2015..أو عندما يسعى بوتين إلى "نظام عالمي جديد"
٢٧ ديسمبر ٢٠١٥لا يحدث كثيراً أن يمدح الرئيس الروسي الولايات المتحدة. يوم السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر كان أحد هذه الأيام، حين قال بوتين، غير مصدق نفسه، إن الخطة الروسية للحل في سوريا تتفق مع الجوانب الرئيسية في الخطة الأمريكية، وإن روسيا ستدعم المبادرة الأمريكية الجديدة لإنهاء الصراع في سوريا.
قبل ذلك بيومين كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد زار موسكو وتمشى في شارع "أربات" وسط العاصمة الروسية واشترى الهدايا التذكارية، وكانت هذه صور رمزية لم تحدث منذ سنوات.
وكتبت صحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية واسعة الانتشار عن "انفراج" محتمل في العلاقات الروسية الأمريكية، التي كانت متجمدة بسب الأزمة الأوكرانية. والسؤال الرئيسي يدور بخصوص إمكانية التوصل إلى اتفاق حول مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد. الأمريكيون يطالبون باستقالته، وروسيا تدعمه بما في ذلك الدعم العسكري.
العود إلى الساحة الدولية عبر البوابة السورية
يرى الناشر الروسي قنسطنطين إيغرت في حديثه مع DW، أن"بوتين هزم باراك أوباما مجدداً". فتدخل بوتين في سوريا، فاجأ الغرب وأجبر "الولايات المتحدة على التحدث معه على قدم المساواة". كما أن زعيم الكرملين نجح في خلق واقع جديد جعل من أزمة أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم أمراً ثانويا، كما يقول إيغرت.
منذ نهاية أيلول/سبتمبر تتدخل روسيا في سوريا، حيث كانت الكلمة هناك للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وبوجود مقاتلات روسية على الأراضي السورية، فإن موسكو تعود إلى الساحة الدولية منذ انسحابها من أفغانستان عام 1989. وفي حين تقول روسيا إنها تقاتل تنظيم "داعش"، تقول الولايات المتحدة، إن القنابل الروسية تصيب مواقع المعارضة السورية وإن روسيا تزيد الوضع تعقيدا.
في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ازداد الوضع تعقيدا حين أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية من طراز سوخوي 24. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ سنوات، التي تسقط فيها دولة من حلف الناتو مقاتلة روسية. رد موسكو كان عبر فرض عقوبات اقتصادية صارمة على أنقرة وزيادة وجودها العسكري في سوريا.
نظام عالمي جديد وضد العزلة
يقول ديميتري ترينين، مدير معهد كارنجي في موسكو، إن روسيا تريد "الحيلولة دون هزيمة الأسد وسيطرة داعش على دمشق". ويرى الخبير الروسي في سياق أوسع من خطط بوتين، أنه و"كما هو الحال في أوكرانيا، فإن سوريا هي خطوة موجهة ضد النظام العالمي الحالي، الذي يقرر قضايا الحرب والسلام من خلال الولايات المتحدة وحلفائها"، ويضيف ترينين أن "بوتين كسر هذا المبدأ".
زابينه فيشر من معهد الدراسات الأمنية والاستراتيجية في برلين تتناول في تحليلها جانبا آخر وترى أن أحد أهداف روسيا من التدخل في سوريا هو "كسر عزلة روسيا لدى الغرب بسبب ضم القرم والنزاع في أوكرانيا. لكن النجاح الذي توقعته موسكو لخطتها لم يحدث. والتحالف الدولي ضد الإرهاب الذي طالب به بوتين في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يتشكل بعد". ولا تتوقع زابينه فيشر أن يتم ذلك في المستقبل، لأن "أهداف ووسائل الجهات الفاعلة مختلفة جدا".
هل تدفع أوكرانيا الثمن؟
تنظر أوكرانيا بعين الريبة إلى التقارب بين موسكو وواشنطن بشأن الملف السوري. ويؤكد سياسيون غربيون أن "المساعدة" التي تقدمها روسيا في الحرب ضد الإرهاب لن تجعلهم يستبدلون موقفهم الناقد للسياسة الروسية في أوكرانيا، بينما يرى قنسطنطين إيغرت أن "كييف ستدفع ثمن التفاهم بين موسكو وواشنطن". وشهد عام 2015 نقطة تحول في نزاع أوكرانيا حين تصاعدت حدة المعارك في شرق البلاد، مما استدعى قيام المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي بزيارة كييف وموسكو، حيث توسطا في مدينة مينسك عاصمة بيلاروسيا بين الرئيس الروسي بوتين والأوكراني بوروشينكو. وكانت النتيجة التوقيع على اتفاقية مينسك 2، لوقف القتال في شرق أوكرانيا بعد الانهيار السريع لاتفاقية سبتمبر 2014.
تعاون أم تنافس؟
اتفاقية مينسك "تهدد بموت بطيء"، يقول الكاتب الألماني فينفريد شنايدر- ديترز المقيم في كييف. وهو يتنبأ بأن يتم تجميد الصراع في شرق أوكرانيا فيما ستواصل روسيا دعم المناطق الانفصالية، لكن دون ضمها كما ضمت شبه جزيرة القرم. ويشاركه في هذا الرأي ديميتري ترينين في موسكو ويقول: "لقد انتهت ذروة الأزمة".
ويرى كثير من المحللين أن عام 2015 لم يشكل نقطة تحول في العلاقة بين موسكو والغرب، وأن التوترات من المرجح أن تدوم. وعلى الرغم من أنه سيكون هناك تعاون محدود في عام 2016 في الحرب ضد "الدولة الإسلامية"، إلا أن التنافس والمواجهة ستبقى مهيمنة على العلاقة بين روسيا والغرب.