60 عاما على معاهدة الإليزيه.. صداقة قديمة تخيم عليها خلافات!
١٨ يناير ٢٠٢٣يضغط الغزو الروسي لأوكرانيا والتبدلات التي تطرأ على النظام العالمي على العلاقات بين فرنسا وألمانيا اللتين تستعدان لإحياء الذكرى الستين لمعاهدة أسّست لمصالحة وصداقة بينهما في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويزور المستشار الألماني أولاف شولتس باريس في 22 كانون الثاني/يناير للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أن يترأسا اجتماعاً مشتركاً في ذكرى توقيع "معاهدة الإليزيه" في اليوم ذاته من العام 1963. إلا أن العلاقة التي تجمع بين هذين المسؤولَين تعد ودّية في أحسن الأحوال، لا أكثر.
"شولتس ليس أوروبياً كثيراً"
وقال عضو بارز في حزب الرئيس الفرنسي للصحافيين هذا الأسبوع، رافضاً كشف اسمه، إن شولتس "ليس أوروبياً كثيراً، هو أقرب إلى ألمانيا أولاً". من جهته، رأى جايكوب روس، الباحث في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية في برلين، أن لدى باريس انطباعا بوجود "قلة اهتمام بالعلاقة الألمانية-الفرنسية".
باتت توترات هذه العلاقة ملموسة لدى الرأي العام، اذ أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "إيبسوس" هذا الأسبوع، أن 36 بالمئة من المشاركين الفرنسيين و39 بالمئة من الألمان، يعتبرون أن العلاقات بين البلدين ليست في أفضل أحوالها.
إلا أن الإرث الذي أسسته معاهدة 1963 الموقعة بين المستشار الألماني كونراد أديناور والرئيس الفرنسي شارل ديغول، يبقى صلباً في مجالات مختلفة، من التعاون العسكري إلى التبادل المعرفي على المستوى الشبابي. ولا تزال غالبية ساحقة في البلدين تعتقد بأن التعاون بين فرنسا وألمانيا محوري بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي.
وعمل الرئيس ماكرون خلال ولايته الأولى اعتباراً من عام 2017، على محاولة استعادة مصداقية فرنسا الاقتصادية مع برلين وبروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) من خلال إصلاحات كانت أحيانا مؤلمة وغير شعبية.
وساهمت العلاقة التي نسجها ماكرون مع المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، في رسم إطار التعامل الأوروبي مع أزمة الجائحة. ودفعت الثقة الشخصية المكتسبة ماكرون الى نسج علاقات إضافية مع أطراف أخرى في أوروبا، فوقّع معاهدات ثنائية مع كل من اليونان وإيطاليا في 2021، وأضاف ثالثة هذا الأسبوع مع إسبانيا.
ورأى روس أنه من وجهة نظر الرئيس الفرنسي "اذا كانت الأمور صعبة حالياً مع ألمانيا، ولا تمضي قدماً كما كان يأمل، فسيحاول العثور على شركاء آخرين".
غزو أوكرانيا يًظهر تباينات في المواقف
ظهرت التباينات بين فرنسا وألمانيا إلى السطح في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا اعتباراً من 24 شباط/فبراير.
حاذر البلدان بداية في التضييق على روسيا، فهي أكبر مزوّدي ألمانيا بالغاز الطبيعي، وبلد تراه فرنسا قوة عالمية أساسية. لكن مع تزايد كلفة الحرب، بدأت فرنسا بإرسال مدفعية ثقيلة إلى أوكرانيا قبل أن يقوم الألمان بذلك في نيسان/أبريل الماضي، وأعلنت هذا الشهر تزويد كييف بدبابات خفيفة قبل أن تقرر واشنطن وبرلين إرسال مدرعات قتالية للمشاة.
وعلى غرار بولندا والمملكة المتحدة، تدفع فرنسا ألمانيا إلى تزويد أوكرانيا بدبابات من طراز ليوبارد-2، أو على الأقل السماح بإعادة تصدير الطراز الألماني المتوافر على نطاق واسع عالمياً.
وتوقع العديد من المراقبين أن يسرّع إعلان شولتس عن "حقبة جديدة" في السياسة الدفاعية الألمانية، التعاون بين برلين وباريس على تطوير الجيل المقبل من الدبابات والطائرات المقاتلة. إلا أن روس شدد على أنه "حتى تحت ضغط الأحداث في أوكرانيا، يبدو أن أي تحرك لم يسجّل"، مع بقاء عقود المرحلة المقبلة من تطوير الدبابات غير موقّعة حتى الآن.
بقيت فرنسا على الهامش في برنامج دفاع صاروخي أوروبي تقوده ألمانيا يعرف باسم "درع السماء"، يتوقع أن يستخدم تجهيزات ألمانية وأميركية الصنع، عوضا عن بدائل إيطالية أو فرنسية.
هوة آخذة في الاتساع
وتبدو الهوة بين فرنسا وألمانيا آيلة في الاتساع. فمع امتلاك قوة ردع نووية ومقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، لا تزال أطراف من النخب الفرنسية تنظر إلى بلادها على أنها "قوة كبرى، ربما متوسطة الحجم، لكن على المستوى ذاته مع الآخرين" الجالسين الى الطاولة، وفق روس.
في المقابل، بقيت ألمانيا راضية الى حد كبير بترك الحيّز الجيوسياسي تحت مظلة الحماية الأميركية، حيث لا تزال واشنطن تحتفظ بأسلحة نووية وزهاء 40 ألف جندي على الأراضي الألمانية.
من وجهة نظر برلين باتت الأمور "معقدة جداً لأن النموذج الاقتصادي والسياسي الألماني بات تحت الاختبار"، وفق السفير الفرنسي السابق في العاصمة الألمانية موريس غوردو-مونتانيي.
وبدأ خبراء وسياسيون في برلين بالتحذير من أن تجد ألمانيا نفسها في موقف حرج مرة جديدة، في حال قررت الصين - ثاني أكبر شركائها التجاريين - أن تحذو حذو روسيا حيال تايوان، داعين الى تنويع الأسواق الخارجية لصادرات أكبر اقتصاد في أوروبا.
ويسعى شركاء ألمانيا الأوروبيون إلى أن يبيّنوا لبرلين أنه من غير الممكن لها طرح ثقلها الاقتصادي كيفما ارتأت، شاء من شاء وأبى من أبى.
وفي العام الماضي، أعربت فرنسا ودول مجاورة أخرى عن قلقها من أن تؤدي خطة ألمانيا لدعم كلفة الطاقة لمواطنيها بقيمة 200 مليار يورو، الى إخراج هذه الأطراف من الأسواق. وحذّر غوردو-مونتانيي من أن أكثر ما يثير القلق هو أن علاقة ألمانيا وفرنسا "باتت حقيقية أقل من الماضي (...) وفقدت بعضا من دفئها".
من جهته، أشار روس الى أن عدد الأشخاص في كل بلد الذين يدرسون لغة البلد الآخر، هو في تراجع. وأضاف "في عشر أو 15 أو 20 عاماً... سيكون عدد أقل من الناس في موقع يتيح لهم تطوير فهم عميق للبلد الشريك".
ع.ح./أ.ح. (أ ف ب)