يوشكا فيشر: كان متمرداً وأصبح بروفسوراً
٢٧ يونيو ٢٠٠٦لم يكن أحد يتوقع أن يصبح يوشكا فيشر محاضراً جامعياً في إحدى الجامعات الأمريكية المرموقة لأنه لا يحمل أية شهادة جامعية، بل إنه لم يكمل الثانوية العامة. وقد ترك مدرسته وهو في الصف العاشر وعمل كسائق تكسي. وفي شبابه التحق بالشبان المتمردين في الستينيات حيث كانت ألمانيا تعيش فترة تحول اجتماعي وسياسي عام.
فيشر المتمرد أيام شبابه
جاءت فترة شباب فيشر في زمن الانتفاضة الشبابية التي سميت بحركة 68 الطلابية نسبة إلى العام الذي حدثت فيه. وكانت هذه عبارة عن حركة احتجاج على الحرب الأمريكية في فيتنام، وضد قمع السلطات الألمانية للمسيرات الطلابية.
امتاز فيشر منذ أيام شبابه بقدرته على إلقاء الخطب السياسية التي كان لها وقعها الخاص وتأثيرها المباشر على مستمعيه.وفي أول مشواره السياسي انتسب إلى جماعة "الكفاح الثوري" المسلحة. وبدأ يشارك في المظاهرات واحتلال المنازل الخالية. وهي ظاهرة ألمانية وأوروبية ارتبطت باليسار الألماني المتشدد آنذاك. هذا اليسار كان يعتبر كل بناية فارغة ملكية عامة يحق "للشعب" الاستيلاء عليها. ولم تقتصر مشاركات فيشر على التظاهر فقط، بل استخدم العنف مع رفاقه في مسيراتهم الاحتجاجية. وقد برر تاريخه هذا بقوله: "كان ذلك الوقت زمن الاحتجاج على الحرب الفيتنامية ومحاولة اغتيال الثوري اليساري رودي دوتشكه وظاهرة المنازل الخالية، وكنا نعتقد أن العنف الذي شهدناه لا نستطيع مواجهته سوى بالعنف المضاد."
فيشر السياسي والوزير الناجح
انضم فيشر إلى حزب الخضر عام 1982 وأصبح وزيراً للبيئة عام 1987 في ولاية هيسن. ويعد ذلك أكبر تحول له في حياته السياسية لانه ورفاقه في الحزب كانوا يدافعون في الدرجة الأولى عن حماية الطبيعة من التلوث والتوسع الصناعي. كما تبنوا كذلك المبدأ السلمي وعدم استخدام السلاح في حل النزاعات العالمية. وفي عام 1998 فشل المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول في الدفاع عن الأكثرية البرلمانية وفاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة غيرهارد شرودر في الانتخابات. وعلى ضوء قرار الاشتراكيين تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الخضر أصبح يوشكا فيشر أول وزير لخارجية ألمانيا قادماً من هذا الحزب.
اعتقد الكثيرون أن السياسة الخارجية الألمانية لن تتغير بعد استلام يوشكا فيشر منصب الوزير، لكن الذي حدث أنها أصبحت أكثر فاعلية على المستويين الأوروبي والدولي. وكرر فيشر مراراً أمام نقاده أنه ليس وزيرا للخضر بل لألمانيا. وبدعم من المستشار السابق غيرهارد شرودر حاول الحصول على مقعد دائم لبلاده في مجلس الأمن، غير أن لم ينجح في إقناع معارضي فكرة حصولها على هذا المقعد. وبشكل عام يمكن القول إن فيشر ترك بصماته بقوة على السياسة الخارجية الألمانية، وهذا ما بدا واضحاً بعد أن خلفه الوزير الحالي فرانك فالتر شتاينماير، فالمراقبون يرون أن الأخير لم يصل بعد إلى المستوى الذي شهدته السياسة الخارجية الألمانية أيام فيشر.
سمير مطر