أطباء يعالجون مجانا الوافدين عديمي التأمين الصحي في ألمانيا
٦ مارس ٢٠١٧البنت ماريا ينتابها بعض الخوف وتحاول التشبث بحضن أمها. الرجل الذي يرتدي بدلة زرقاء لا يريد إلا وضع السماعة على صدر البنت التي عمرها سنتين، لأن ماريا تعاني من نزلة برد قوية. الطبيب كلاوس بيستور يبتسم وينحني في اتجاه الطفلة ويهدؤها إلى أن وافقت على إجراء الفحص الذي تم على أحسن وجه.
الطبيب بيستور هو واحد من طاقم الفريق المكون من 15 عنصرا يعملون بصفة طوعية في عيادة "مالتيزر لعلاج الوافدين" إلى ألمانيا التابعة للكنيسة الكاثوليكية بمدينة دويسبورغ. وهو واحد من الأطباء الثمانية، بينهم أربعة أساتذة سابقين والباقون هم ممرضات ومترجمون. الطبيب بيستور كان في السابق أستاذا في علاج الكليتين بجامعة إيسن ورئيس الأطباء في مستشفى بمدينة مورس. والآن يعمل الرجل البالغ من العمر 76 عاما بصفة طوعية لصالح خدمة مالتيزر الطبية. والعيادة التابعة لهذه الخدمة الطبية مسؤولة عن تغطية الخدمات الطبية لكافة منطقة الرور في وسط غرب ألمانيا.
مشروع مؤقت في حي "به مشاكل"
الطبيب بيستور سبق وأن اعتنى مع زملائه بوافدين إلى ألمانيا، وبدأ تلك المهمة في حي ماركسلو في مدينة دويسبورغ غربي ألمانيا. وهناك استقبل المرضى، وأحيانا في مرة واحدة في الأسبوع تجاوز عددهم 120 شخصا. "هناك ضيق متزايد وإقبال كبير، وحتى من ناحية الموظفين لم نعد قادرين على إنجاز المهمة، وبالتالي قبلنا بكل سرور عرض خدمة مالتيزر الطبية السخي للعمل هنا في هذه العيادة"، كما يذكر بيستور."المشروع في حي ماركسلو "المعروف بسمعته غير الجيدة" كان مؤقتا. "هناك في الحقيقة فقط تطبيب طارئ يموله مصرف الكنائس"، يضيف زميله غونتر ياكوبي، الأخصائي في المسالك البولية.
والناس بالعيادة في دويسبورغ يرتدون ألبسة بالية. ولا أحد من بين الذين ينتظرون تلقي فحص طبي يملك تأمينا صحيا، والغالبية تنحدر من رومانيا وبلغاريا. وفي الغالب يتعلق الأمر بعمال متنقلين رمت بهم الأقدار إلى دويسبورغ. والكثير من الناس يقيمون بصفة غير قانونية في ألمانيا، وهم يتلقون على الرغم من ذلك الفحوصات الطبية، لأن الأمر يرتبط برعاية ناس يعانون من المرض.
مستويات مرض متقدمة
"كثير من المرضى الذين يأتون إلينا يعانون من أمراض أكثر مما هو عليه الحال في الكشف داخل العيادة العادية"، يقول نائب مدير أعمال خدمة مالتيزر الطبية في دويسبورغ، بنيامين شرايبر، مضيفاً: "غالبا، ينتظر الناس طويلا وبالتالي تزداد شدة المرض". وتتراوح الأمراض بين الالتهابات المختلفة وآلام القلب والدورة الدموية إلى أمراض أخرى مزمنة. ويقول الأخصائي في المسالك البولية ياكوبي: "غالبا ما يتوقف المرضى في رومانيا عن أخذ الأدوية، ولا يأخذونها طوال أسابيع. إما أن يكون من المستحيل الاتصال بطبيب أو أنّ المال ينقصهم".
قطرات في بحر
وتُعد الرعاية الطبية لهؤلاء الناس في مدينة مثل دويسبورغ ضرورية. والبلدية لا تملك الأموال الكافية ويأتي إليها فقراء أكثر للسكن في المدينة. وتفيد بعض التقديرات أن نحو 17 ألف شخص في دويسبورغ يعيشون من دون تأمين صحي. ولذلك فإن التنويه يأتي من وزيرة الصحة في ولاية نورد راين فستفاليا باربارا شتيفينس التي تعتبر أن هذا العرض للناس في دويسبورغ وحتى في منطقة الرور يغطي ثغرة في الرعاية الطبية.
هذا المشروع لم يحصل إلا على دعم من الولاية من خلال دفعة مالية بقيمة 60 ألف يورو التي كانت كافية تحديدا لتجهيز العيادة، حيث توجد الآن أجهزة لفحص القلب ويمكِّن ذلك من إجراء عمليات جراحية صغيرة. ولا يتم تقديم الأدوية إلا في الحالات الطارئة. أما مواد اللقاح للأطفال مثلا فيتم عرضها من قبل مدينة دويسبورغ لأسباب وقائية. ويقول مدير أعمال المشروع شرايبر: "نحن نعول على التبرعات". ويصبح الأمر معقدا عندما يكون شخص ما مجبرا على الذهاب إلى المستشفى، لأن خدمة مالتيزر الطبية هي التي تكون مطالبة كمؤسسة أحالت المريض على المستشفى بدفع تكاليف العلاج. ويحاول الأطباء تجاوز هذه المحنة باستخدام شبكات التواصل مع أطباء آخرين.
عيادة خدمة مالتيزر في دويسبورغ ـ واحدة من بين 17 في ألمانيا ـ تتعاون مع مؤسسات أخرى تقدم المشورة الطبية بالمجان للمرضى. والعمال المتنقلون عبر أوروبا -أو الذين يعملون لصالح شركات بصفة مؤقتة- هم من يكونون في الغالب من دون تأمين صحي رغم أنه يحق لهم ذلك.
الطبيب كلاوس بيستور لا تهمه هذه الإشكاليات بقدر ما يريد التركيز على المرضى والمساهمة بعمله في اندماج الوافدين، ويقول: "نأمل أن يندمجوا وأن يذهبوا إلى المدرسة ويصبحوا هنا أناسا سعداء".
كارستن غرون/ م.أ.م