أئمة من الأزهر يُحيون رمضان مع المسلمين في ألمانيا
٣١ يوليو ٢٠١٢في مدينة فوبرتال بغرب ألمانيا يوجد عدد من الجمعيات الإسلامية بينها "رابطة الإسلام والسلام" التي يتبعها مسجد اسمه "مسجد السلام". وتحظى هذه الرابطة باحترام المسئولين في فوبرتال، حسب ما ذكر لـ DWالشاب محمد محمود أبو الدهب أحد القائمين على أمر تلك الرابطة، بل إنّ السياسي الألماني المعروف فرانز مونتيفيرنغ النائب السابق للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قد زارهم في مقر الرابطة قبل شهور. وحينما أراد الدكتور محمود أبو الدهب، رئيس الرابطة ووالد محمد تقديم طلبات لدى سلطات الأجانب لاستدعاء أئمة من الأزهر للصلاة برواد مسجد السلام في شهر رمضان الكريم هذا العام، وجد عوناً من قبل أحد الموظفين في سلطات الأجانب، حتى إن هذه المرة "كانت أسهل سنة تقريبا" حتى الآن، حسب تعبيره. وقال أبو الدهب الذي قدم من المراغة بصعيد مصر إلى ألمانيا قبل 36 عاما وحصل على درجة الدكتوراة في الهندسة وشهادات في الدراسات الإسلامية (قال) في حديث مع DW: إن المسئولين الألمان ربما أدركوا أن علماء الأزهر لهم أثر كبير في التعريف بالإسلام الصحيح الذي لا يخاف منه أحد. ويؤكد أبو الدهب على وجود علاقات "طيبة وقوية" بين "رابطة الإسلام والسلام" وبين السياسيين الألمان في فوبرتال وغيرها من البلدات، لدرجة أنّ بيتر يونغ عمدة فوبرتال قبل الدعوة لتناول طعام الإفطار معهم في يوم الـ 29 من رمضان الجاري.
بالعمامة والجلباب في شوارع ألمانيا!
حضر إلى فوبرتال هذا العام أربعة أئمة أزهريون وقارئ للقرآن، منهم في مسجد السلام القارئ وإمامان بينما انتقل الإمامان الآخران إلى مساجد أخرى. والتقت DWالقارئ الشيخ عبد العزيز علاوي، الذي يعمل في بلده مصر خطيبا أيضا. ولكي يرشح للحضور إلى ألمانيا كان عليه اجتياز مسابقة في وزارة الأوقاف المصرية قبل حصوله على تأشيرة الدخول ألمانيا للمهمة التي أوفد من أجلها. والشيخ عبد العزيز متعود على مثل هذه المهام فقد سبق له أن سافر في رمضان إلى بلجيكا وأستراليا وغيرهما من الدول. ويؤكد أن الجو في ألمانيا يساعده على أداء مهمته، خصوصا في ظل التجاوب الكبير الذي يلقاه من المصلين الذين يستمعون إلى تلاوته للقرآن. وأحيانا يتجول الشيخ علاوي بزيه الأزهري التقليدي في ألمانيا فيأتي إليه الألمان ليلتقطوا معه الصور.
قضاء رمضان في بلد غربي ليس بالشيء الجديد أيضا بالنسبة للشيخ عليّ عبد الستار مصطفى (38 عاما)، وهو إمام وخطيب ومدرس بمحافظة كفر الشيخ. فقد سبق للشيخ عليّ أن سافر في رمضان سابق إلى كندا، ويرى تشابها كبيرا بين الأجواء في كندا وألمانيا من حيث تمتع المسلمين بحرية ممارسة شعائرهم خصوصا في كندا التي تنتشر فيها المساجد. واجتاز الشيخ عليّ امتحانا أيضا بوزارة الأوقاف، يتضمن اختبارا في القرآن الكريم والثقافة الإسلامية، ولا يحتوى على امتحان لغة أجنبية، فامتحان اللغة موجود فقط لأصحاب "الابتعاث الخارجي الدائم" الذين يبقون في خارج مصر أربع سنوات. وبعد حصوله على تأشيرة ألمانيا أخذ الشيخ عليّ يبحث في الانترنت عن معلومات حول مدينة فوبرتال ليتعرف على المدينة التي سيقيم بها شهرا كاملا. وبعد وصوله إلى فوبرتال تجول فيها كثيرا واستمتع بتلك الجولات، ويقول إنه لو قدمت له دعوة للحضور مرة أخرى فسيلبي الدعوة بالتأكيد.
وعن نفس الطريق، طريق المسابقة، تمكن الشيخ حجاج أحمد الشبراوي (37 عاما) إمام وخطيب من محافظة الدقهلية من الحصول على فرصة الحضور إلى ألمانيا. ولما عرفت السفارة الألمانية بالقاهرة من خلال خطابات من وزارة الأوقاف المصرية بمهمة الشيخ حجاج ورفاقه استثنتهم من مسألة الانتظار الروتيني المعتادة للحصول على تأشيرة دخول إلى ألمانيا، كما يقول. وهذه أول زيارة للشيخ حجاج إلى ألمانيا، وثاني مرة يخرج فيها من مصر إطلاقا.
"على المسلمين أن يكونوا سفراء للإسلام"
عندما وطأت قدماه مدينة فوبرتال، شعر بالراحة والرضا عندما رأى المسلمين الذين يصلون معه كل يوم وليلة في مسجد السلام. ويؤكد الشيخ حجاج أن مهمة الأئمة الأزهرين المكلفين بها هي "نشر الإسلام الحنيف الوسطى المعتدل الذي قام الصحابة بنشره وأمرنا الله باعتناقه." لذلك فإن أكثر ما يتناوله هو وزملاؤه في خطبهم ودروسهم اليومية في فوبرتال هو الحديث عن مكارم الأخلاق وأخلاق الإسلام والمسلمين من تواضع ومحبة وسلام وأمن وأمان، حسب ما قال لـ DW.
ويوجه الشيخ حجاج رسالة للمسلمين في أوروبا قائلا: "أنتم خير سفراء للمسلمين لإعطاء صورة مضيئة عن الإسلام". وللغربيين المتخوفين من الإسلام فيقول لهم:" تعالوا واستمعوا إلى علماء الأزهر وسوف تجدون الأمر بخلاف ما تعتقدونه". لكن الشيخ الأزهري الذي درس في قسم الدراسات الإسلامية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، يعترف بأن الأوضاع في البلاد الإسلامية من ظلم وجهل واستبداد تقدم تبريرات لمن يريد أن يسيء الظن بالإسلام والمسلمين. ويلقي الشيخ حجاج باللائمة على الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين التي "لم تهتم بنشر قيم الإسلام في بلادها، واكتفى قادتها بحضور المناسبات الدينية فقط "
أئمة من خارج ألمانيا أم من داخلها؟
المشايخ الذين يأتون من خارج ألمانيا ليؤموا المسلمين في رمضان وفي غير رمضان ليسوا من مصر فقط. فهنا في ألمانيا توجد جاليات كبيرة من تركيا وبلاد المغرب العربي، ولذلك يأتي أئمة من تلك البلدان للقيام بالمهمة ذاتها. ويرحب كريستيان وهو ألماني اعتنق الإسلام بوجود أئمة من الأزهر في فوبرتال، ويتمنى أن تستمر هذه التجربة طويلا "لأنها شيء جيد وأنا مسرور بها."
لكن ألا يوجد أئمة في ألمانيا يستطيعون القيام بدور الأئمة الأزهريين أو غيرهم ممن يفد من خارج البلاد؟ على هذا السؤال أجاب سعيد أنديش، وهو مغربي يتردد على مسجد السلام منذ عام 1988، بالقول بأن المسلمين الأتراك في ألمانيا نجحوا في توفير أئمة من قلب ألمانيا. فهم يرسلون أبناء لهم إلى تركيا ليتعلموا العلوم الإسلامية ويحصلوا على شهادات، ثم يعودوا "ليتولوا وظائف الإمامة في المساجد التركية."
وجدير بالذكر أن ألمانيا بدأت مؤخرا في فتح كليات جامعية لتخريج أئمة للدين الإسلامي، يتحدثون اللغة الألمانية ويفهمون الثقافة الألمانية ويقوم بالتدريس في هذه الكليات متخصصون مسلمون وغير مسلمين، عرب وغير عرب. ويرى أنديش أن الصواب هو أن يقتصر التدريس لتخريج الأئمة على الأساتذة المسلمين فقط، ومن يجيدون اللغة العربية إجادة تامة وكاملة، ويعرب عن خشيته من أن يقدم الأساتذة غير المسلمين "أفكارا مغلوطة عن الإسلام."
أما الدكتور صبحي المساح وهو أستاذ جامعي مصري متخصص في المباني الخضراء والطاقة المتجددة ومقيم في فوبرتال منذ قرابة 25 سنة، فيقول إنه صاحب فكرة استدعاء الأئمة هذا العام وكان يريد أن يستدعي عشرة أئمة، لكن تم الاكتفاء بأربعة فقط. وأضاف في حواره مع DWأنه التقى شيخ الأزهر، وتكلم معه حول نشر القرآن الكريم بجميع اللغات وزيادة عدد المبعوثين من الأزهر إلى البلاد الغربية لنشر العلم والثقافة الإسلامية.
صلاح شرارة
مراجعة: عبده جميل المخلافي