أزمة الشرق الأوسط تضع العلاقات الأوروبية الأمريكية أمام محك جديد
٢٦ يوليو ٢٠٠٦أظهر الصراع الحالي في الشرق الأوسط تباينا في المواقف الدولية. فمن ناحية يطالب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بوقف إطلاق النار كما ينادي دعاة السلام إلى التحرك لإيقاف تدمير لبنان بالقنابل الإسرائيلية، وذلك في أعقاب التصعيد العسكري الذي بدأ منذ نحو أسبوعين بعد أن أسر حزب الله اثنين من الجنود الإسرائيليين. ومن ناحية أخرى يظهر الجانب الأمريكي مساندة قوية لإسرائيل، ويعطيها كل الحق في "الدفاع عن نفسها"، وذلك من أجل "مصلحة المنطقة".
ومع ارتفاع ضريبة الموت التي يدفعها مئات اللبنانيين من حياتهم ومع اضطرار مئات الآلاف إلى ترك منازلهم، يشعر الكثير من الأوروبيين بالإحباط من غياب المساندة الأمريكية لمساعيهم، كما يتخوفون من ازدياد المشاحنات والكراهية والتي لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة في الشرق الأوسط.
البعض يعتقد أنه رغم محاولة الأوروبيين لتخطي مخاوفهم واتخاذهم مواقف إيجابية فإن صدعا جديدا قد يظهر بين ضفتي الأطلنطي. في هذا السياق يقول مسئول ألماني عمل بقرب مع الولايات المتحدة الأمريكية: "لا أحد يريد أن يتكرر ما حدث مع العراق. نريد أن تكون للولايات المتحدة الأمريكية الزعامة لأنها الوحيدة القادرة على هذا الأمر. والآن كل ما نفعله هو الانتظار ونحن نتمنى ألا يتكرر الأمر بعد كل ما قمنا به لتخطي الأزمة السابقة".
تغير في السياسة الأمريكية
منذ أسبوعين كانت الصورة أكثر انسجاما بين ضفتي الأطلنطي، حيث ظهرت الوحدة والصداقة القوية بين الولايات المتحدة وألمانيا أثناء حفل الشواء الذي حضره كل من المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الأمريكي جورج بوش في شترالزوند في ألمانيا. كما نجح الأوروبيون في جذب الأمريكيين للموافقة على موقف موحد من التصعيد العسكري في الشرق الأوسط أثناء قمة الثماني في روسيا. موقف موحد لكنه ضعيف ومتناقض يتلخص في إصدار إعلان مشترك يدعو إلى إنهاء الأزمة مع التأكيد مجدداً على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
ولكن الخلاف في المواقف أخذ يبرز حين أوضح بوش موقفه المختلف، فقد ركز على الجهود الإسرائيلية في تحييد المقاتلين قائلاً: "الأمر الهام في هذه الأزمة هو أنها أوضحت الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، كما أنها أوضحت العلاقة بين حزب الله وبين سوريا وإيران، والعلاقة بين سوريا وإيران أيضاً". وأضاف "يجب أن ينصب اهتمام العالم على السبب الرئيسي للأزمة من أجل حلها".
ويعد هذا الموقف مخالفاً لموقف الحكومات السابقة للولايات المتحدة حيال العنف في المنطقة، حيث كانت دائماً ما تطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وهذا هو أكثر ما يقلق الأوروبيين. ويقول هينينج ريكه الباحث في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية: "الاتحاد الأوروبي لا يمكنه إلا تقديم المساعدات المادية لمشاريع التنمية وإعادة البناء، لكن لا يمكنه التدخل في خضم الصراع. الولايات المتحدة فقط هي التي يمكنها التدخل المباشر، وهي للأسف لا تريد ذلك".
واشنطن ترى الصراع من زاوية مكافحة الإرهاب
وباستثناء موقف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، يطالب معظم الأوروبيين بوقف إطلاق النار بسبب الكارثة الإنسانية التي حلت بلبنان، كما أنهم يخشون تصاعد الأزمة وتوسعها لتشمل المنطقة بأكملها. كما أنهم يخشون في الوقت نفسه الموقف الأمريكي الذي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التوتر بين العالم الإسلامي والغرب، وقد يؤدي إلى مزيد من الإرهاب عندما يرى المسلمون مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل دون المطالبة بوقف قتل إخوانهم. لكن بعض المراقبين يجدون موقف بوش مبرراً، من بينهم روبرت آيرز، خبير أمن في مركز أبحاث شاتهام هاوس بلندن: "الدبلوماسية لم تؤد إلى نتيجة في العشرين عام الماضية، ولم تحل أي مشكلة في المنطقة. وبالرغم من المحاولات الإسرائيلية للتعايش مع جيرانهم، إلا أنها مازالت عرضة للهجوم. كما أن القاعدة تعمل في كل مكان في العالم منذ وقت طويل".
مشكلة الأوروبيين مع وجهة النظر الأمريكية هي هذا التركيز الدائم والوحيد على قضية الإرهاب، دون النظر للأبعاد الأخرى للمشكلة. منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 والرئيس الأمريكي بوش جعل من الحرب على الإرهاب نقطة ارتكازه الأولى في دعايته الانتخابية. وفي هذا الصراع يتجاهل بوش الأهداف الوطنية لحزب الله الشيعي اللبناني ولحركة حماس الفلسطينية، كما أنه يرى في محاولات إسرائيل للقضاء على حزب الله الأساس في القضاء على الإرهاب والوصول بالمنطقة إلى الاستقرار.
أوروبا عاجزة عن التدخل بسبب "التاريخ"
بعض الخبراء يجدون أن الأوروبيين في موقف حرج، غير قادرين على التصرف بشكل قيادي لإنهاء الأزمة بدون تدخل من الولايات المتحدة الأمريكية. ففرنسا التي كانت تحكم لبنان طويلاً وتدخلت في السنوات العشر الأخيرة لإنهاء التدخل السوري فيها، لا تُعامل من جانب إسرائيل كجهة محايدة، وكذلك روسيا التي ساندت الفلسطينيين كثيراً في الماضي. أما ألمانيا، على سبيل المثال، فلا يمكنها توجيه أي اتهام لإسرائيل حتى وإن كان المسئولون الألمان مستاءين من الكارثة الإنسانية التي تحدث في لبنان. ميركل كانت حريصة في أحاديثها حول الصراع في الشرق الأوسط أن تزين كلامها بدعم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". "الألمان مازالوا يشعرون بالذنب نحو إسرائيل وما حدث لليهود. وهذا يجعلهم في موضع ضعف" يقول آيرز، ويضيف: "وحتى إذا ما طالب الأوروبيون بوقف إطلاق النار، لا أجدهم يقدمون حلول فعالة أو يعرضون التدخل المباشر".
معظم المراقبين لا يتوقعون أن تتسبب الأزمة الحالية في الانشقاق نفسه الذي حدث منذ ثلاث سنوات أثناء حرب العراق، حيث أن الجو العام مختلف والموقف مختلف. يقول المسئول الألماني: "سيكون هناك توتر مضمر والكثير من التحركات الدبلوماسية خلف الكواليس، لكن بوش تعلم الدرس كما أن ميركل ليست شرودر ".