ألمانيا تتساءل.. هل فشلت أنظمة الإنذار في تحذير الضحايا؟
١٧ يوليو ٢٠٢١جاءت السيول هادرة عارمة ليلاً لتفاجئ ألاف الأشخاص في منازلهم مدن وقرى ولايتي شمال الراين ويستفاليا وراينلاند بفالس بغرب ألمانيا على حين غرة. وحاصرتهم قوة تيارات المياه في أقبية المنازل والطوابق الأرضية وجرفت الهاربين منها أو حتى منازلهم بأكملها، ما خلف أكثر من 100 قتيل وتسبب في فقدان أثر مئات آخرين.
وقد يتساءل المرء هنا: ألم تكن هناك تحذيرات أو صفارات إنذار أو حتى تحذيرات بمكبرات الصوت؟ عن هذا تنقل صحيفة "بيلد" الألمانية عن بعض الناجين أن مثل هذه التحذيرات لم تكن موجودة أو أتت متأخرة بعد فوات الأوان.
لكن – سؤال آخر هنا: هل يعقل أن يحدث هذا في بلد باتت التقنيات المتطورة وقدرته على إدارة الكوارث مرادفاً لاسمه مثل ألمانيا؟ وذلك على الرغم من تحذيرات خبراء الأرصاد الجوية قبل الكارثة بأيام قليلة من كميات المطر المتساقطة.
في مطلع الأسبوع الذي شهد الكارثة، أصدر النظام الأوروبي للتحذير من الفيضانات المسمى اختصاراً EFAS تحذيراً من "فيضانات شديدة". في هذا السياق توجه مجلة "بوليتيكو" عن أستاذة علم المياه "الهيدرولوجيا" حنّا كلوك من جامعة ريدينغ البريطانية المرموقة الاتهام لهيئة الحماية من الكوارث في ألمانيا والمناطق المتاخمة، قائلة إن هذا العدد الكبير من الضحايا جاء نتيجة "فشل كبير في أنظمة الإنذار".
وتضيف كلوك: "توقعت إخلاء السكان، وليس أن يموت هذا العدد الكبير من الناس في فيضان ونحن في عام 2021"، موضحة أن تحذير EFAS كان من "الفئة القصوى"، ما يعني أن حياة الكثيرين كانت في خطر. وتستدرك الأستاذة البريطانية بالقول إن هذا التحذير لا يعني تلقائياً ضرورة الإخلاء، فهذه هي مهمة السلطات المحلية، "لكن في مثل هذه الحالات يجب أن تكون مستعداً للإخلاء في أي لحظة. وهذه هي الطريقة التي تعمل بها إدارة الكوارث".
هل تكفي تطبيقات الإنذار فعلاً؟
سؤال آخر من الأسئلة الكثيرة التي تدور في رأس كل من يشاهد آثار الكارثة. ومن الضروري هنا معرفة أن الجهة المسؤولة عن أنظمة التحذيرات هو المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة من الكوراث التابع لوزارة الداخلية الألمانية. وتدير هذه الهيئة منذ 2015 تطبيق NINA للإنذار من الكوارث بالسرعة القصوى، كما هو مخطط له.
++ تغطية متواصلة: فيضانات ألمانيا وأوروبا ـ حصيلة القتلى والمفقودين في ارتفاع++
وهذا التطبيق يعمل مكملاً لأنظمة أخرى مثل صفرات الإنذار ومكبرات الصوت والتوجيهات عن طريق الإذاعة. ويقول بعض المسؤولين في المناطق المنكوبة أن التطبيق أطلق تحذيراً بالفعل. في هذا السياق يقول توماس لينيرتس، رئيس دائرة الإشراف والخدمات، في مقابلة مع محطة RND: "كانت هناك تحذيرات من خدمة الأرصاد الجوية الألمانية يوم الأربعاء الماضي، كما أطلق تطبيقا NINA وKatwarn تحذيرات، ومع ذلك اعتقد الكثير من الناس أن الطابق السفلي من المنزل فقط قد يمتلئ. لكن مستويات المياه التي كانت عالية مثل تلك الموجودة في نهر الآر لم نشهدها من قبل، وقد فوجئنا جميعاً. يوم الأربعاء سيطرت جميع الهيئات وإدارة العمليات على الوضع إلى حد كبير. لكن الوضع تغير ليلة الخميس بشكل كبير لدرجة أننا واجهنا مشكلة كبيرة. لا يمكنك اتخاذ العديد من الإجراءات الاحترازية مقارنة بكمية المياه المتساقطة من السماء".
ويضيف لينيرتس بالقول: "ارتفعت مستويات المياه في الأنهار بسرعة كبيرة لدرجة أننا لم نتمكن من إجلاء الناس على الإطلاق. وأعاق انقطاع شبكة الهاتف والتيار الكهربائي عمليات الإخلاء والإنقاذ بشكل كبير، إذ لم نتمكن من الوصول إلى العديد من الأشخاص. ما زلنا نكافح مع هذا في العديد من المناطق، وهذا أيضاً أحد أسباب فقدان الكثير من الأشخاص".
لكن من يستخدم هذا التطبيق على هاتفه الذكي؟ بالتأكيد أن كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة لا يعرفونه أصلاً، مقارنة بصفارات الإنذار ومكبرات الصوت وأشكال الاتصال الأخرى التي كان سيلاحظها أكبر عدد ممكن من الناس. فمثلاً في مدينة فوبرتال بغرب ألمانيا أٌطلقت صفارات الإنذار، كما تقول متحدثة من إدارة المدينة لصحيفة "بيلد" الألمانية، مضيفة: "أطلقنا صفارات الإنذار من أجل تحذير الناس ليلاً، وإضافة إلى ذلك جابت طرقات المدينة سيارات بمكبرات صوت لتحذير السكان من كارثة قادمة". كما تلقت الإذاعة المحلية في المساء رسالة من إدارة الكوارث في المدينة تقول: الوضع خطير بشكل غير مسبوق. وهو ما عملت الإذاعة على نقله إلى مستمعيها بشكل مستمر.
كارثة مبرمجة منذ عام
تقول تقارير إعلامية أنه في العشرين من أيلول/ سبتمبر من العام الماضي اتضح جلياً أن ألمانيا تعاني من خلل كبير في أنظمة الإنذار. فخلال ما يُسمى بـ "اليوم السنوي للإنذار" كان من المخطط أن يتلقى مستخدمو تطبيقي NINA وKatwarn للإنذار رسالة تجريبية في الساعة الحادية عشر من ذلك اليوم، وأن تنطلق صفارات الإنذار في القرى والمدن. لكن أي شيء من ذلك لم يحدث.
وإثر ذلك اعترف المكتب الاتحادي للحماية من الكوراث بـ "فشل التجربة بشكل جسيم" وعزت ذلك إلى "مشكلة فنية"، كما أوضحت وزارة الداخلية الاتحادية آنذاك ووعدت بـ "معالجة الأمر بشكل تام". كما أسفر الأمر عن إقالة رئيس المكتب حينئذٍ كريستوف أونغر، ليخلفه في منصبه خبير الشؤون الداخلية في حزب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الديمقراطي المسيحي آرمين شوستر.
وفي مارس/ آذار الماضي وعد وزير الداخلية هورست زيهوفر بـ "تعزيز الحماية المدنية في ألمانيا" وبـ "إعادة تنظيم المكتب الاتحادي للحماية من الكوارث"، معلناً أنه سيضخ ما مقداره 88 مليون يورو لأجل "إقامة شبكة من صفارات الإنذار". وكان من المقرر إعادة تجربة "اليوم السنوي للإنذار" في سبتمبر/ أيلول 2022.
ع.غ/ ع.ج.م