آليات عمل شبكات التهريب في ليبيا وعبر الحدود (2\2)
١ مارس ٢٠٢١وراء أحداث "رحلة الموت" التي يخوضها المهاجرون في ليبيا، تكمن الكثير من التفاصيل التي تشكل أسبابا رئيسية لتراكم معاناتهم في البلد الذي تمزقه الحروب، منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي. تلك التفاصيل لا يمكن تلخيصها في مقال أو عدد من المقالات المتابعة للأحداث هناك، لكن الإضاءة على الأجزاء الرئيسية منها واجب ليكون بين أيدي الساعين للهجرة مستقبلا صورة عما يمكن أن يتعرضوا له هناك.
قبل الانطلاق
لكل شبكة مجموعة من المخازن تحتفظ فيها بالمهاجرين قبل انطلاقهم إلى البحر. وفي كل مخزن منها قسمين، قسم للمهاجرين الفقراء، وآخر يحمل اسم "الاستراحة"، وفيه يتم وضع المهاجرين "المحظوظين" ويتم توفير كافة مقومات الحياة الكريمة لهم، من مأكل وشراب وألبسة وإنترنت، شريطة أن لا يغادروا الاستراحة بتاتا.
تتوزع تلك الاستراحات والمخازن على أطراف زوارة، وكل منها مزود بآليات مراقبة شديدة تمتد لمسافة كيلومتر مربع واحد حول المخزن، تشمل كاميرات مراقبة متطورة، وذلك لضمان عدم اقتراب أي كان من تلك البقع.
بعض تلك المخازن، خاصة تلك التابعة للمهربين الكبار، تجد أمامها سيارة عسكرية وعناصر بلباسهم الرسمي، يحرسونها ويحرصون على عدم اقتراب أي كان منها. وهنا يجب الإشارة أيضا إلى دور بعض المنتسبين للأجهزة الأمنية بعمليات تهريب البشر. فالغريب هو أن النظرة للشرطة هنا هي أنها "أكبر مهرب"، وهذا من أيام القذافي.
يتابع الكبران أخبار سفن الإنقاذ من المهاجرين الذين يتابعون صفحات تلك السفن على وسائل التواصل الاجتماعي. ثم من خلال تطبيق حركة الملاحة في المتوسط، تم تحديد مواقع تلك السفن والمسارات التي يجب على القوارب سلوكها للوصول إلى تلك المواقع.
وتشتمل عملية التحضير لانطلاق القوارب أيضا على تزويدها بوسائل تضمن وصولها لهدفها، مثل نظام تحديد المواقع (GPS) وهواتف الثريا الموصولة بالأقمار الاصطناعية. وغالبا ما تحصل الشبكات في زوارة على تلك الوسائل من مدينة صبراتة أو من تونس.
لوجستيا
تقوم الشبكات بشراء القوارب من السوق، بعضهم يقوم بتصنيعها في ورش خاصة. وتأتي المحركات من تونس بمعظمها بشكل غير شرعي، أو من مدينة صبراتة أيضا. أما أطواق النجاة فهي محصورة فقط بالشبكات المحترفة، يشترونها من "المديرية" (قسم الشرطة) التي تحتوي على كميات ضخمة من تلك الأطواق، منها خاص بجهاز الدفاع المدني وأخرى تمت مصادرتها في أوقات سابقة من محلات في المدينة. ويقوم الكبران ببيع تلك السترات للمهاجرين بمبلغ لا يقل عن 100 دينار ليبي (حوالى 20 يورو).
المراكب تختلف بحسب أحجامها، أصغرها يمكنه حمل 40 شخصا، وقد تصل إلى حدود 120. أما هواتف الثريا، يشترونها من صبراتة، مع أجهزة تحديد المواقع (الجي بي أس).
بعد تأمين تلك الاحتياجات، يتواصلون مع بعض الصيادين للتأكد من حالة الأجواء المناخية، فهم قلما يعتمدون على برامج الطقس على الهواتف أو على الإنترنت.
تأمين خط سير القارب قبل انطلاقه
بعد التأكد من حسن الأحوال الجوية، وفي حال لم يكن هناك سفن إنقاذ في المتوسط، يسيرون المراكب من المياه التونسية باتجاه لامبيدوزا. أما إذا كانت سفن الإنقاذ متواجدة، فيُصعدون المهاجرين على متن قوارب متهالكة تم إصلاحها بشكل سريع، لعلمهم أن المهاجرين لن يحتاجوها سوى لست أو سبع ساعات قبل أن تجدهم سفينة الإنقاذ. عند انطلاقهم من الميناء، يسبقهم زورق سريع تابع للبحرية الليبية، العناصر على متنه بلباسهم العسكري، ينتظرون القارب على بعد 30 ميلا بحريا، في نقطة قريبة من موقع سفن الإنقاذ التي كان قد استطلعها زورق آخر في الليلة السابقة.
يستمر الزورق بمراقبة حركة القارب إلى أن يصل إلى سفينة الإنقاذ.
بهذه الطريقة يكون المهربون قد وفروا ثمن القارب الجيد وهاتف الثريا وأجهزة تحديد المواقع، دون أن يكترثوا إلى إمكانية حصول مأساة، كأن ينقلب القارب أو يضل طريقه أثناء الإبحار.
طريقة ثانية، يحملون المهاجرين على متن قوارب صيد ويزودونهم بقارب مطاطي. ينطلق القارب إلى موقع سفن الإنقاذ، ينزلون الزورق على بعد مسافة مرئية من سفن الإنقاذ، ويجبرون المهاجرين على صعوده والتوجه إليها. وهذه طريقة مربحة أيضا للمهربين، فهم لم يشتروا قاربا خشبيا ولا أي من المعدات الأخرى المطلوبة، وبالنسبة للقارب المطاطي فثمنه لا يتجاوز السبعة أو الثمانية آلاف دينار (حوالى 1500 يورو).
بالنسبة لسائقي القوارب، هناك سائقون محترفون، ومنهم من يتم وضعهم خلف مقود القارب دون أي خبرة سابقة.
المحترفون منهم معظمهم من الجنسية المصرية من العاملين في ميناء زوارة. كل منهم يتقاضى نحو ألفي يورو مقابل إيصال القارب لسفن الإنقاذ أو للشاطئ. السائق يكون ضمن المهاجرين، ويكون معه ضمن حاجياته ملابس أخرى يستخدمها كي لا يتم التعرف عليه من قبل السلطات على أنه قائد المركب.
مثلا إذا وصل القارب إلى لامبيدوزا، لتلك الشبكات علاقات وثيقة مع عصابات التهريب هناك، فكما ذكرنا، إضافة إلى تهريب البشر هم يعملون بتهريب أنواع مختلفة من الممنوعات كالمخدرات والدخان والمشتقات البترولية، يتصل السائق بالوسيط هناك، فيتدبر له رحلة عودة إلى ليبيا على متن قارب التهريب الذي من المفترض أن يقابل نظيره الليبي في تاريخ محدد. وغالبا ما يقوم هؤلاء بتبادل المشتقات النفطية الليبية مقابل مخدرات أو دخان أو أي من البضائع الممنوعة الأخرى.
أما بالنسبة للنوع الآخر من السائقين، فهم غالبا ما يكونوا من المهاجرين، لا يتقاضون منهم أموالا مقابل رحلتهم.
المصدر: مهاجر نيوز