أدوار ومحطات من حياة الأمير سعود الفيصل
تولى الأمير الراحل سعود الفيصل منصبه عام 1975 وبقي على رأس الدبلوماسية السعودية أربعين عاما عاصر خلالها أربعة ملوك وأحداثا كبيرة. لكن المرض اضطره إلى طلب إعفائه من منصبه بعد أن أصبح أقدم وزير خارجية في العالم.
ظل الأمير سعود الفيصل مهندس السياسة الخارجية السعودية لأربعة عقود عاصر خلالها أربعة ملوك سعوديين ورسم سياسة المملكة وتحديد مواقفها تجاه حروب وأحداث تاريخية كبيرة شهدتها منطقة الشرق الأوسط.
ساهم الأمير سعود الفيصل بفعالية عام 1989 في عقد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية التي تزامن اندلاعها عام 1975 مع توليه منصبه كوزير للخارجية السعودية. وظل داعما للبنان واستقراره وشارك في مؤتمرات دعم لبنان مثل مؤتمر المانحين الذي عقد عام 2002 في باريس بمشاركة رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري.
عام 2002 دعم الفيصل وساهم بشكل كبير في بلورة مبادرة الملك عبد الله التي قدمها للقمة العربية في بيروت لحل المشكلة الفلسطينية والسلام مع إسرائيل مقابل انسحابها من كل الأراضي المحتلة وتسوية مشكلة اللاجئين. وقال لإسرائيل في ذلك الوقت إنها إذا قبلت الاقتراح فستقيم المنطقة كلها سلاما معها وتعترف بحقها في الوجود. وكان يعتبر من مؤيدي سياسة الحذر إزاء اسرائيل.
القضية الفلسطينية كانت تشغل الفيصل كثيرا وكان حريصا على دعم الفلسطينيين وتوحيد صفوفهم ولعب دورا كبيرا في المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي دعا قادتها إلى المملكة وبحث معهم إنهاء الخلافات مع حركة فتح وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
كان الأمير سعود الفيصل يتمتع بعلاقات جيدة مع فاروق الشرع نائب الرئيس السوري والذي كان قبل ذلك وزيرا للخارجية. وقد لعبا دورا كبيرا في إقامة علاقات جيدة بين بلديهما. لكن بعد اندلاع الثورة السورية وتأييد السعودية والفيصل نفسه للمعارضة السورية انقطعت العلاقة بينهما ولم يلتقيا بعد ذلك.
الأمير سعود الفيصل لم يكن مؤيدا لتسليح المعارضة وإسقاط الأسد بالقوة فقط، وإنما كان يدعو لإيجاد حل سلمي أيضا للأزمة السورية ومن هنا كانت مشاركته في مؤتمر جنيف 2 حول سوريا.
وكان الأمير معروفا باتزانه وهدوئه ودبلوماسيته الماهرة، لكنه كان صارما في نفس الوقت. فرده بحزم على رسالة بوتين حول سوريا إلى القمة العربية في شرم الشيخ معروف، حيث قال: "هو يتكلم عن المشاكل التي تمر بالشرق الأوسط وكأن روسيا ليست مؤثرة على هذه المشاكل (...) يمنحون من الأسلحة إلى النظام السوري ما هو فوق حاجته لمحاربة شعبه (...) آمل أن يصحح الرئيس الروسي خطابه".
كان الأمير سعود الفيصل حريصا على إقامة علاقات جيدة مع دول الجوار من بينها العراق، رغم مواقف صدام والحكومات اللاحقة السلبية من السعودية وخاصة المالكي. حرص رئيس الدبلوماسية السعودية على تحسين العلاقات مع العراق والتقاء مسؤولين عراقيين كما هنا في الصورة مع الرئيس العراقي فؤاد معصوم ووزير الخارجية ايراهيم الجعفري.
مصر كانت دائمة مهمة للسعودية والعلاقة بين الدولتين قوية وكان للوزير الراحل دور بارز في ذلك. لكن بعد إسقاط نظام مبارك ومجيء الرئيس المعزول محمد مرسي أصبحت العلاقة فاترة بين البلدين، حتى الإطاحة به وتولي قائد الجيش السابق عبدالفتاح السيسي الرئاسة حيث دعمته المملكة وعاد الدفء إلى العلاقة بين البلدين.
كما لعب الأمير الراحل دورا كبيرا في رسم سياسة المملكة تجاه اليمن والحرص على استقراره ولاسيما في السنوات الأخيرة. وحين دخل الحوثيون إلى صنعاء وانقلبوا على الرئيس عبد ربه منصور هادي، اتخذ الفيصل والمملكة موقفا حازما واستقبلت هادي وحكومته ووفرت له ملاذا في الرياض وقادت تحالفا عربيا لمحاربة الحوثيين.
الأمير سعود الفيصل الذي كان يرتدي الثياب السعودية التقليدية عادة، كان أثناء زياراته خارج الدول العربية غالبا ما يرتدي الثياب الرسمية الغربية كما في هذه الصورة مع نظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون في واشنطن.
علاقة الراحل العربية والدولية كانت قوية ليس مع نظرائه من وزراء الخارجية وإنما مع الرؤساء والملوك والأمراء أيضا مثل ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز الذي لم يستقبل الفيصل ويلتقيه في بريطانيا فقط وإنما زاره في السعودية أيضا.
ألمانيا كانت دائما شريكا اقتصاديا قويا للسعودية، ومنذ توليه منصبه كان الراحل يستقبل وزراء خارجية ألمانيا في الرياض. والوزير الحالي فرانك فالتر شتاينماير زار المملكة والتقى الأمير سعود الفيصل عدة مرات. وقد نعته السفارة الألمانية في الرياض ووصفته بـ"رجل الدولة الذي يحظى بالتقدير".
نعى الكثير من الرؤساء ووزراء الخارجية في العالم الأمير سعود الفيصل وأثنوا عليه مثل الرئيس أوباما الذي قال إن "أجيالا من المسؤولين والدبلوماسيين الأمريكيين استفادوا من وجهة نظره الثاقبة وشخصيته وهدوئه وصفاته الدبلوماسية". أما وزير الخارجية الأمريكي جون كيري فقال "أكن له شخصيا الكثير من الإعجاب وأثمن صداقته ونصائحه الحكيمة" مضيفا أن "إرثه كرجل دولة أو كدبلوماسي لن ينسى".
ولد الامير سعود عام 1940 وحصل على إجازة في الاقتصاد من جامعة برينستون الأمريكية عام 1964. وقد تنحى عن منصبه بعد أربعة عقود لكبر سنه (75 عاما) ومعاناته من مشاكل صحية وصعوبات في الكلام والمشي. كان يتقن إلى جانب اللغة العربية، الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية والعبرية. وفارق الحياة في الولايات المتحدة في الـ 09 من تموز/ يوليو 2015.