أسبوع المناخ في دبي.. فرصة أخيرة لدول المنطقة قبل الكارثة؟
٣٠ مارس ٢٠٢٢انطلقت في دولة الإمارات أعمال "أسبوع المناخ الإقليمي الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022"، بحضور عدد كبير من المسؤولين في المنطقة، إضافة لعدد من رؤساء المنظمات التابعة للأمم المتحدة وخبراء ومهتمين بقضية التغير المناخي من جميع أنحاء العالم.
ويعدّ أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022 جزءًا من سلسلة أسابيع المناخ الإقليمية لعام 2022، والتي تتضمن اجتماعات في مناطق مختلفة من العالم.
محاور المؤتمر
يناقش المؤتمر الدولي، والذي يعقد في دبي، في الفترة ما بين 28 و 31 مارس/آذار الجهود الدولية الحثيثة للتصدي لظاهرة التغير المناخي ومناقشة تبعات الأزمة واقتراح حلول عاجلة وفعالة لها، وذلك ضمن روزنامة العمل الدولية التي تأتي في أعقاب الدورة 26 من مؤتمر COP الذي عقد في غلاسكو نوفمبر/ الماضي وبعد عدة "أسابيع للمناخ" عقدت في أماكن مختلفة.
وقالت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في بيان لها إن مؤتمر "أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022 يعد منبرا للحكومات والمدن وقادة القطاع الخاص والمؤسسات المالية والمجتمع المدني لمناقشة فرص المضي قدمًا بعد الوباء، من خلال تحديد الفرص لتعزيز العمل المناخي. ويجمع الحدث أصحاب المصلحة الرئيسيين لتقييم العمل المناخي في المنطقة، واستكشاف الفرص والتحديات المناخية، وعرض حلول طموحة".
ومن المقرر أن يناقش المشاركون في المؤتمر عدة محاور أهمها: تمويل العمل المناخي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والخيارات التكنولوجية من أجل التحول العادل والشامل للجميع إلى نُظُم الطاقة المتجددة، والعمل المناخي التحويلي من خلال استخدام تكنولوجيات سلسلة الكتل (Block Chains) وأهمية التعافي المرن والأخضر من جائحة كوفيد-19.
وخلال المؤتمر، قدمت وزارة الاقتصاد وحماية البيئة الألمانية جلسة دارت حول تعزيز اقتصاد الهيدروجين من خلال الشراكات الدولية؛ كما ركزت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" في جلستها على دور الطاقة المتجددة في تحفيز العمل المناخي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحسب صحيفة البيان الإماراتية.
أزمات مخيفة تهدد المنطقة
بحسب تقرير للبنك الدولي، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم عرضة لمخاطر تغير المناخ. وذلك بسبب ندرة المياه فيها (أعلى معدلات الندرة في العالم)، ونظراً لاعتمادها الكبير على الزراعة الشديدة التأثر بالمناخ، وارتفاع نسبة السكان، والأنشطة الاقتصادية التي تتمركز في المناطق الحضرية الساحلية المعرضة للفيضانات.
ويذهب أحدث تقييم للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أنه من المتوقع أن يصبح المناخ أكثر حرارة وجفافاً في معظم أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات هطول الأمطار إلى زيادة تكرار موجات الجفاف وحدتها، وهو ما بدأ يحدث بالفعل في منطقة المغرب العربي.
وخلال المؤتمر، أوضح مدير مجموعة تغير المناخ في البنك الدولي، فينكاتا بوتي، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أكثر المناطق عرضة لتغير المناخ، لذلك يعدّ "أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022" منصة لا غنى عنها. وقال، إن البنك الدولي يتطلع إلى قيادة المشاورات حول الإجراءات الوطنية والمناهج الاقتصادية لتحقيق الانتعاش الأخضر المستدام وإزالة الكربون.
وتثير ظاهرة تغير المناخ أيضاً الكثير من التحديات أمام مدن المنطقة التي تشكل مراكز للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وقد يؤثر ارتفاع منسوب مياه البحر على كثير من المدن الساحلية في المنطقة، وبخاصة في الأماكن المنخفضة في مصر وتونس.
وتزداد المخاوف في مصر بشكل خاص بشأن التأثير المحتمل لزيادة منسوب مياه البحر على دلتا النيل. وتذهب التقديرات إلى أن ارتفاع منسوب البحر 50 سنتيمتراً أمام سواحل الدلتا قد يؤدي إلى تشريد أكثر من مليوني شخص، وإغراق 1800 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية، وإحداث أضرار تقدر قيمتها بنحو 35 مليار دولار. كما يرجح أن تتعرض مرافق البنية التحتية الاستراتيجية لتخزين المياه مثل بحيرة ناصر لزيادة معدلات التبخر وارتفاع خطر تكرار الفيضانات.
وفي الكويت، بلغت درجة حرارة إحدى مناطق شمال غرب البلاد 54 درجة مئوية، لتصبح بذلك ثالث أعلى درجة حرارة مسجلة على كوكب الأرض - أعلى درجة حرارة في التاريخ الحديث. وفي العام الماضي ، كان هناك 19 يومًا ارتفعت فيها درجات الحرارة في الكويت إلى 50 درجة مئوية أو أعلى ، وفقًا لخدمة التنبؤات AccuWeather.
وكان تقرير من معهد "وورلد ريسورسز" أفاد بأن نحو ربع سكان العالم في 17 دولة يعانون من أزمة مائية خطيرة قريبة من "اليوم صفر". ومن هذه الدول قطر ولبنان وإيران والأردن وليبيا والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان.
دور مهم لحكومات المنطقة
خلال افتتاح المؤتمر، قال الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي: "إنّ هذه الفعالية تقدم منصة مثالية لمناقشة تحديات المناخ الرئيسية، واقتراح حلول ذكية لها استناداً إلى العمل المناخي المستمر والطموح"، بحسب ما نشر موقع المؤتمر.
وقالت مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة الإماراتية: "إن تجربة المجتمع الدولي في مواجهة جائحة كورونا أكدت للجميع أن التعاون والتنسيق والعمل الجماعي هو السبيل لمواجهة كافة التحديات، وبالأخص تحدي التغير المناخي الذي لا يهدد صحة البشر فحسب، بل صحة كوكب الأرض ككل".
البنك الدولي أكد في تقرير له أن الاستثمار في مشروعات البنية التحتية وتبادل المعارف وإصلاح السياسات هي ثلاثة مجالات عامة يمكنه ونظراؤه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التعاون فيها لإحداث تأثير في أجندة التكيف مع تغير المناخ والتنمية المنخفضة الانبعاثات الكربونية خلال العقد القادم.
وقبل عدة أعوام، تم إنشاء المركز العربي لسياسات تغير المناخ (ACCCP) خلال الدورة الوزارية الثلاثين للإسكوا في 28 حزيران/ يونيو 2018، واستند القرار إلى العمل الذي تم إنجازه من خلال الدعم الفني وخدمات تنمية القدرات التي قدمتها الإسكوا إلى الدول العربية في مجالات تقييم تغير المناخ والتكيف معه والتخفيف من آثاره والمفاوضات حوله.
ومؤخراً، تعهد وزراء البيئة العرب بتحضير خطط إقليمية ووطنية للتخفيف من آثار التغير المناخي، إلا أن الإجراءات الاحتياطية في العالم العربي لتفادي الآثار السلبية لتغير المناخ محدودة حتى الآن. وباستثناء تونس والمغرب والجزائر التي أقامت مشاريع لتحويل الطاقة الشمسية والرياح إلى طاقة كهربائية، وباستثناء أبو ظبي التي خططت لمدينة خالية من الانبعاثات الغازية، لم تبذل حكومات الدول الأخرى في هذا الإطار مجهودا يذكر.
لكن على جانب آخر، وبحسب تسريبات لوثائق اطلع عليها فريق التحقيق التابع لمنظمة السلام الأخضر (غرين بيس) فإن عدة بلدان تنتج الفحم والنفط واللحوم وعلف الحيوانات حاولت التدخل لتعديل تقرير الأمم المتحدة التاريخي عن المناخ قبل صدوره في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وذلك قبيل أيام من انعقاد مؤتمر COP26 بحسب ما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية.
وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة أظهرت التسريبات أن منتجي الوقود الأحفوري بما في ذلك أستراليا والسعودية وإيران واليابان ضغطوا على الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) لإزالة التوصيات التي يحتاجها العالم للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
وتشير الوثائق إلى أن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، التي تضم في عضويتها العراق والكويت وليبيا ونيجيريا والإمارات وفنزويلا، أيدت إضعاف توصيات التقرير بشأن الوقود الأحفوري، فيما حاول كبار منتجي اللحوم والألبان تغيير الرسائل حول الفوائد المناخية للترويج للأنظمة الغذائية النباتية.
حلول واقعية؟
لن تتوقف الاجتماعات الدولية لمناقشة قضية التغير المناخي والحد من تأثيراتها على الجميع وخصوصاً الدول الفقيرة. لكن وبحسب الخبراء فإن الحكومات يقع عليها العبء الأكبر في ذلك من خلال تنفيذ برامج لإنتاج الطاقة الخضراء والحد تدريجياً من استخدام الوقود الأحفوري وتقليل الانبعاثات الحرارية والالتزام بمخرجات مؤتمر COP الأخير؛ وخاصة وقف ارتفاع درجات الحرارة في العالم بأكثر من درجة ونصف مئوية.
ويقول الدكتور مجدي علام الخبير البيئي الدولي إنه "رغم ما شهدته المنطقة العربية طيلة العقود الماضية من ارتفاع شديد في درجات الحرارة، وهو ما ينبئ بمزيد من الجفاف والتصحر، فإننا لم نلحظ جدية في الشعور بحجم المشكلة، وهو الوضع الذي بدأ يتغير مع تفاقم المشكلة"، مضيفاً أن "الشيء الإيجابي أن بعض الدول بدأت تبحث عن الحلول للتعامل مع المشكلة، لأنه خطر قادم لا محالة"، بحسب ما نشر موقع صحيفة العين الإماراتية.
ومن الحلول التي بدأت تتخذها الدول العربية هو الاتجاه إلى زراعة النباتات المتحملة للحرارة المرتفعة، كما تجري مراكز الأبحاث جهوداً لإدخال الجينات المسؤولة عن تحمل الحرارة في بعض النباتات إلى نباتات أخرى، كما يؤكد الدكتور علام.
أيضاً أكد الخبراء على ضرورة خفض انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري إلى الصفر بحلول عام 2050 على أبعد تقدير، وأن على الدول الأغنى فعل ذلك على نحو أسرع. وبحلول عام 2030، يجب أن يصل مقدار الانبعاثات الغازية في العالم إلى نصف مقدارها في عام 2010.
فيما أكد تقرير لمنظمة العفو الدولية ضرورة التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري (الفحم، والنفط، والغاز) في أسرع وقت ممكن، وضمان أن تجرى التدابير المتخذة لمواجهة التغير المناخي على نحو لا ينتهك حقوق الإنسان لأي فرد، وعلى نحو يقلص الظلم لا أن يزيده.
عماد حسن