ألمانيا- جدل حول حق التصويت اعتبارا من عمر 16 سنة
٥ يونيو ٢٠٢٣"القانون الأساسي" أي الدستور الألماني واضح: "من يبلغ سن الثامنة عشرة له الحق في التصويت". ومع ذلك، هناك كثير من الشباب لا يرغبون في الاكتفاء بهذا. إنهم مسيسون ويخرجون للشارع من أجل حقوقهم ويصلقون أنفسهم بأرضية الشارع من أجل أهدافهم – مثل شباب "الجيل الأخير". فلماذا لا يحصلون أيضا على الحق الكامل في التصويت عند بلوغ سن السادسة عشرة، حتى في انتخابات البرلمان الألماني؟
هذا المطلب مدعوم من قبل أحزاب الائتلاف الحاكم. حيث ذكر الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الحزب الليبرالي) في عقد تأسيس الائتلاف: "نرغب في تغيير الدستور لخفض سن الانتخاب الإيجابي (التصويت) للبرلمان الألماني (بوندستاغ) إلى سن السادسة عشرة". أما الاتحاد الألماني لحماية الأطفال والمؤسسة الألمانية لمساعدة الأطفال فهما أكثر تطرفًا في مطالبهما، حيث ترغبان في منح حق التصويت ابتداءً من سن الرابعة عشرة.
غير ان السماح بحق التصويت اعتبارا من سن الرابعة عشرة أمر مبكر جدا بالنسبة للتلميذة رايه لنجونوم. وقالت لنجونوم لـ DW. "لكن أن يكون لي الحق في المشاركة في انتخابات البرلمان الألماني عند بلوغ سن السادسة عشرة، فسيكون هذا شيئاً رائعاً بالنسبة لي". وبكل ثقة بالنفس تضيف التلميذة صاحبة الـ 16 عاما من برلين: "لدي رأيي الخاص وأعرف أيضًا بالفعل أي حزب سأختاره".
أما "ميرو ليم" فهو يميل إلى التشكيك. فالطالب بالمرحلة الثانوية والبالغ من العمر 17 عامًا كانت لديه الفرصة للتصويت للمرة الأولى في فبراير/ شباط، ولكن فقط على المستوى المحلي، وتحديدا في انتخاب أعضاء الإدارة المحلية في "دائرته" بالعاصمة برلين. "كان الأمر واضحا، ويمكنني تصور ما ربما يحتاج إلى التغيير في المكان الذي أعيش فيه"، يقول ميرو، ويتابع: "في انتخابات البرلمان الألماني، كل شيء أكثر تعقيدًا". علاوة على ذلك، يبدو بالنسبة له أن الدورة التشريعية المتعلقة بالانتخابات البرلمانية طويلة جدًا، مضيفا أنه حتى نهاية الدورة الحالية "يمكن أن يكون رأيي قد تغير منذ فترة طويلة".
يسير ميرو ليم بموقفه الرافض على الأرجح ضمن الاتجاه العام. فوفقًا لاستطلاع رأي حديث لمعهد بحوث الرأي "إنسا"، يرفض 62 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أو يعبرون على الأرجح عن رفضهم السماح للمواطنين بالمشاركة في انتخابات البرلمان الألماني بداية من سن 16 عامًا. رغم ذلك، فإن ذلك يعني أن الشكوك تناقصت تجاه هذه الفئة، ففي استطلاع مماثل قبل سبع سنوات، عبر 80 في المئة عن تحفظاتهم تجاه الأمر.
هذا الشك والتوجس لا تقدر على استيعابه زيغريد ماينهولد-هنشل من مؤسسة برتلسمان، وتقول إن خفض سن التصويت هو وصفة جيدة لمحاربة الملل من السياسة وتضيف: "توضح الدراسات المختلفة أن الشباب البالغين سن السادسة عشرة لا يختلفون في معرفتهم السياسية واهتمامهم عن البالغين سن الثامنة عشرة". وتشرح في مقابلة مع DW: "وبالتالي، هناك غياب لتبرير مقنع لعدم خفض سن التصويت، فالتعامل المبكر مع الأحزاب والانتخابات أمر جيد وهذا ما يبقي ديمقراطيتنا حية ويجعلها قادرة على مجابهة المستقبل".
وماذا عن السياسة؟
الخطوط في السياسة الألمانية واضحة: فأحزاب الائتلاف الحاكم، أي الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) والحزب الديمقراطي الحر (FDP) وحزب الخضر (Grüne) هي مع خفض سن التصويت في الانتخابات الاتحادية. وفي المقابل فإن حزب "اليسار" (Die Linke) والحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) وشقيقه الحزب المسيحي الإجتماعي أو "الحزب البافاري" (CSU) وكذلك حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD) اليميني الشعبوي يرفضون هذا الإصلاح. ويفترض الخبراء أنه إذا ما تم تغيير القانون الأساسي وفقًا لذلك فسيكون هناك حوالي 1.5 مليون ناخب إضافي مؤهلين للتصويت، وهو أمر ضروري. ومع ذلك، للقيام بذلك، يجب الموافقة عليه من قبل ثلثي أعضاء البرلمان الألماني (بودستاغ) ومجلس اتحاد الولايات. ولا تملك أطراف الائتلاف الحاكم الأغلبية اللازمة لذلك، وعليه فهي تحتاج إلى أصوات المعارضة.
يوهانس فوغل، هو واحد ممن يكافحون منذ عقدين تقريبا من أجل تقليل سن التصويت إلى 16 عاما. ويبلغ فوغل الآن 41 عامًا وكان ذات يوم رئيسًا لمنظمة شباب الحزب الديمقراطي الحر، وهو الآن نائب رئيس الحزب المشارك في الحكومة. ويقول فوغل في مقابلة مع DW: "سيتعين على أولئك الذين يرفضون التصويت بداية من سن 16 عامًا أن يقدموا مبررات جيدة إذا لم يرغبوا في منح هذا الحق للمواطنين والمواطنات". وأضاف فوغل: "تعد العدالة بين الأجيال أيضًا حجة من أجل التصويت المبكر في أزمة يشيخ فيها المجتمع، وبالطبع سيكون من الجيد أن يتم مراعاة وجهات نظر الأجيال القادمة بشكل أكبر في السياسة".
لكن المعارضة المحافظة (حزبي الاتحاد المسيحي) تقف في وجه ذلك، بحجة أنه في سن السادسة عشرة، لا يعرف الكثير من الشباب المهنة التي سيختارونها ولا ما يريدون دراسته، ولا يُسمح لهم بشراء المشروبات الروحية ولا بالبقاء في الأندية بعد منتصف الليل، وأن الآباء يكونون مؤثرين بقوة في القرارات الانتخابية. وفي مقابلة مع DW، يقول أنسغار هفلينغ، المسؤول القضائي في الكتلة البرلمانية لحزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي: "من الواضح أن هناك تناقضا إذا كنت من ناحية تسمح للشباب بداية من سن الثامنة عشرة فقط بإبرام العقود وتحمل المسؤولية عنها أمام القانون المدني، ومن ناحية أخرى، تسمح بتخفض سن التصويت".
حق الانتخاب خليط متناقض
في أوروبا، يحق لمن تتراوح أعمارهم بين 16 أو 17 عامًا التصويت فقط في مالطا واليونان والنمسا في الانتخابات البرلمانية. وحتى في جميع أنحاء العالم، يسمح عدد قليل جدًا من الدول للشباب في مثل هذه السن بالتصويت في الانتخابات. أما في ألمانيا فلا يسمح للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا بالتصويت في انتخابات البرلمان الألماني. ولكن هناك ست ولايات ألمانية يُسمح فيها بالفعل لمن هم في سن 16 عامًا بالمشاركة في الانتخابات المحلية بالولاية (انتخاب برلمان الولاية) وأيضًا هناك 11 ولاية من أصل 16 ولاية ألمانية تسمح بمشاركتهم بالتصويت في انتخاب البلديات.
وفي في الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي في يونيو/ حزيران 2024، سيكون لأول مرة من حق الألمان البالغين من العمر 16 عامًا أيضًا التصويت فيها. فقد قررت أحزاب الائتلاف الحاكم الثلاثة هذا الأمر عبر أغلبيتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 ولم تكن بحاجة إلى أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان. وتعتبر ماينهولد- هنشل الخبيرة بمؤسسة برتلسمان أن القواعد المختلفة لسن التصويت شيئا غير جيد وتقول: "لدينا خليط عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى صندوق الاقتراع. ويجب بداية شرح للشاب الصغار لماذا يحق لهم التصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي، بينما لا يسمح لهم بذلك في انتخابات البرلمان الألماني". وهو ما تؤكده التلميذة رايه لينجومون من برلين، حيث قالت لـDW : "أعتقد أن هذا أمر محير لحد ما".
ومن غير الواضح تمامًا ما إذا كانت الحكومة ستنجح في تنفيذ خططها بشأن خفض سن التصويت في الانتخابات إلى 16 عامًا أم لا. ورغم ذلك فإن يوهانس فوغل، السياسي بالحزب الليبرالي، يعلن عن تفاؤله ويقول: "آمل أن ينجح ذلك عاجلا لا آجلا".
فولكر فيتينغ/ ص.ش