوغان، ودينيز أونداف، وإمري جان.
حماس كبير.. وتوقعات عالية
حتى قبل بدء البطولة، كان واضحا مدى الحماس والترقب لدى المشجعين الأتراك. وعندما انتقل المنتخب التركي إلى فندق إقامته في بارسينغهاوزن، بالقرب من هانوفر، اصطف مئات المشجعين لتحيتهم. وحضر تدريب الفريق نحو 2500 مشجع واحتفلوا بأبطالهم بالهتافات والأعلام الوطنية.
هذا الدعم الكبير الممزوج بالتوقعات العالية التي ينتظرها الجمهور هو سلاح ذو حدين، حيث يمكن أن يكون نعمة ونقمة في آن. ولذلك يتعين على المدرب الإيطالي، فينتشينزو مونتيلا، وفريقه إدارة عمل متوازن في المنتخب التركي: يجب تحويل هذا الحماس إلى طاقة إيجابية، ولكن في نفس الوقت يجب أن لا يتحول الضغط الهائل إلى عائق أمام تحقيق النجاح ما قد يصيب الفريق بالشلل.
ما مدى قوة المنتخب التركي؟
قبل مباراته الأولى في البطولة، احتار النقاد في تقييم المنتخب التركي، من الناحية الفنية. حيث كانت عنده نتائج متناقضة خلال الأشهر الماضية، من فوز 3-2 على ألمانيا في برلين في نوفمبر/تشرين الثاني، إلى خسارة عريضة 6-1 أمام النمسا في مارس/آذار.
يقول صالح أوزجان: "أنا مقتنع جدا بالفريق. لدينا مستوى عال، سواء في الدفاع أو الهجوم". والآن بعد النصر الأول على جورجيا، يجب على الأتراك مواجهة منافسين أكثر صعوبة في المجموعة السادسة وهما البرتغال وجمهورية التشيك. ويقول أوزجان: "علينا أن نخوض المباريات بتركيز كامل". "أعتقد أنك لاحظت ذلك أمام النمسا أيضا: إذا أهدرت 2 أو 3%، (ولم تكن حاضرا 100 بالمئة، فمن الممكن أن تخسر".
وإذا نجحت تركيا في تخطي دور المجموعات، فلن تواجه المنتخب الألماني في دور الستة عشر، وستكون أول مواجهة محتملة بينهما في الدور ربع النهائي على أقرب تقدير. ولو وقع ذلك، فحينها ستكون هذه بالتأكيد مباراة أكثر خصوصية بالنسبة للاعبين الأتراك ذوي الأصول الألمانية ومشجعيهم المقيمين في ألمانيا، ولن تشبه أي مباراة أخرى يخوضها المنتخب في بطولة أمم أوروبا 2024.
أعده للعربية: ف.ي