أقباط ومسلمو حي شبرا - حنين للماضي وخوف من منغصات التعايش
١٣ يناير ٢٠١١تقطن الحاجة فاطمة في حي شبرا وتمتلك فيه عقارا، وتقول الحاجة فاطمة البالغة من العمر 78 عاما وأختها زينب البالغة من العمر 69 عاما، في حوار مع دويتشه فيله إنهما نشأتا وتربيتا في المنزل مع الأسرة القبطية التي تؤجر الشقة بجانبهم والمكونة من آمال وزوجها "رزق الله" وأبنائهم. لكن الحاجة فاطمة لا تخفي إنزعاجها مما يُتداول عن حوادث تنافر بين المسلمين والأقباط!.
وفي حديثها لدويشته فيله تقول الجارة القبطية ميرفت التي تعيش مع زوجها في شقة والديها بعد رحيلهما، أنها تربت منذ الصغر مع أبناء الجيران المسلمين وكانت والدتها آمال تسافر لأهلها في الصعيد وتتركها مع الأسر المسلمة بالمنزل وكانت تعيش مع صديقاتها المسلمات في المدرسة بسلام وحب ويتشاطران أسرار الارتباطات العاطفية، وهي تلقي باللوم على "أيادي خفية" تعبث بقصة تعايش عريقة بين المسلمين والأقباط.
قصة التعايش في حي شبرا
بمجرد ذكر اسم حي شبرا الشهير الذي يقع في شمال القاهرة يتبادر إلى الذهن على الفور شوارع طوسون ومسره والدوران وقصر محمد علي، وأشهر الكنائس مثل سانتا تريزا والعذراء، ومسجد نصر الإسلام بميدان فيكتوريا ومسجد الفتح بميدان الخلفاوي، فالحي يعيش فيه عدد كبير من الأقباط إلى جانب المسلمين منذ القدم.
وكانت الأفلام والمسلسلات القديمة باللونين الأبيض والأسود تظهر فيها شبرا منطقة راقية تستوعب كافة الديانات ويعيش فيها الأقباط والمسلمين في حالة تسامح جلية، إلا أن الأحوال تغيرت وبرغم وجود تقاليد تسامح لازالت موجودة بين البعض، إلا أن هناك تغيرات حدثت وبدأ يراها سكان الحي الذي يعد حاليا من أكثر الأحياء ازدحاما بالبشـر والمحلات التجـارية والمنشآت حيث يبلغ عدد سكانه حوالي 6 مليون نسمة أكثرهم أقباط وبها 23 كنيسة، وهو أكبر عدد كنائس في دائرة جغرافية ضيقة في البلد.
وفي زيارة لإحدى العمارات السكنية القديمة بإحدى حارات الحي تمتلكها الحاجة فاطمة البالغة من العمر 78 عاما وأختها زينب البالغة من العمر 69 عاما، أكدت الأختين لدويتشه فيله أنهما نشأتا وتربيتا في المنزل مع الأسرة القبطية التي تؤجر الشقة بجانبهم والمكونة من آمال وزوجها "رزق الله" وأبنائهم.
وتقول الحاجة فاطمة وأختها انهما كانتا تتشاركان مع جيرانهما الأقباط لحظات السعادة والحزن وتتبادلن الأطعمة وتقمن معا بعجن الفطائر في الأعياد الإسلامية والقبطية، ولم يكن هناك العبارة التي تتردد حاليا والتي تصفها الحاجة فاطمة بالموضة الجديدة "هذا مسلم وهذا قبطي أو لا نأكل من طعام الأقباط أو المسلمين"، وأضافت "كنا نتبادل النكات دون أي حساسيات مفرطة مثلما نسمع الآن".
الخطاب الديني بالمساجد والكنائس
وتعتقد الحاجة فاطمة وشقيقتها زينب أن الخطاب المتبع حاليا في المساجد والكنائس خلق حالة تعصب لدى كل طرف وأصبحت الأجيال الجديدة من الجانبين تظن انها تحمل على عاتقها مسؤولية الدفاع عن دينها. وتقول زينب لدويتشه فيله أن الشكل الجغرافي لحي شبرا تغير هو الآخر وساهم في حالة الاحتقان لأنه في السابق كانت البيوت القديمة ذات المعمار التقليدي أبوابها مفتوحة معظم الوقت وكان كل فرد يعرف جاره ويتبادل معه الزيارات، أما الآن فلا أحد، في العمارات الحديثة، يعرف عن جاره سوى اسمه وأحيانا لا يعرفه أيضا، كما تقول.
وتقول زينب في نبرة يعلوها الآسى "زمن الحارة القديمة في شبرا تغير وحل محله زمن الشوارع الكبيرة التي يعيش الكل فيها غرباء حتى بين المسلمين أو الأقباط أنفسهم".
وتعلق الحاجة فاطمة بأن المشكلة أيضا أننا اصبحنا نسمع عن مظاهرات مسلمين بسبب حبس قبطيات أعلن إسلامهن أو العكس، مشيرة إلى "أنه في الماضي كنا نعرف أناس في الحارة تنصرن أو أسلمن دون كل هذه الضجة..فالدين في القلب" على حد قولها.
ومن جهتها ترى الجارة القبطية ميرفت التي تعيش مع زوجها في شقة والديها بعد رحيلهما، أنها تربت منذ الصغر مع أبناء الجيران المسلمين وكانت والدتها آمال تسافر لأهلها في الصعيد وتتركها مع الأسر المسلمة بالمنزل، وكانت تعيش مع أصحابها المسلمات في المدرسة بسلام وحب ويتشاطران أسرار العلاقات العاطفية والمسائل الحميمية، مشيرة إلى أن هناك الآن "أيادي خفية تعبث بعقول الأجيال الجديدة عبر الإنترنت والتكنولوجيا الجديدة وتحدث تشويشا في أفكارهم الأمر الذي ساهم في تغير الأحوال بشكل سلبي" واعتبرت أن غياب "طرف معتدل من الجانبين يرد على هذه الأفكار بوسيلة إعلامية قوية ومحترمة" يساهم في تفشي الأفكار السلبية، كما تقول ميرفت.
تأثير الإعلام
ومن جهتها ترفض سميرة ابنة الحاجة فاطمة هذه الآراء وتؤكد أنه يتم حاليا المبالغة في هذه الأمور، مشيرة إلى أن هناك قلة تغيرت ولكن الأغلبية خاصة في حي شبرا لا تفرق أو تهتم إذا ما كان الآخر قبطي أو مسلم، وكمثال على ذلك أن معظم سكان الحي، مسلمين وأقباط، يترددون على مستشفى مارمرقس الشهير وكل أطبائه أقباط.
وتقول سميرة "الجميع بالمستشفى يتعاونون لمساندة المريض الذي يتألم دون معرفه ديانته أو ما إذا كانت المرأة ترتدي حجابا أو تضع الصليب على رقبتها، وعندما يسقط فرد في الشارع يهب الناس لمساعدته دون أن يسألوه عن ديانته".
ولكنها تتفق مع ميرفت في وجود حالة من التخبط يعيشها الشباب والفتيات حاليا بسبب بعض الفضائيات ومواقع الإنترنت التي تبث التطرف لدى المسلمين والأقباط، وتؤكد ميرفت أن من البعض من الذين يخرجون في مظاهرات ويرفعون شعارات تبدو في ظاهرها وكأنها دفاع عن دينهم هم لا يعرفون المعني الحقيقي لأية من القرآن أو الإنجيل.
عزلة "مفروضة" على الأقباط
من جهتها ترى ناريمان الطالبة بكلية الآداب والتي تقطن بجانب كنيسة العذراء بالحي انها كمسلمة تتعامل بصورة طبيعية مع زملائها الأقباط بالجامعة، رافضة أن توجه كل التهم تجاه المسلمين وحدهم وتصفهم بالتعصب خاصة بعد الأحداث الأخيرة.
وترى في حوارها مع دويتشه فيله أن الأقباط هم من يبتعدون عن المسلمين وأصبح لديهم مجتمعات موازية، فهناك الآن بشبرا عمارات للأقباط فقط يرفضون أن يسكن فيها مسلم وعلى واجهتها صلبان، وهناك رحلات للأقباط فقط تنظمها الكنيسة وحضانات أيضا. بينما يعتقد جورج الطالب بكلية الآثار أن المسلمين هم من دفعوا الأقباط للتقوقع والعزلة لأنهم جعلوهم يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم في تجمعاتهم.
ومن جهته يرى الخبير الاجتماعي هشام سليمان والذي يقطن أيضا في حي شبرا أن التغيرات التي طرأت على العلاقة بين الأقباط والمسلمين بالحي لا تنفصل عن سياق عام أوسع يشمل كل مناحي الحياة في مصر. ويضيف سليمان في حوار مع دويتشه فيله أن ما تشهده مصر من صدام وتصعيد وتبني خطابات متطرفة لا يمكن فصلها عن النسيج العام للمجتمع المصري الذي شهد تحولات جذرية منذ بداية عملية الانفتاح في منتصف السبعينات.
ويعتقد الخبير المصري أن كل طرف له مبرراته تجاه التعصب للآخر الآن، فالمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 أصبحوا في حالة دفاع عن النفس بشكل متصاعد، ويرون أن الأقباط يسيطرون على عدد من المجالات الاقتصادية، على سبيل المثال على قطاع الذهب في حي شبرا وأنهم "يستقوون دائما بالغرب". بينما يرى الأقباط أنهم أقلية مضطهده لا تستطيع حتى بناء كنائسها دون وجود عراقيل. ويرى سليمان أن غياب الدولة والقوانين وانتشار نبرة التعصب في خطب المساجد والكنائس جعلت كل طرف يخلق "دولته" الخاصة.
نيللي عزت – القاهرة
مراجعة: منصف السليمي