"أزمة أدوية" ـ تونسيون يخوضون كفاحا بلا أسلحة ضد السرطان
١٩ أكتوبر ٢٠٢٢تسابق حبيبة الزمن للظفر بموافقة وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل أن يخضع زوجها الى حصص العلاج الموجه ضد السرطان. تقول حبيبة إن زوجها بحاجة الى الدواء المستورد من الخارج قبل بدء حصص العلاج الكيميائي حتى لا تحدث مضاعفات مفاجئة له.
وبعد أن تخلت الصناديق الاجتماعية عن تغطية قيمة هذا الدواء تلقائيا لمرضى السرطان بسبب كلفته الباهظة، أصبح لزاما على المرضى التقدم بطلبات الى الوزارة لتنظر بشأنها لجنة متخصصة قبل أن تقرر العدد المحدد من المرضى الذين يحق لهم الحصول عليه. ويعتمد في ذلك على عدة معايير.
وبعد أن تم رفض طلبها في المرة الأولى تقدمت حبيبة بطلب ثاني بينما يحتاج زوجها الى بدء العلاج في فترة لا تتعدى الستة أشهر من تاريخ الكشف عن المرض. وفي حال تجاوز تلك الفترة لن يكون بمقدور الأطباء المخاطرة بحياته.
تروي حبيبة لـ DW عربية معاناتها اليومية مع الإدارة والإرهاق بادي على وجهها، وتقول "لم نحصل بعد على جواب من الوزارة. نشعر وكأننا في متاهة من أجل الحصول على الدواء. نصحنا الأطباء بأن نباشر حصص العلاج الكيميائي حتى لا نتأخر أكثر. لكن أنا وأبنائي الأربعة نخشى من حدوث الأسوأ لزوجي".
كابوس يهدد العائلات الفقيرة
ومثل حبيبة تقطعت السبل بالآلاف من مرضى السرطان في تونس بين المستشفيات والإدارة من أجل الحصول على العلاج الأمثل لحالاتهم في ظل ندرة الأدوية وتدني الخدمات في المستشفيات العمومية.
وفق بيانات الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، أن تونس شهدت 19 ألف اصابة جديدة بمرض السرطان في 2020، الأمر الذي يجعل العدد الإجمالي للمرضى يقفز، وتسبب هذا المرض في وفاة 12 ألف شخص في نفس العام مقابل 10 آلاف في 2018.
وبينما تحصر المنظمة العالمية فرص الشفاء من أمراض السرطان بحالات الكشف المبكر عنه مع توفر الرعاية اللازمة والعلاج المكثف، فإن العائق الكبير الذي يعاني منه المرضى في تونس هو تباعد المواعيد الخاصة بالعلاج وتعطل أجهزة المسح الضوئي في الكثير من المستشفيات العمومية والضغط على أسرة العلاج.
وفي بلد يبلغ فيه حوالي أربعة ملايين مواطن من بين قرابة 5ر11 مليون نسمة، خارج نظام التغطية الصحية والاجتماعية فإن فرصة الحصول على تشخيص مبكر للمرض يصبح أشبه بضربة حظ.
وتقول حبيبة إن زوجها لم يتفطن الى آثار المرض إلا بعد أن فقد الكثير من وزنه، ولذلك هو في حاجة الى أن يبدأ العلاج في اقرب وقت ممكن وسيكون محظوظا في حال حصل على الدواء ليباشر العلاج الموجه.
وفي حين تلجأ العائلات الميسورة الى حلول خاصة عبر إرسال أقاربهم الى الخارج للتداوي، تكافح العائلات الفقيرة وحتى متوسطة الدخل من أجل تدبر أمرها. ويمثل مستشفى "صالح عزيز" بالعاصمة الوجهة الرئيسية للمرضى من كافة أنحاء البلاد باعتباره المركز الوحيد المتخصص في مقاومة الأمراض السرطانية.
على الرغم من الدعم المالي الذي خصصته الحكومة التونسية منذ بدايات تأسيس دولة الاستقلال لقطاعي الصحة والتعليم بالأساس، إلا أن اهتراء البنية التحتية والأزمة المالية المتراكمة أثرا كثيرا على الخدمات بهاذين القطاعين.
ويعلق على ذلك العضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في حديثه مع DW عربية بالقول "هناك نقص كبير في أدوية الامراض النادرة والمزمنة
وفي الكثير من الأحيان تخلت الدولة بشكل غير مباشر عن دورها الاجتماعي في دعم هذه الأدوية ولم تعد متوفرة في صيدليات المستشفيات العمومية، لذلك يضطر المرضى الى اقتنائها في الصيدليات الخاصة بعدة أضعاف سعرها المدعم".
لكن مع الارتفاع القياسي للتضخم (تجاوز 9 بالمئة في أيلول/سبتمبر) وكلفة المعيشة في خلال سنوات قليلة لم يعد هذا الأمر متاح للجميع.
ويتابع بن عمر في تعليقه بأن أزمة شح الأدوية استفحلت بشكل أكبر خلال فترة انتشار وباء الكوفيد 19 لكنها استمرت بعد ذلك في المستشفيات العمومية بسبب نقص الموارد المالية لدى الصيدلية المركزية ونقص السيولة في المالية العمومية.
ديون وفساد وبيروقراطية
تفيد بيانات جمعية الصيادلة عن فقدان أكثر من 500 صنف من الأدوية في نهاية عام 2021 بعد أن كان في حدود نحو 200 صنف في شباط/فبراير من نفس العام، من بينها أدوية لأمراض مزمنة وخطيرة مثل السكري وضغط الدم والسرطان.
وفي حين يقدر حجم الأدوية الموردة من الخارج بنحو 500 مليون دولار، ما يمثل تقريبا نصف الاحتياجات الوطنية من الأدوية، فإن إجمالي ديون الصيدلية المركزية تجاه المزودين الخارجين بلغت مع نهاية 2021 نحو 700 مليون دولار.
بحسب تفسيرات الصيدلية المركزية، التي تملك حصرا مهمة تزويد المؤسسات الاستشفائية العمومية، فإن الأزمة مركبة تتداخل فيها عدة عوامل من بينها الافتقادللمواد الأولية لمصنعي الأدوية.
يترافق ذلك مع صعوبات هيكلية إدارية ترزح تحت وطأتها الصناديق الاجتماعية لعدة سنوات ما تسبب في تأخر خلاص فواتير المستشفيات والصيادلة وتراكم الأزمة المالية، وهو ما أدى إلى عجز مالي كبير.
ومع أنه تم تقليص هذا العجز من حوالي 1 مليار دينار تونسي (حوالي 312 مليون دولار أمريكي) قبل 2019 الى 158 مليون دينار تونسي في 2021، إلا أن تأمين التوازن المالي لهذه المؤسسات لا يزال بعيدا، وفق ما ذكره رئيس مدير عام الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية كمال المدوري.
وتظل أكثر الانتقادات التي تساق الى هذه المؤسسات هو ضعف الحوكمة وغياب نظام الرقمنة ما أدى الى تفشي الفساد وعمليات تهريب منظمة للأدوية في المستشفيات العمومية.
وتقول رئيسة "جمعية مرضى السرطان" روضة زروق إن قطاع الصحة في تونس حصل على تمويلات ضخمة دون أن يكون لذلك أثر على الخدمات "بسبب الفساد الكبير الذي ينخر القطاع".
ويكشف المتحدث باسم الجمارك العميد هيثم الزناد في حديثه لـ DW عربية أنه غالبا ما يتم ضبط شحنات مهربة من الأدوية على الحدود الشرقية مع ليبيا عبر معبري الذهيبة وراس جدير وترتبط هذه العمليات بالنقص الحاصل للأدوية داخل ليبيا.
بارقة أمل..عقار فعال لعلاج السرطان
ولا تقتصر عمليات التهريب على أدوية حساسة وإنما تشمل كامل الأدوية المدعمة بما في ذلك الأدوية البسيطة ولا سيما منها أدوية أمراض السكري، وفق إفادة العميد.
بصيص من الأمل في الإصلاحات
تتمسك حبيبة بأمل الحصول على الدواء لزوجها، لكن الأمر أكثر تعقيدا لعدد كبير من المرضى الذين باتوا يعولون على مساعدة الجمعيات في رحلة كفاحهم ضد المرض الفتاك.
ولمساعدتهم في الحصول علىالأدوية
المفقودة أطلقت "جمعية مرضى السرطان" صفحة على موقع التواصل الاجتماعي حتى يتم تجميع الأدوية من المتبرعين من تونس ومن الخارج وتبادلها بين المرضى. وتقول زروق إن حوالي 80 بالمئة من المرضى لا يحصلون على الأدوية من الصيدليات.
ولا يخفي العضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، عنصر آخر أثر بشكل كبير على ندرة الأدوية الحساسة، وهو اهتزاز ثقة المزودين في الخارج في الدولة مع تأخر سداد الديون وعدم إيفاء الحكومات المتعاقبة بالتزاماتهم.
ولا يتوقع بن عمر أن يفضي الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 9ر1 مليار دولار الى حلحلة الوضع لجهة أن هذه السيولة ستوجه، في تقديره، أولا الى توفير ما أمكن من المواد الأساسية المفقودة في الأسواق والحفاظ على توافر الطاقة والوقود.
ما رأي خبراء التغذية في الاستعاضة بالطعام عن الدواء؟
ويوضح الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق محسن حسن في حديثة مع DW عربية أنه بعد الأخذ بعين الاعتبار أزمة المالية العمومية وتراجع الترقيم السيادي لتونس، فإن المزودين بدأوا يشترطون طرق دفع مختلفة من بينها الدفع المسبق.
ووفق الخبير فلا توجد مؤشرات واقعية لنهاية الأزمة على المدى القصير، إذ يتوقع سنة صعبة للغاية في 2023 للمالية العمومية بسبب تواصل الأزمة العالمية وارتفاع خدمة الدين الخارجي لتونس الى مستويات قياسية ما يعني استنزافها لمصادر النقد الأجنبي عوض توجيهها الى استثمارات.
ويضيف محسن حسن "إن اتفاق القرض على مدى أربع سنوات، أن حصل اتفاق نهائي في اجتماع المجلس التنفيذي في ديسمبر المقبل، قد يعطي بصيصا من الأمل مع أنه سيكون مرتبطا بتقدم الإصلاحات المطلوبة".
ولكن الأمر الإيجابي في تقدير وزير المالية الأسبق، أن الاتفاق قد يتيح لتونس الولوج الى مصادر تمويل دولية مع المؤسسات المالية العالمية أو في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف ما سيسمح بإمكانية تجاوز الأزمة وقتيا. ويضيف الخبير بتحفظ "على المدى المتوسط والبعيد فإن الأزمة ستظل قائمة ما لم نقم بإصلاحات اقتصادية جوهرية ذات جدوى وقيمة".
تونس – طارق القيزاني