يومٌ دامٍ في السودان: ماذا وراء تصعيد العنف من قبل الجيش؟
٣ يونيو ٢٠١٩بعد حوالي شهرين من بدء الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش السودانس بالخرطوم، يبدو أن الاحتجاجات ستدخل مرحلة جديدة مع زيادة العنف و"فض الاعتصام بالقوة"، كما تتهم المعارضة المجلس العسكري، وذلك في أعنف يوم شهدته الاحتجاجات منذ الإطاحة بحكم الرئيس المخلوع عمر البشير في أبريل/نيسان.
فقد أفادت "لجنة أطباء السودان المركزية"، المرتبطة بحركة الاحتجاجات، بارتفاع عدد ضحايا عملية "فض الاعتصام" اليوم الاثنين (الثالث من حزيران/ يونيو) إلى 13 قتيلاً وأكثر من مائة مصاب، مضيفة أن عدد الضحايا "في تزايد بصورة مهولة يصعب حصرها آنياً".
ورغم نفي المتحدث باسم المجلس العسكري فض الاعتصام بالقوة، وتأكيده على رغبتهم بمواصلة الحوار مع تحالف "قوى الحرية والتغيير" المعارض، إلا أن الأخير أعلن رسمياً وقف التفاوض مع المجلس العسكري، داعياً لعصيان مدني، بدأ به البنك المركزي. وتطرح التطورات الأخيرة تساؤلات عن سبب زيادة العنف وعن مستقبل الانتقال السلمي للسلطة في السودان.
غضب وتنديد على مواقع التواصل
وتضجّ مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات تندد بهجوم القوات السودانية على المعتصمين تحت وسمَي "مجزرة_القيادة_العامة"، و"يسقط_المجلس_العسكري".
ويعتبر بعض المغردين أن المجلس العسكري حوّل فرحة العيد إلى مأتم.
في حين يشبه آخرون القوات السودانية بـ"الميليشيات".
ويتهم آخرون دولاً عربية بالوقوف وراء فضّ ساحات الاعتصام في السودان.
ثلاثة أسباب
ويرى المحلل السياسي السوداني محمد الأسباط أن تصاعد استخدام العنف من قبل الجيش السوداني يعود إلى ثلاثة أسباب. ويضيف لـ DW عربية أن "السبب الأول أن قدرته التفاوضية متواضعة جداً ولم يستطع أن يقدم أي عرض مقنع خلال مسار التفاوض ولذلك فهو يناور في حواره مع قوى الحرية والتغيير".
والسبب الثاني، بحسب الأسباط، أن المجلس العسكري "منقسم"، ويوضح: "هناك شخصيات في المجلس العسكري تريد مشاركة القوى المدنية في السلطة تنفيذاً لانتقال ديمقراطي، وهناك آخرون يريدون الاستمرار في الحكم، امتداداً لحكم البشير".
وقد تم تعليق المفاوضات بين المجلس العسكري والمعارضة في 21 أيار/مايو بسبب عدم التوصل إلى اتفاق حول تشكيلة مجلس سيادة قرروا إنشاءه على أن يتألف من عسكريين ومدنيين، ويتولى قيادة الفترة الانتقالية في السودان.
ويعتقد الأسباط أن العامل الثالث هو "تأثير المحور السعودي الإماراتي المصري الذي يؤمن تغطية دولية وإقليمية للعسكريين الذين يريدون البقاء في السلطة".
ففي نهاية الشهر الماضي قام رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان بأول زيارة خارجية له إلى كل من مصر والإمارات والسعودية منذ توليه السلطة. وأتت زيارة البرهان إلى الإمارات واجتماعه مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في أعقاب اجتماع نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حمديتي"، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
دعم بالمليارات.. لكن لماذا؟
وكانت الإمارات والسعودية تعهدتا في أواخر نيسان/أبريل بتقديم مساعدات مالية وأشكال دعم أخرى قيمتها ثلاثة مليارات دولار للسودان. وتربط البرهان و"حميدتي" علاقات بالدولتين الخليجيتين من خلال مشاركة السودان في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
ويعرب المحلل السياسي السوداني محمد الأسباط عن اعتقاده أن المساعدات التي تقدمها السعودية والإمارات للسودان "ليست من أجل التضامن العربي"، حسب وصفه. ويضيف في حديث مع DW عربية قائلا إن "للسعودية والإمارات غايات أخرى تتعلق بإجهاض الثورات العربية وهذه الأمر معلوم ومجرب وتم في مصر". ويتابع: "لوضع السودان خصوصية أخرى وهي أن هناك جنوداً سودانيين يقاتلون في اليمن ولذلك فإن هذه الدول تريد ضمان توفير جنود تحت الطلب".
ومن القوات السودانية التي تقاتل في اليمن، "قوات الدعم السريع" التي يرأسها "حمديتي" (نائب رئيس المجلس العسكري) والتي تتهمهما منظمات حقوقية بالقيام "بالإبادة الجماعية" في حرب دارفور التي بدأت عام 2003، رغم نفي حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير هذه الاتهامات حينها.
دول خفيّة؟
وقد حذّر "حمديتي"، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع السعودية والإمارات من أن دولاً وصفها بـ "المتربصة" تريد أن يكون السودان "مثل ليبيا وسوريا"، مشيراً إلى أن هناك جهات – لم يسمّها- تحاول استغلال الثورة لتحسين صورتها.
وفي حين يرى البعض أن السعودية والإمارات هي "الأيادي الخفية" وراء ما يحدث في السودان، مشبهين فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش السوداني بما جرى في رابعة العدوية في مصر،
يرى آخرون أن قطر وتركيا تقفان وراء الأحداث الأخيرة "انتقاماً لقمة مكة".
"سلاح لا يمكن مقاومته"
وأثارت الاحداث الأخيرة في السودان ردود فعل دولية واسعة، حيث أعلنت السفارة الأميركية في السودان أن الهجمات التي يقوم بها المجلس العسكري على المتظاهرين "يجب أن تتوقف"، معتبرة أن المجلس لا يمكنه "قيادة شعب السودان بشكل مسؤول".
من جانبه دعا الاتحاد الأوروبي قيادات الجيش السوداني للسماح بالاحتجاج السلمي وحث على انتقال السلطة سريعا لقوى مدنية. كما دعت ألمانيا أطراف المفاوضات إلى تجنب التصعيد والعودة إلى طاولة المفاوضات.
ويرى الأسباط أنه وفي حال استمرار استخدام العنف ضد المعتصمين من قبل الجيش، فإن السودانيين لديهم "سلاح فعّال"، في إشارة للعصيان المدني.
ويوضح في مقابلته مع DW عربية ما يقصده بذلك قائلا إن "العصيان المدني سلاح لا يمكن مقاومته من قبل أي حكومة حتى ولو كانت لديها إمكانيات كبيرة"، ويضيف: "لا يستطيع الجيش أن يقتل الناس وهم في بيوتهم أثناء العصيان، كما أن الدعم الخليجي لا يستطيع أن يفعل شيئاً عندما يغيب ملايين الموظفين عن مواقع عملهم".
محيي الدين حسين