ألمانيا - التحدي الديمغرافي والانعكاسات على سوق العمل
١٩ يوليو ٢٠١٢تُشغل شركة السكك الحديدية الألمانية Deutsche Bahnأكثر من 190 ألف عامل، نصفهم في الخمسين من العمر أو أكثر. و يعني ذلك أن عددا كبيرا من العاملين المتقدمين في السن سيترك الشركة خلال السنوات القليلة القادمة، ما قد يؤدي الى حدوث عجز في القوى العاملة.
ومن أجل مواجهة هذا التحدي الذي تفرضه التركيبة الديمغرافية في ألمانيا قامت شركة Deutsche Bahn بالعديد من الإجراءات والتدابير لسد هذا العجز والحد من النقص المتوقع في اليد العاملة خلال السنوات القادمة. ومن أهم هذه التدابير، تقول زيغريد هويدورف المسؤولة عن قسم التعويضات والسياسة الاجتماعية للشركة، في تصريح لها لموقع DW إنه "لمن الأهمية بمكان الاستفادة من العاملين المتقدمين في السن لأطول وقت ممكن، وهنا يمكن للتكوين المهني المستمر أن يلعب دورا أساسيا."
كفاءات المتقدمين في السن والحوافز
الاستثمار في مشاريع التكوين المهني المستمر ودورات التدريب الإضافية بهدف تشجيع الأطر المهتمة هو توجه تشاطره مجموعة من الشركات الألمانية الكبرى، وعلى رأسها شركة Daimlerلصناعة السيارات وشركة BASFللصناعات الكيماوية. وهذا ما تؤكده كريستينا أنغر من المعهد الألماني للأبحاث الإقتصادية، حيث إنها أجرت مجموعة من الدراسات والإستطلاعات التي تعنى بالتحول الديمغرافي وكيفية مواجهته من طرف الشركات الألمانية. وارتبطت أهم الأسئلة التي طرحتها في هذا الشأن على أرباب الشركات والمسؤولين عن شؤون العاملين بمدى فعالية مردودية العاملين المتقدمين في السن ودورهم داخل الشركات؟. وأكدت الباحثة وجود " صورة إيجابية حول العاملين المتقدمين في السن في معظم الشركات الألمانية". وتضيف الخبيرة كريستينا أنغر أن أقل من 8 بالمائة فقط من المسؤولين الذين استطلعت آراؤهم، تحدثوا عن وجود نقص في حماس العمل لدى المتقدمين في السن وعن انعكاس ذلك سلبا على مردوديتهم الإنتاجية.
مشاركة النقابات في الحوار
و بالتعاون مع النقابات وممثلي العمال يفكر مجلس إدراة شركة السكك الحديدية BahnDeutscheحاليا في وضع نماذج لتكوين مهني إضافي يركز على العاملين والمستخدمين المتقدمين في السن، بما يناسب قدراتهم الجسدية والمعرفية أيضا. خاصة وأن حجم مشاركة هذه الفئة من العاملين في دورات التكوين المهني ضعيف، كما تقول زيغريد هويدورف، بسبب بعض الإجراءات التي اتخذتها الشركات في السابق، مثل خفض عدد ساعات العمل للمتقدمين في السن في إطار تحضيرهم لفترة التقاعد وعدم تشجيعهم على اندماج مهني أكبر داخل الشركات. غير أن هذا النهج، على حد تعبير زيغريد، لم يعد يواكب التحديات الديمغرافية الحالية والمستقبلية، مما يعني " أنه يجب علينا بدل المزيد من الجهود الرامية إلى إدماج العاملين المتقدمين في السن والاستفادة من خبرتهم لأطول وقت ممكن."
التحديات الديمغرافية
و هذا ما تسعى إليه أيضا شركة Daimler لصناعة السيارات والتي تشغل أكثر من 000 250 مستخدم، أغلبيتهم في ألمانيا. فبالإضافة إلى إجراءات العناية الصحية تقول سفيينيا فيلكه المتحدثة باسم الشركة في تصريح لها لموقع DW: " إن التكوين المهني المستمر ودورات التدريب الإضافية من أهم ركائز السياسات التي تنهجها الشركة بخصوص شؤون العاملين". فمنذ عام 2008 هناك مشروع خاص في فرع الشركة في مدينة بريمن يعنى بشكل خاص بقضايا العاملين المتقدمين في السن وإمكانية الاستفادة منهم بشكل فعال، يراعي في نفس الوقت حاجيات العاملين ويفتح لهم آفاقا جديدة تتناسب مع قدراتهم المعرفية والجسدية. وهذا ما استخلصته أيضا كريستينا آنغر من المؤسسة الألمانية للاقتصاد عندما لاحظت أن التكوين المستمر أو التدريب داخل بيئة عمل هؤلاء يكون أفضل " خاصة عندما لا يتخذ ذلك طابعا رسميا صارما، فعندها يكون العاملون أكثر فعالية ومرونة." وهذا النهج يعد بأن يكون أكثر نجاحا من المشاركة في الدورات التدريبية الطويلة، مضيفة أن " العديد من الشركات الألمانية أصبحت تأخذ ذلك بعين الاعتبار أيضا، حيث تحاول خلق مناهج وطرق جديدة لجذب العاملين المتقدمين في السن وتشجيعهم على المشاركة في دورات التكوين المهني."
انعكاسات سلبية على الاقتصاد الألماني
ومع توقع المعهد الألماني لأبحاث الإقتصاد بحدوث تراجع في معدل النمو السنوي للناتج المحلي بمستوى 0.4 إلى 0.5 في المائة خلال العشرين سنة المقبلة بسبب التحدي الديمغرافي، تشير الدراسات من جهة أخرى إلى أن نصف هذا العجز يمكن تعويضه من خلال إجراءات التكوين المستمر وإيجاد ظروف مرنة للعاملين الكبار والاستفادة من خبرتهم لأطول وقت ممكن.وهذا ما تؤكده الخبيرة كريستينا أنغر في تصريحها لموقع DWفهي ترى أن: " تشجيع إدماج العاملين المتقدمين في السن في التكوين المهني الإضافي سيكون له انعكاسات إيجابية على العاملين أنفسهم، وعلى الشركات وعلى المجتمع بأكمله.
وحسب دراسات استراتيجية أجرتها المعهد الألماني لأبحاث الإقتصاد فإن هذه الإجراءات التحفيزية من شأنها أن تعطي دفعة كبيرة للنمو الاقتصادي الألماني يقدر آلاف المليارات. ولهذا فإن الحفاظ على السلامة الذهنية والجسدية للعاملين المتقدمين في السن وإدماجهم في السياسة المستقبلة للشركات هو استثمار فعال وضروري.
كلاوس أولريش/ أمين بنضريف
مراجعة: عبدالحي العلمي